أحب الطيور وخاصة الكتكوت؛ لأنه طائر بريء، مثلي تمامًا في طفولتي، ولكني لم أكن أستطيع أن أمسكه بيدي، كان نَبْضُه وجسده الساخن يصيبني بالرعشة والرهبة، تمامًا كما يحدث لي الآن، عندما يكون جلدى ملتهبًا.
والدتى لم تنسى عادة والدتها في الريف، وظلت تأوى وتربى الطيور فوق سطح منزلنا الكبير، وكانت تعهد لى بتغذية الدجاج دون أخى خليل، لأنه قاسي القلب، ويقتل القطط، ويقذف بالكلاب من فوق سطح بيتنا، برغم قسوته يهوى الكلاب، ولكنه يحب النقود أيضًا، فكان يلعب لعبة البلي والكُرة والكوتشينة ليكسبها، حتى الكلاب تاجَرَ فيها؛ فقد رَغِبَ أحد أصدقاء أبي في المصنع، في شِراء كلب ليحرس له برج الحمام الذي بناه فوق سطح منزله، فدَلَّه والدي على كلبنا "ركس"، وجاء الرجل وكان قبطيًّا طيبًا اسمه عبدالمسيح، ودَفَعَ النُّقود لأخي لأن أبي لم يكن موجودًا، واصطحب معه الكلب.
كان ركس ينظر إلينا ونحن نُودِّعُه، وهو يسير مع خليل وعبدالمسيح ، كان كلبًا أبيض الشَّعْرِ، مُحدَّد الملامِح، وبه طيبة وحيوية في نفس الوقت، اعتاد أن يُرافِقني حتى مدرستي، ولا يعود إلا عندما آمُرُه أن يعود، وينظر إليَّ بعين الحنان والوُدِّ، ويستقبلني بودٍّ، وعوضني فقداني لأخى حسن.
ذهب ريكس وافتقَدْتُه كثيرًا، ولكنه بعد فترة عاد، مرهقًا، ولكنه فرحًا، وهزّ ذيله كثيرًاعندما رآني.
لاحظت أنه خَسِرَ وزنه، وقَلَّ شَعْرُه واتَّسَخَ، فرحت به وحممته ومشطت شعره بمساعدة أخي الأصغر ماجد، وقلنا سيمكث معنا للأبد، وسندافع عنه مهما حدث، ولن نسمح ببيعه مرة ثانية، أو طرده من المنزل، فهو واحد من أسرتنا الآن، وله علينا حقوق، ولكن في اليوم التالي جاء السيد عبدالمسيح، وطَالَبَ بالكلب مرة ثانية، فساوَمَه أخي عليه، ولم يخرجه له حتى أعطاه بعض النقود، حاولنا منعه، ولكن خليل نهرنا، وكاد يضربنا، ودفع ماجد من على درجات السلم، وبات يبكي ويصرخ، وركس يرتعد ويعوي، ولكنه مستسلم لإرادة خليل، لأنه هو الذي دربه على طاعته.
وذهب ركس وغاب فترة، كنا ننتظره فيها كل يوم وكان سطح بيتنا ليس له طعم ولا رائحة، حتى طقس الاستحمام الذي تعودنا عليه أنا وأخي وركس، حيث كان هناك بانيو قديم يعلوه الدش، فكنا نملؤه ماء كأنه حمام سباحة، وخاصة في ليالى الصيف، ونعوم فيه لنتخلص من قيظ الحرارة، فتوقفنا عن فعله، وعاد ركس مرة ثانية أكثر إرهاقًا وأكثر محبة، ولكنه عاد بعادات سيئة، فكان يجلب الطيور النَّافِقة ليلًا من القمامة، ويضعها أمام شقتنا وعلى السلالم، وأصبحت أمي تطرده برغم رثائها لحاله.
رفض أبي أن يترك الكلب يمكث داخل السكن، وقال" هينجس البيت وسيمرض العائلة بجلده الأجرب"، ولكن الكلب ركس ظل يرافقني إلى المدرسة، برغم قسوة التلاميذ معه وخوفهم منه، لجَرَبِه والجروح التي تملأ جسده، لم أره مع أنثى كلب لمرة واحدة، وكنت أتساءل لماذا لا يفعل الكلب مثلما تفعل الكلاب، وتفضح نفسها لدرجة أن النسوة في الحارة كنّ يتلصصن على فعلها، عندما نجرسها في الشارع، وعندما نقبض عليهما في فعل المضاجعة.
أخذ ركس يخرج ليلًا ليتجول مع الكلاب، ويعود بجروح جديدة، ثم أصابه الإعياء، وجاء مرة وذيله مقطوع، وقالت جدتي: لقد لَبِسَه الشيطان، واحمرت وابيضت عيناه، ولكن كان لا يزال ينظر بها إلي بكل الوُدِّ، ثم قرر أخي أن يتخلص منه، واصطحبه إلى السطح، وألقاه في المنور، وأنا أصْرُخُ وأتوسَّلُ إليه ألا يفعل، ولكنه كان بالجرأة أن يقتله.
رأيته وهو يهوى ويسقط ويرتطم بالأرض، صدرت منه صرخة مُدوية في السماء، حتى الآن أسمعها كثيرًا في كوابيسي، وعندما نزلت إليه وجدته ينظر إليَّ بنفس نظرة الحنان، ويتوسل إليَّ ألا أشعر بالذَّنب، فقد أحبني حتى آخر لحظة وأنا كذلك.
