إشتراني من سوق الأشياء المُسْتعملة ، بعد أن ساوم عليّ حتى بحّ و جفّ ريقه وكان قد أعطاني موظف سامي في إحدى الوزارات لِمتسوّل يجوب أزقة حيِّه الراقي ، كنت حينها ما زلت فتياً ولم أبلغ بعد مبلغ الكهولة ، خدَّايا كانا متماسكين ولم تكن لدي لُغُود تشوِّهُني فضْلا عن أني أتمتع بصحة جيدة يحسدني عليها جيراني في دولاب سيدي الموظف .
الذي إشتراني من سوق الخرداوات ، نَذْل ولم ينْشأ في كَنَف الخير ولا عرف له مقياساً ، حشرني في
خزانة للثياب عتيقة جداً وعَاصَرت جَدَّ النمل ، الخزانة تضوع منها رائحة براز الفئران والحشرات
الليلية ورائحة سمك فاسد وَبُول الثياب العليلة المنسية داخلها ، زيادة على رائحة يدي الرجل العنكبوتيتين المعروقتين والمتخشبتين ورائحة شيخوخته المتقدمة التي كان يحرص على إيداعها في أحد أدراج الدولاب المتداعية ويحكم الإغلاق عليها خوفا من أن تتَسرَّب وتتبعه في أحياء المدينة التي يجوبها حتى وقت متأخر من الليل ، في الخزانة المعتمة كنت الوحيد ، بين ثياب مهلهلة ، الذي حُضِي بِعَلَّاقة يعلقني عليها صاحبي كيفما شاء ومتى شاء ، عِلماً أنه لا يشاء إلا في حالات ناذرة جداً .
ولأني كنت القاطن الوحيد الذي يدمن الرجل إستعماله ،سرعان ما دَبَّت الغضون على جلدي الحساس ، وبدأ الخَرَف يهدِّدني وركبني الوهن وظهرت علي بوادر الشيخوخة وذهبت أدراج الرياح كل آمالي في أن أحضى بتقاعد مريح يخوِّل لي حياة مريحة ،وهكذا كتب علي الشقاء الأبَدي بعد أن كنت أرْفَل في النعيم وحياة الرَّفاهية ،أركب السيارات الفارهة ، أتجول في الأسواق الكبيرة المتعددة الأروقة ، أتفرَّج على واجِهات المحَلَّات الرَّاقية ، أرْتَاد المطاعم التي تقدم الأطعمة الفاخِرة ، أقضي آخركل أسبوع في الملاهي الليلية، أُراقِص التَّنَانير وأخاصِر الفساتين التي تفوح بِالطُّيوب الناذرة والباهِظة الأثْمِنة والتي تجعل أرنبة أنفي تنْطَعِظ وتحتقن ، وفي صُوان الرجل الرَّاقي الذي لمَّا يبتسم يُضيء وحْده بلداً كاملاً كنت ال "أمْغار"* ولا كلمة فوق كلمتي وكنت الأثير لَديْه ودائع الصيت بين نزلاء حزانة ثيابه ، الذُّكور منهم والإِنَاث . والآن أنا المعطف السَّيء الحظ ، إرتبط مصيري برجل متقاعد تُشْتم منه رائحة شيخوخة متأخرة ، ترك خلفه كثيراً من أصدقائه أمواتاً ، يهْذِي بهم في نومه ،يدخل في عِراك مع هذا ويعاتِب ذاك ويتوسل إلى آخر ، أما أنا الذي فضل معه من الأحياء ، فيجَرْجِرني معه في أزقة المدينة حتى آخر الليل ، فاتحاً في جيوبي الداخلية حانة تعُجُّ بالقناني البلاستيكية ذوات الحجوم المختلفة المُعبَّأة بخمر سَيِّئة الذِّكر يعب منها إكْسِيرحياته وبين فينة وأخرى يأخد نفساً من سيجارة رخيصة يشعل الواحدة منها من عُقب الأخرى ، تدمع من أحابيل دخانها ياقتي التي أحالتْها أشعة الشمس، يذْرع شوارع المدينة الغارقة حتى الأذنين بالقاذورات وفضُلات المطاعم الشعبية ساحباً أذيالي خلفه وورائي سرب من الصبيان يصرخون
-آالسكيري بوقرعة ، باع أولادو بِرَبْعة .
