زهير كريم - ملكة جمال الجنة…

لقد كان الشيخ عبد الشافي، وطوال سنوات عديدة، يجرب الوسائل والحيل، لكنه فشل في جميعها، ولم يستطع اطفاء نار اللوعة في قلبه، في النهاية كان قريبا من حافة اليأس، على الحافة ولم يقنط تماما من الوصول الى قلب فؤاد. و كان يشعر بقناعة تامة بأن حياته كلها لا تساوي شيئا بدون قبلة واحدة من شفاه فؤاد. المشكلة أن لا القبلة ولا حتى الحديث الودود يمكن أن يتحقق. حسنا، كان فؤاد شابا ملحدا، وهذه من اكبر العقبات، إذ انه غالبا ما كان يسخر من طروحات الشيخ عبد الشافي، حتى أن الشيخ في ساعة شوق مجنونة، فكر أن يمثل دور الملحد، ربما ساعده هذا للفوز بمحبة فؤاد.

ومن جهة أخرى لم يكن لدى فؤاد أية ميول مثلية، صحيح انه وسيم جدا، بل هو يشبه أنثى بدرجة ملكة جمال، لكنه ليس مثليّا، وهو متزوج كذلك، وله طفل عمره عامان. وكان في الوقت نفسه يشعر بالامتعاض من تسرب بعض الاشاعات التي تتعلق بغرام الشيخ عبد الشافي به، وأن العاشق لاينام الليل، وانه طلق زوجته بسبب هذا العشق، بل أن الرجل أعتكف في داره، يصلي الليل والنهار للخلاص من عشق، هو أشبه بالمستحيل. وقد حدث أن مواجهة جرت في المقهى، حيث صرّح أحد الاشخاص في ذلك اليوم بكلام منحط وعدواني قال: ياجماعة، هنا،في هذا المقهى، في هذا الوقت بالذات، يوجد بينا عاشق ومعشوق. نهض فؤاد من تخته، ونشبت مشادة بكلام خشن، تطورت بسرعة الى استخدام اللكمات والكراسي، حصل الشيخ على ضربة فسال دم من أنفه، ثم صرح رجل بكلام فيه الكثير من السخرية، قال: في روايات السلف الصالح، أن الملحدين عندما يموتون سوف يتحولون الى حور عين، ويمكن بالطبع حينها للمؤمنين_أهل الجنة_ أن يختاروا مايشاءون للنكاح. وفي الحقيقة أن الشيخ عبد الشافي لم يقرأ او يسمع رواية مثل هذه في جميع الكتب التي قرأها. رغم ذلك، شعر في داخل نفسه أن الأمل موجود، وأن الله سوف يعوضّه على صبره، حيث يلتقي بفؤاد في عالم السعادة الأبدية. قال ذلك، وكان أشد مايشغله هو السؤال الكبير: كيف أن ملحدا مثل فؤاد يدخل الجنة. لكنه في النهاية قال، بأن الأمر كله يتعلق بثواب المؤمنين، ومن الطبيعي أن يسخّر الله مثل فؤاد لكي ينكحه المؤمنون، بالنسية لي لن أختار سواه، لا أريد حورية ، ولا مائة ولا ألف، يكفيني فؤاد وحسب.

وفي تلك الليلة، انسلت روح الشيخ عبد الباسط من جسده ، كان حلما عجيبا، حيث وجد نفسه في الجنة، الجنة نفسها التي ذكرتها الكتب المقدسة والسلف في رواياتهم. وكان في بداية وصوله مضطربا، لم تثره أنهار الخمر، ولا الفاكهة والأعناب، لم يهتم لطيب الهواء، وعجائب الضوء، كان يبحث في الوجوه كما لو أنه طفل ضائع يبحث عمن يقوده الى الطمأنينة. الحوريات يخطفن من أمامه، لكن عينيه كانتا تتزاوران يمينا وشمالا، ثم قضى وقتا طويلا، ولم يعثر على فؤاد، شعر بالخيبة واليأس، وفكر أن محبوبه لم يمت بعد، وماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة، هل ينتظر ، وكم من الوقت عليه أن يبقى هنا، فالجنة بدون فؤاد لاتعني شيئا، وكان يحدّث نفسه بأن الأرض أفضل له من السماء، على الأقل ليرى فؤاد، حتى لو كان ذلك عن بعد، صحيح أنه لايستطيع أن يكلمه، لكنه يراه . وفجأة ظهر فؤاد، كان في صورة حورية غاية في الجمال، بل هي ملكة جمال الجنة بالتاكيد كما قال الشيخ عبد الشافي الذي ركض، وكانت الحورية التي هي فؤاد تركض، ويبدو أنها كانت تسخر من الشيخ الملهوف، قال: إنه يتدلل وحسب، لكني ساقبض عليه، فهو مسخّر لي بامر الله، سوف الثم شفتيه بقبلة طويلة مقدارها ألف عام، وسوف أنيكه بدوت انقطاع لألف عام، توقف يافؤاد، أنا هنا من اجلك ياحوريتي الوحيدة!!. لكن فؤاد انزلق في الهاوية، فطارت روح الشيخ عبد الباسط، انزلق خلفه، ففز من منامه، وجد نفسه على الارض، ظهره يؤلمه، فمه ناشف،وخاطره مكسور،قال بحزن ويأس: كم أنا بائس، لا الحياة أسعدتني ولا الجنة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى