علجية عيش - حديث الصباح.. أولوية إعادة النظر في الأحداث و المناهج و المنظومات

كيف نخلق منظومة تكون لها القدرة على التعايش مع الآخر؟

كثير من يعتقد أن إعادة النظر في القضايا هي إلغاء التاريخ، و كثير من يعتقد أن المراجعة هي التراجع، فإعادة النظر في الأشياء التي تحدث أمامنا أو التي نقوم بها عن غير تفكير جِدّي أو دراسة جِدِيَّة، هي نابعة من غياب المنهج، فلكل واحد منا لابد أن يكون له في حياته منهج يسير عليه، سواء كان شخص عادي أو معنوي، و سواء كان في المسائل الإقتصادية أو السياسية، أو في مجال البحوث أو حتى في الحياة العادية للإنسان، ففي الجانب السياسي فإن إعادة النظر في الأحداث التاريخية تمكن السياسيين و رجال الفكر من تصحيح الأخطاء التي وقعت في فترة من الفترات، بالإعتماد على منهج تاريخي فكري، و استعادة سلطة الوعي المفقودة في لحظة تهوّر في رسم السياسات أو اتخاذ قرارات سياسية قد تُضَيِّعُ حقوق الناس أو تهدر دماؤهم و ما الحروب الأهلية إلا نتاج التهوّر و "الإندفاعية"، فبدلا من تحقيق اهدافها تفقد طريقة العبور نحو المستقبل.​

كثير من الباحثين يربطون مشكلة المنهج بالإيديولوجيا، ويرون أن الإيديولوجية مرتبطة أيضا بمنطق التجربة و الخطأ، و بذلك نجد بعض الأنظمة السياسية أو حتى الإقتصادية تنشغل بإيجاد حلول للمشكلات دون التفكير أو القدرة على التنبؤ بالمشكلات التي يمكن أن تتولد عن المشكلات السابقة، فتظل تدور في حلقة مفرغة، قد تجعلها تابعة للأحداث لا صانعتها، و عاجزة عن تحويل مجراها و التحكم في نتائجها، و بالتالي تكون غير قادرة على "التغيير"، مثلما نراه اليوم في الثورات الشعبية، يقول أحد الباحثين أن الثوري العربي كان عليه أن يحلل المعطيات الثورية و الوقوف على العوامل السلبية التي تنخر قلب المجتمع ، سواء أكان مجتمعا ماديا أو مثاليا، لقد سعت بعض النظم السياسية إلى البحث عن المجتمع المثالي، و أين يمكن العثور عليه، و هل يمكن الوصول إليه ، و ماهو المنهج الذي ارتكز عليه هذا المجتمع حتى حقق مثاليته، أم أن الحديث عن "المثالية" ضرب من الخيال، و أن الدعوة إليها هي دعوة شعراء رومانسيون لا يستطيعون تطوير الواقع الفاسد أو تغييره، في ظل تنامي العنف و التطرف، و الغطرسة السياسية و العسكرية و النزاعات المسلحة، التي جعلت جيل ما بعد النكبة يجهض كل إمكانياته و يفقد معنوياته فاستسلم إلى الواقع .​

أما في الجانب الإقتصادي نجد كثير من المشاريع التي تطلقها المؤسسات تكون نهايتها الفشل و بالتالي تخسر الدولة أموالا ضخمة صرفت على هذه المشاريع، فقد نقرأ مثلا أخبار تعكس ما يتوجب عليه أن يكون في الواقع، فأن يصرح مسؤول مثلا : أن سنة 2021 ستكون سنة مناطق ظل بامتياز، هذا يعني أن الأزمة قد تتعقد أكثر في ظل انتشار جائحة كوفيد 19 و ظهور سلالات جديدة، هذه الأخيرة التي تنتشر بسهول حسب الخبراء، و بالتالي سيكون تراجع في التنمية، و مناطق الظل تعني وجود تمزق في التنمية و استمرارها، لأن مناطق الظل هي المناطق التي يصعب الوصول إليها وهي تتعلق بساكنة الجبال، أو المناطق الصحراوية المعزولة التي يصعب الوصول إليها أيضا و تحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة ( عتاد نقل متطور)، و لا تعني الأحياء القديمة ، الهشة، المتواجدة بالمدن الكبرى التي ينبغي أن تكون في مستوى المدن المتطورة، كذلك الشأن بالنسبة للحياة الإجتماعية، كثير من العلاقات الزوجية مثلا تنتهي بالطلاق أو الإنفصال ، لأن التأسيس لها لم يكن مبني على منهج سليم، كما يوجد خلل في المنظومة الإجتماعية التي أدت إلى حدوث اضطرابات في الشخصية، هذه المنظومة التي كانت سببا في عدم القدرة على التعايش مع الآخر.​

نفس الشيئ بالنسبة للمنهج التربوي ، فعدم اعتماد مناهج تربوية تتماشى و خصوصية المجتمع عادة ما تؤول إلى الفشل ، فكثير من المناهج الغربية أدخلت على المنظومة التربوية العربية، فحدثت صراعات و اضطرابات كادت أن تؤدي إلى حروب، و التاريخ يكشف كيف عملت الدول الإستعمارية على سلب الشعوب إرادتها و إبعادها عن موروثها الثقافي عن طريق المنظومة التربوية، و فرض الإختلاط بين الجنسين داخل القسم، فيفقد بذلك الطلبة تركزيهم، بل قد يتسع الأمر بهم إلى ربط علاقات عاطفية و هم في سنة المراهقة، في ظل لتطور التكنولوجي و ظهور الفيسبوك، الذي أدى إلى انتشار الجريمة الإلكترونية، فهذه المنظومة ( المنهج) كما يقول خبراء لها مداخل و عمليات تحويل و مخارج، و تتأثر تاثيرا مباشرا بمناخ و ثقافة المؤسسة ، فمن المنطق إذن أن يخضع فكر الإنسان إلى التحليل و المراجعة و يكون تفكيره داخل الجماعة عامل بناء و إنماء لا عامل هدم و دمار، المشكل هو أن المسؤولين اعتمدوا على التنمية المادية، و أهملوا العامل البشري ، أي بناء و تكوين العنصر البشري ، و هي مسؤولية كل واحد تجاه المجتمع الذي يعيش فيه من أجل تغيير الواقع الإنساني، و يبق السؤال هو : كيف نخلق منظومة ( سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تربوية ثقافية فكرية ) تكون لها القدرة على التعايش مع الآخر؟.​
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى