بنتٌ جميلة وهي لا تدري أنها جميلة.
المرآة بالكاد تكفي وجهها، صغيرة ومكسورة ومثبتتة على الحائط الخطأ، مغمورة بالظلال.
ترى وجهها كل يوم على المرآة عابرةً عجلى، تذهب في يومها، تسير في الطرقات مواجِهةً العالم، -كلّ العالم- بوجهها، تلف أحيانا حوله حجابًا، وأحيانًا تنظر يمنة ويسرة إلى الطريق ثم ترخيه قليلًا، حين تعود مساءً تكون حبيبات العرق تؤلف إطارًا حول وجهها من تعب اليوم.
كل يوم كانت تسير في طريق محفوفة بالشجر، الشجرةُ التي تواجهها لحظة ترخيه تشهق، تنفث كل أكسجينها المختزن في أوراقها -زادًا لليل- في وجه البنت التي لا تدري أنها جميلة وأن حبيبات العرق مثل إطارٍ ماسيٍّ حول وجهها، وأن وجهها المتعب متداعي الملامح أحلى وأكثر عفوية منه في تماسك ملامحه.
تلكَ الشجرةُ عرفت هذا السر.
تمر من طريق الشجر كل يوم، تحب نسيم تلك الطريق، وقد غدت هذه العادة.
ذات سير، توقفت فجأةً، البنت التي انزلقت من طريق أخرى بخفة، نظرت نحو الشجر وابتسمت، شهقت الشجرةُ نفسها التي تعرف السر، ووشوشت في أذن جارتها، بالسر طبعًا، ثم وشوشت الثانية في أذن الثالثة، ثم الرابعة، وكذا انتشر الخبر عن بنت جميلة تمشي في الجوار، والبنت وهي تمشي في الطريق حذاءَ كل شجرة، جعلت كل شجرة تلتفت طوعًا، وتشهق وتنفث الأكسجين في وجهها، ثم لحظةَ أرخت حجابها أخذت الأشجار تتمايل بالطرب كما لو أن أغنية في الجوار، في التماع الماس! واندلعت في المكان حفلة أكسجين واندلعت من ملامحها المرهقة ابتسامتها مأخوذةً بلطافة الجو المفاجِئة.
حين أكملت الشارع كله كان كل الشجر مورقًا أكثر!
البنت التي استمرت تسير في ذات الطريق، وهي لا تدري أنها جميلة، عرفت من نشرة الطقس أن ظاهرة غريبة رُصدت في المدينة: تكون الفصول كلها في طريق واحدٍ فقط، ربيعًا، وهكذا طوال السنة!
د. إسراء رفعت
أغسطس 018
جدة
المرآة بالكاد تكفي وجهها، صغيرة ومكسورة ومثبتتة على الحائط الخطأ، مغمورة بالظلال.
ترى وجهها كل يوم على المرآة عابرةً عجلى، تذهب في يومها، تسير في الطرقات مواجِهةً العالم، -كلّ العالم- بوجهها، تلف أحيانا حوله حجابًا، وأحيانًا تنظر يمنة ويسرة إلى الطريق ثم ترخيه قليلًا، حين تعود مساءً تكون حبيبات العرق تؤلف إطارًا حول وجهها من تعب اليوم.
كل يوم كانت تسير في طريق محفوفة بالشجر، الشجرةُ التي تواجهها لحظة ترخيه تشهق، تنفث كل أكسجينها المختزن في أوراقها -زادًا لليل- في وجه البنت التي لا تدري أنها جميلة وأن حبيبات العرق مثل إطارٍ ماسيٍّ حول وجهها، وأن وجهها المتعب متداعي الملامح أحلى وأكثر عفوية منه في تماسك ملامحه.
تلكَ الشجرةُ عرفت هذا السر.
تمر من طريق الشجر كل يوم، تحب نسيم تلك الطريق، وقد غدت هذه العادة.
ذات سير، توقفت فجأةً، البنت التي انزلقت من طريق أخرى بخفة، نظرت نحو الشجر وابتسمت، شهقت الشجرةُ نفسها التي تعرف السر، ووشوشت في أذن جارتها، بالسر طبعًا، ثم وشوشت الثانية في أذن الثالثة، ثم الرابعة، وكذا انتشر الخبر عن بنت جميلة تمشي في الجوار، والبنت وهي تمشي في الطريق حذاءَ كل شجرة، جعلت كل شجرة تلتفت طوعًا، وتشهق وتنفث الأكسجين في وجهها، ثم لحظةَ أرخت حجابها أخذت الأشجار تتمايل بالطرب كما لو أن أغنية في الجوار، في التماع الماس! واندلعت في المكان حفلة أكسجين واندلعت من ملامحها المرهقة ابتسامتها مأخوذةً بلطافة الجو المفاجِئة.
حين أكملت الشارع كله كان كل الشجر مورقًا أكثر!
البنت التي استمرت تسير في ذات الطريق، وهي لا تدري أنها جميلة، عرفت من نشرة الطقس أن ظاهرة غريبة رُصدت في المدينة: تكون الفصول كلها في طريق واحدٍ فقط، ربيعًا، وهكذا طوال السنة!
د. إسراء رفعت
أغسطس 018
جدة