والدتى لم تنسى عادة والدتها في الريف، وظلت تأوى وتربى الطيور فوق سطح منزلنا الكبير، وكانت تعهد لى بتغذية الدجاج دون أخى خليل، لأنه قاسي القلب، ويقتل القطط، ويقذف بالكلاب من فوق سطح بيتنا، برغم قسوته يهوى الكلاب، ولكنه يحب النقود أيضًا، فكان يلعب لعبة البلي والكُرة والكوتشينة ليكسبها، حتى الكلاب تاجَرَ فيها؛ فقد رَغِبَ أحد أصدقاء أبي في المصنع، في شِراء كلب ليحرس له برج الحمام الذي بناه فوق سطح منزله، فدَلَّه والدي على كلبنا "ركس"، وجاء الرجل وكان قبطيًّا طيبًا اسمه عبدالمسيح، ودَفَعَ النُّقود لأخي لأن أبي لم يكن موجودًا، واصطحب معه الكلب.
كان ركس ينظر إلينا ونحن نُودِّعُه، وهو يسير مع خليل وعبدالمسيح ، كان كلبًا أبيض الشَّعْرِ، مُحدَّد الملامِح، وبه طيبة وحيوية في نفس الوقت، اعتاد أن يُرافِقني حتى مدرستي، ولا يعود إلا عندما آمُرُه أن يعود، وينظر إليَّ بعين الحنان والوُدِّ، ويستقبلني بودٍّ، وعوضني فقداني لأخى حسن.
ذهب ريكس وافتقَدْتُه كثيرًا، ولكنه بعد فترة عاد، مرهقًا، ولكنه فرحًا، وهزّ ذيله كثيرًاعندما رآني.
لاحظت أنه خَسِرَ وزنه، وقَلَّ شَعْرُه واتَّسَخَ، فرحت به وحممته ومشطت شعره بمساعدة أخي الأصغر ماجد، وقلنا سيمكث معنا للأبد، وسندافع عنه مهما حدث، ولن نسمح ببيعه مرة ثانية، أو طرده من المنزل، فهو واحد من أسرتنا الآن، وله علينا حقوق، ولكن في اليوم التالي جاء السيد عبدالمسيح، وطَالَبَ بالكلب مرة ثانية، فساوَمَه أخي عليه، ولم يخرجه له حتى أعطاه بعض النقود، حاولنا منعه، ولكن خليل نهرنا، وكاد يضربنا، ودفع ماجد من على درجات السلم، وبات يبكي ويصرخ، وركس يرتعد ويعوي، ولكنه مستسلم لإرادة خليل، لأنه هو الذي دربه على طاعته.
وذهب ركس وغاب فترة، كنا ننتظره فيها كل يوم وكان سطح بيتنا ليس له طعم ولا رائحة، حتى طقس الاستحمام الذي تعودنا عليه أنا وأخي وركس، حيث كان هناك بانيو قديم يعلوه الدش، فكنا نملؤه ماء كأنه حمام سباحة، وخاصة في ليالى الصيف، ونعوم فيه لنتخلص من قيظ الحرارة، فتوقفنا عن فعله، وعاد ركس مرة ثانية أكثر إرهاقًا وأكثر محبة، ولكنه عاد بعادات سيئة، فكان يجلب الطيور النَّافِقة ليلًا من القمامة، ويضعها أمام شقتنا وعلى السلالم، وأصبحت أمي تطرده برغم رثائها لحاله.
رفض أبي أن يترك الكلب يمكث داخل السكن، وقال" هينجس البيت وسيمرض العائلة بجلده الأجرب"، ولكن الكلب ركس ظل يرافقني إلى المدرسة، برغم قسوة التلاميذ معه وخوفهم منه، لجَرَبِه والجروح التي تملأ جسده، لم أره مع أنثى كلب لمرة واحدة، وكنت أتساءل لماذا لا يفعل الكلب مثلما تفعل الكلاب، وتفضح نفسها لدرجة أن النسوة في الحارة كنّ يتلصصن على فعلها، عندما نجرسها في الشارع، وعندما نقبض عليهما في فعل المضاجعة.
أخذ ركس يخرج ليلًا ليتجول مع الكلاب، ويعود بجروح جديدة، ثم أصابه الإعياء، وجاء مرة وذيله مقطوع، وقالت جدتي: لقد لَبِسَه الشيطان، واحمرت وابيضت عيناه، ولكن كان لا يزال ينظر بها إلي بكل الوُدِّ، ثم قرر أخي أن يتخلص منه، واصطحبه إلى السطح، وألقاه في المنور، وأنا أصْرُخُ وأتوسَّلُ إليه ألا يفعل، ولكنه كان بالجرأة أن يقتله.
رأيته وهو يهوى ويسقط ويرتطم بالأرض، صدرت منه صرخة مُدوية في السماء، حتى الآن أسمعها كثيرًا في كوابيسي، وعندما نزلت إليه وجدته ينظر إليَّ بنفس نظرة الحنان، ويتوسل إليَّ ألا أشعر بالذَّنب، فقد أحبني حتى آخر لحظة وأنا كذلك.