مختار محمود عبد الوهاب - نظارة

"النيل يجرى كاللبن الحليب " قال
"النيل يجرى كاللبن الحليب" قلت
- دم المناصرة لونه أزرق
- دم المناصرة لونه أزرق
- من خالف فلا يلومن إلا نفسه ! !
- من خالف فلا يلومن إلا نفسه ! !
دائما كان ينصحني ألا أخلع النظارة كي أرى الأشياء على حقيقتها ، في اليقظة وفى وقت النوم ؛ ربما استيقظت فجأة فلا يجب أن أرى الأشياء مختلفة ، ثقيلة على أنفى ترتكز بدعامتين ، وحين تزحف إلى أرنبة الأنف تبدو عيناي بعيدةً بعيدةً وضيقةً ضيقةً . الأقواس غير المتقاطعة تتداخل ،و الدماء الزرقاء تنفجر ، و نحن نصفق و نهتف .
كثيرا كنت أنظر للأشياء بغير النظارة خلسة ، وأستمتع بألوانها المخالفة لطبيعتها و ذلك حين أنفرد بزوجتي فى غرفة النوم ، هى أكثر التزاما منى ، لم تخلعها مذ ولدت و أوصت أن تدفن بها ، أنسب تمردي بعد خلعها الى سوء خلق الزوجة أتلمس بيدي فخذها ، مؤمن أنا أن الممنوع مرغوب ، و أستغفر ثلاثا مما اقترفت من خلعها .
أحيانا أخلع نظارتي لإزالة ما علق بها من غبار دون أن يراني أحد ،أستدير لحائط دورة المياه ،و أدعو "يارب استرها " ، أخلعها وأستخرج منديلا ورقيا وأمسح فى سرعة فائقة ،وأضعها ثانية على أرنبة الأنف وعضلات وجهي منفرجة بما أنجزت من مخالفات .
مرة واحدة نسيت ونظرت إلى مدير الإدارة بعيني الجاحظتين : ما بينه وبين الجسم النوني لعيني غير زجاج نظارته فقط ،فسقط مغشيا عليه ،ومات دون أن أبرر له أنني ما كنت أقصد . يومها رأيت الألوان مختلفة ، والأشكال مختلفة وقررت تحرير محضر بالواقعة ، "……..؟" ، " الدماء لونها أحمر " أجبت على سؤال تقليدي فقهقه ، " وأغرب من هذا : النيل ليس كاللبن الحليب " امتعض وأكد أنني خالفت ، كان على أن أطيع و ألا أعترض فأصحاب النظارات يرون الأشياء على طبيعتها .
في المرة الأخيرة لخلع النظارة ، رأيت صورتي في التلفاز : شابا ثائر الشعر والذقن يلبسه جلباب مرقوع تحته قميص بنصف ياقة ، وبنطال يظهر في خرق الجلباب ، وأثر زيت العربات في يده اليمنى ، ويده اليسرى تحمل " فردة " حذائه اليسرى ،وقدمه اليمنى تلبس بقية الحذاء ، وعيناه زائغتان ، ويده بأثر الزيت بها ورقة حمراء وأخرى زرقاء ولسانه وشيء من شعر رأسه ، وخلفه عصابة تهتف – " النيل لا يجرى كاللبن الحليب" . ! !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى