طلحة محمد - ماريونيتا.. قصة قصيرة

'' الإهداء : إلى امرأة من ضوء ونور ، إلى امرأة انتشلتني من العتمة لأبقى على قيد الحواس أشقى ، إليك أيتها السمراء ألف وداع بطعم أمل اللقاء .
اعتني بي كما ألفت ذلك منك و لو في ذاكرتك ها أنا أدفع أقساط نسيانك مع أني أحببتك دفعة واحدة "

امرأة توشك على النور بملحمة غنجيّة في حياة شابّة في كامل مشمشها . سمعت هذا صباحا من عشيقها الذي يذكرني ب " أليوشا الأخوة كارامازوف "
لم أفهم لماذا تركها دون مساء كما اعتادا حين يفترقان لكنّه على غير عادته استبدلها بدميةٍ اسكنها روحها في لحظة غيرةٍ افترسته ليخاطبها ويطفيء نار شوقه .
جلس بمحاذاة النّافذة يعاتب رذاذ المطر الذي تفنّن في تلطيخ الصّورة الحقيقية لها من وراء الزّجاج تحت زخّات المطر، وبالرّغم من أنّه لم يلتقها مذ تلك المناسبة التي أسماها عيد ميلاد حبيبته الأخير لكنّها تفاجأت بعد طول غياب عندما وجدت في صندوق بريدها المنزلي وردة ودمية وبطاقة تهنئة كتبت بتاريخ قديم وحسب ما فهمت من العبارات أنّ طيلة أيامه المملوءة بشغفه وحبّه لها كان يسمّيها عزلة سوف ستكون غدا متجاهلا القدر ، مستمرا في البحث عنها كلّ مساء في كل دمية يشتريها .
لم يستسلم لكوابيسه التي لاحقته في لياليه الحزينة مسبّبة له نزيفا في وجدانه فانسحب من ذاكرته متوتّرا يتفوّه بالوداع وقلبه يريد المكوث أكثر .
عرف أنّه لا يزال في شريط ذاكرتها يسبح دائما في خيالاتها حتى صار من يومياتها المعتادة تراه يشتري وردته كل يوم من باقاتها الجميلة محترمة مزاجيته في التناوب على الألوان بحساب أيام الاسبوع دون أن يخون وفاءه للوردة البيضاء التي تحمل حدثا هاما اعتبره رمزا من رموز قصته معها .
لكنّ المؤسف أنه صادف أبواب محلّها موصدة حين التقيته للمرّة الثانية والتى كان ينوي فيها دعوتنا إلى عقد قرانه بها وبحسب اللّافتة التي تخبر زبائنها عن غيابها بسبب شهر العسل مع صاحب الظلّ الطويل الذي جاء إلى مديتنا بدون هويّة أو عنوان قد اختارا معا لعبة زواج بخيوط الماريونيت.
بدى مضطربا وهو يسرف في شرحه لي عن سوء حظّه مع بائعة الورود وفي طريق عودتنا صادفنا عرّافة قرأت طالعه ، كانت كفّ يده مزهرة ودمى كثيرة تتراقص عليها وقفزت منها إحداهن وقالت له أنت رفيقي الليلة.
أعطته كفّه المزهرة طريقا محفوفا بالأمل مع عشيقته، فأسرع إلى بيته منزويا بجانب نافذته المعهودة، ثم أمسك بطاقة تهنئة بتاريخ جديد وكتب عليها لقاء سوف يكون غذا باثّا تفاؤلا بين سطوره بدل العزلة التي كانت هاجسه فيما مضى .
أبقى على أحلامه السّرمدية وقرّر أن يعيد المحاولة في كلّ صباح كعادته معاديا للجبن والإستسلام ، وفي اليوم الموالي تفاجأ بها على رصيفها المعتاد تنادي بباقة وردها، فتقدّم منها بحماس على غير عادته وانحنى على الأرض بركبة وقدم مقدّما لها وردة بيضاء كان قد اقتناها من عندها في أوّل لقاء فأقامته بكلتا يديها ليعتلي خدّه منصّة نحرها تضمّه بشدة مبذّرة كلّ شبقها عليه .

إحالات:

الإخوة كارامازوف : رواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي
أليوشا : أحد الشخصيات الفاعلة في رواية الإخوة كارامازوف
الماريونيت : (الدمى المتحركة ) عبارة على مجسمات اصطناعية يتحكم بها شخص إما بيده أو بخيوط أو أسلاك
صاحب الظل الطويل : رواية للكاتبة الأمريكية جين ويبستر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى