أتسكع هذه الأيام في فضاء لاينتهي؛ ثمة أمكنة لما أحط بها خبرا؛ بنايات تعود إلى أزمنة سحيقة؛ سكنها أناس مثلنا وارتحلوا؛ يضرب الموت بمعاوله كل آونة؛ يمكث الحزن فترة ثم ينقضي؛ تخبرني أمي بحكايات عجيبة، عن صنف من البشر كانت لهم عيون تشبه حبات العنب؛ أنوفهم طويلة تقارب الشبر ونصف؛ أصابهم الصلع فتعكس رؤسهم أشعة الشمس ومن ثم يخافهم الصغار؛ توالي حديثها بأن هؤلاء يسكنون خرابة فراج؛ يخرجون عند منتصف الليل حين يغيب القمر، يتسلقون أشجار الكافور العملاقة والتي تقف حارسة تلك البلاد، يمكثون في الأعالي عدة أيام ثم يهبطون إلى جوف النهر.
يمسكون حرابا طويلة ذات حواف مدببة يغمزونها في قلوب العذارى؛ يغنون بأصوات رخيمة؛ يراقصون الحجر ثم بعد يسلبون البشر عقولهم؛ مضى كل هذا وبات كفرنا ينطوي على أحزانه لاتكاد تفارقه، هاأنا تجاوزت سن الشباب وبت على أعتاب الخرف، أنتظر فتاة تعيد إلي فحولتي التي ذبلت فأصابها البوار؛ أحاول مصاحبة رضا العطار ذلك الشيخ الممتليء شحما وتتثنى أردافه كما لو أنه أنثى اكتنزت لحما، أوصاني بزوجين من الحمام أفترسهما صباح يوم الجمعة اليتيمة؛ لا أدري من الذي أخذ روح أبيها فانطوت على حزنها لاتفارقه.
على أية حال التهمت ثلاث بيضات وأتبعتهن بمرق تعلوه سمن؛ بدأت أشعر بقوة غريبة تسري في أعضائي المصابة بالموات.
أصابتني تخمة جراء تلك الأطعمة الموصوفة؛ حين يكون العطار طبيب تمتليء المعدة وتعبث الوساوس في ظلمة تحيط بكل شيء؛ أتحسس كوة بالجدار الحجري فلا أمسك إلا ببيض العناكب التى سكنت الدار؛ أتشمم رائحة غريبة تخرجها تلك الحشرات التي ترتع في كل ركن من البناية العتيقة؛ تقزم البيت فهو كل آونة يتساقط منه ركن؛ يقهقه كبيرهم؛ تغني داليدا هافا ناجيلا!
تغدو الطائرات وتروح كأن لم يكن بحر بقر ولاصبرا وشتيلا؛ تتهادى الراقصات فوق خشبة نصبوها في زاوية كفرنا الذي فقد ذاكرته
يوم السبت يدخل في غيابة الكهف؛ يرتشف هؤلاء الآخرون كؤوسا عتيقة.
تبدو نسوة في ثياب قرمزية، امتلأ كفرنا بكائنات تدب في العتمة؛ سكن السوس سقف الجامع القبلي الذي شهدت بناءه؛ يومها كنت أرقب المأذنة وهي تعلو حتى تطاول السحاب كانت عملاقة فوقها هلال نحاسي صنعه عم رضوان الفقي، كان رجلا يضيء وجهه نورا، تجمع الأجداد وتقاسموا فيما بينهم ثمنه؛ جدتي الخضراء قدمت إسورة من حليها الذي ورثته من أمها فاطمة زورة؛ كان ينير ليالي العيد بعد رمضان؛ بت أتساءل أين اختفى الهلال؟
لم يأت العيد بعد!
متى هو؟
رغم مرور كل هذه السنوات العجاف ماأزال ذلك الطفل الذي ينتظر فرحة الثياب الجديدة ويحلم ببراءة الزمن الذي طويت صفحته.
يتسلق القوم الآخرون سلما من خيوط يتنقلون بها بين البيوت في مهارة وخفة؛ كنت أحسب أمي تهذى؛ فغير معقول أن يوجد أناس بهذه الصورة؛ حين آويت إلى فراشي تملكني الفزع؛ طرقات متوالية على باب بيتنا الحجري الذي ينزوي بعيدا في الصحراء؛ بعدما ارتحل أبي إلى ربه منذ عام مضى لاتتركني الأحلام المفزعة؛ أظل طوال الليل أحرس الشياة وأطعم الكلب الأبيض ذلك الذي كان الطيب يتعهده بالطعام؛ نصحني ألا أشبعه حتى لايخلد إلى النوم وينزوي في جحره يستدفيء من برودة الشتاء؛ أحكم غلق الباب بالمزلاج وأضع حجرة من وراء أخرى؛ أبيت ممسكا بعصاي حتى مطلع الفجر؛ حين نمت جاءني هؤلاء؛ يمسكون بورقة وقلم يأمرونني أن أكتب رسالة إلى حنظلة بن ناجي العلي: لقد باعك الذين أطلقوا الرصاص على أبيك!
ستظل ممزق الثياب حافي القدمين.
أضم حنظلة إلى صدري؛ تتساقط دموعي على خدي؛ أشعر معه باليتم؛ في مثل تلك الأيام من عام مضى مات أبي؛ صرت وحنظة غريبين؛ تنبح علينا كلاب سوداء؛ أخاف الموت يتخطفني قبل أن أعهد بحنظلة إلى رجل ليس من الآخرين؛ أتفرس في وجوه العابرين إلى متاهة الأفعى؛ كلهم تنكر له رآه حملا لايطاق؛ فالخمر والليل والأرداف تنسي أبعاد وطن تقزم وسكنت مآذنه جموع من العناكب.
يمسكون حرابا طويلة ذات حواف مدببة يغمزونها في قلوب العذارى؛ يغنون بأصوات رخيمة؛ يراقصون الحجر ثم بعد يسلبون البشر عقولهم؛ مضى كل هذا وبات كفرنا ينطوي على أحزانه لاتكاد تفارقه، هاأنا تجاوزت سن الشباب وبت على أعتاب الخرف، أنتظر فتاة تعيد إلي فحولتي التي ذبلت فأصابها البوار؛ أحاول مصاحبة رضا العطار ذلك الشيخ الممتليء شحما وتتثنى أردافه كما لو أنه أنثى اكتنزت لحما، أوصاني بزوجين من الحمام أفترسهما صباح يوم الجمعة اليتيمة؛ لا أدري من الذي أخذ روح أبيها فانطوت على حزنها لاتفارقه.
على أية حال التهمت ثلاث بيضات وأتبعتهن بمرق تعلوه سمن؛ بدأت أشعر بقوة غريبة تسري في أعضائي المصابة بالموات.
أصابتني تخمة جراء تلك الأطعمة الموصوفة؛ حين يكون العطار طبيب تمتليء المعدة وتعبث الوساوس في ظلمة تحيط بكل شيء؛ أتحسس كوة بالجدار الحجري فلا أمسك إلا ببيض العناكب التى سكنت الدار؛ أتشمم رائحة غريبة تخرجها تلك الحشرات التي ترتع في كل ركن من البناية العتيقة؛ تقزم البيت فهو كل آونة يتساقط منه ركن؛ يقهقه كبيرهم؛ تغني داليدا هافا ناجيلا!
تغدو الطائرات وتروح كأن لم يكن بحر بقر ولاصبرا وشتيلا؛ تتهادى الراقصات فوق خشبة نصبوها في زاوية كفرنا الذي فقد ذاكرته
يوم السبت يدخل في غيابة الكهف؛ يرتشف هؤلاء الآخرون كؤوسا عتيقة.
تبدو نسوة في ثياب قرمزية، امتلأ كفرنا بكائنات تدب في العتمة؛ سكن السوس سقف الجامع القبلي الذي شهدت بناءه؛ يومها كنت أرقب المأذنة وهي تعلو حتى تطاول السحاب كانت عملاقة فوقها هلال نحاسي صنعه عم رضوان الفقي، كان رجلا يضيء وجهه نورا، تجمع الأجداد وتقاسموا فيما بينهم ثمنه؛ جدتي الخضراء قدمت إسورة من حليها الذي ورثته من أمها فاطمة زورة؛ كان ينير ليالي العيد بعد رمضان؛ بت أتساءل أين اختفى الهلال؟
لم يأت العيد بعد!
متى هو؟
رغم مرور كل هذه السنوات العجاف ماأزال ذلك الطفل الذي ينتظر فرحة الثياب الجديدة ويحلم ببراءة الزمن الذي طويت صفحته.
يتسلق القوم الآخرون سلما من خيوط يتنقلون بها بين البيوت في مهارة وخفة؛ كنت أحسب أمي تهذى؛ فغير معقول أن يوجد أناس بهذه الصورة؛ حين آويت إلى فراشي تملكني الفزع؛ طرقات متوالية على باب بيتنا الحجري الذي ينزوي بعيدا في الصحراء؛ بعدما ارتحل أبي إلى ربه منذ عام مضى لاتتركني الأحلام المفزعة؛ أظل طوال الليل أحرس الشياة وأطعم الكلب الأبيض ذلك الذي كان الطيب يتعهده بالطعام؛ نصحني ألا أشبعه حتى لايخلد إلى النوم وينزوي في جحره يستدفيء من برودة الشتاء؛ أحكم غلق الباب بالمزلاج وأضع حجرة من وراء أخرى؛ أبيت ممسكا بعصاي حتى مطلع الفجر؛ حين نمت جاءني هؤلاء؛ يمسكون بورقة وقلم يأمرونني أن أكتب رسالة إلى حنظلة بن ناجي العلي: لقد باعك الذين أطلقوا الرصاص على أبيك!
ستظل ممزق الثياب حافي القدمين.
أضم حنظلة إلى صدري؛ تتساقط دموعي على خدي؛ أشعر معه باليتم؛ في مثل تلك الأيام من عام مضى مات أبي؛ صرت وحنظة غريبين؛ تنبح علينا كلاب سوداء؛ أخاف الموت يتخطفني قبل أن أعهد بحنظلة إلى رجل ليس من الآخرين؛ أتفرس في وجوه العابرين إلى متاهة الأفعى؛ كلهم تنكر له رآه حملا لايطاق؛ فالخمر والليل والأرداف تنسي أبعاد وطن تقزم وسكنت مآذنه جموع من العناكب.