وفي أواخر الليل يكون حيث يكون صاحبي قد تَعْتعَه السُّكر ، َيَكون لِزاماً علي أن أدْعَمه حتى لا يسقط ،أسوقه خلال شوارع جانبية غَارقة في العتمة حتى لا تصادفنا دورية من دوريات الشرطة وتلتقطنا لِنحُلّ ضُيوفاً رغم أنوفنا على مصاطب من الإسمنت البارد . وفي إحدى تلك الليالي البئيسة التي عاد فيها الرجل إلى البيت خَيْط مَخَاط ، يترنَّح من السُّكْر وشبه فاقِد لوَعْيه ، إلى حَدّ أنه لم يجد القدرة ليسلخني عن جسده ، إرتمى فوق حشيته المشبعة بالدهون والعرق وبقايا قيء لم يفلح في إزالته عن وجهها وكانت السيجارة ما زالت تلوح بدخانها بين أصابعه ، كنت متعباً فسرعان ما بدأت سِنة من النوم تقتحم جفوني أما هو فقد بدأ يَرْعَى عُجول الآخرة ، ، خرجت من غفوتي حين قطعت علي رائحة شِياط ، طريق النوم ، وجدْت ألسنة اللهب تتصاعد من الحَشية مصْحوبة بدخان ثم بدأتْ تزحف نحو جسد الضَّجيع ، حاولت أن أسحب نفسي من تَحْتِه لكنه كان يضغط بكل ثِقله على ظهري ، وكنت محظوظاً إذ تمَكَّنت منه النار فقفز من على الحشية ،وشرع يضطرب غير واعٍ بالذي ألمَّ به ، ثم ينتفض ويستغيث محاولاً التخلص من قبضة النار ولما يئس سقط مكَباً على وجهه ، آنئذ تمكنت من أن أنسلخ منه بقوة تاركاً نصفي الأسفل يكمل إحتراقه على ظهره ، زحفت نحو الباب لا ألْوي على شيء ، وكانت في ذلك الوقت أيادِي تخْبِط خبطات جنونية على خشبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَمْغارْ * : الزَّعيم ( في اللهجة الأمازيغية )
أحماد بوتالوحت
الذي إشتراني من سوق الخرداوات ، نَذْل ولم ينْشأ في كَنَف الخير ولا عرف له مقياساً ، حشرني في
خزانة للثياب عتيقة جداً وعَاصَرت جَدَّ النمل ، الخزانة تضوع منها رائحة براز الفئران والحشرات
الليلية ورائحة سمك فاسد وَبُول الثياب العليلة المنسية داخلها ، زيادة على رائحة يدي الرجل العنكبوتيتين المعروقتين والمتخشبتين ورائحة شيخوخته المتقدمة التي كان يحرص على إيداعها في أحد أدراج الدولاب المتداعية ويحكم الإغلاق عليها خوفا من أن تتَسرَّب وتتبعه في أحياء المدينة التي يجوبها حتى وقت متأخر من الليل ، في الخزانة المعتمة كنت الوحيد ، بين ثياب مهلهلة ، الذي حُضِي بِعَلَّاقة يعلقني عليها صاحبي كيفما شاء ومتى شاء ، عِلماً أنه لا يشاء إلا في حالات ناذرة جداً .
ولأني كنت القاطن الوحيد الذي يدمن الرجل إستعماله ،سرعان ما دَبَّت الغضون على جلدي الحساس ، وبدأ الخَرَف يهدِّدني وركبني الوهن وظهرت علي بوادر الشيخوخة وذهبت أدراج الرياح كل آمالي في أن أحضى بتقاعد مريح يخوِّل لي حياة مريحة ،وهكذا كتب علي الشقاء الأبَدي بعد أن كنت أرْفَل في النعيم وحياة الرَّفاهية ،أركب السيارات الفارهة ، أتجول في الأسواق الكبيرة المتعددة الأروقة ، أتفرَّج على واجِهات المحَلَّات الرَّاقية ، أرْتَاد المطاعم التي تقدم الأطعمة الفاخِرة ، أقضي آخركل أسبوع في الملاهي الليلية، أُراقِص التَّنَانير وأخاصِر الفساتين التي تفوح بِالطُّيوب الناذرة والباهِظة الأثْمِنة والتي تجعل أرنبة أنفي تنْطَعِظ وتحتقن ، وفي صُوان الرجل الرَّاقي الذي لمَّا يبتسم يُضيء وحْده بلداً كاملاً كنت ال "أمْغار"* ولا كلمة فوق كلمتي وكنت الأثير لَديْه ودائع الصيت بين نزلاء حزانة ثيابه ، الذُّكور منهم والإِنَاث . والآن أنا المعطف السَّيء الحظ ، إرتبط مصيري برجل متقاعد تُشْتم منه رائحة شيخوخة متأخرة ، ترك خلفه كثيراً من أصدقائه أمواتاً ، يهْذِي بهم في نومه ،يدخل في عِراك مع هذا ويعاتِب ذاك ويتوسل إلى آخر ، أما أنا الذي فضل معه من الأحياء ، فيجَرْجِرني معه في أزقة المدينة حتى آخر الليل ، فاتحاً في جيوبي الداخلية حانة تعُجُّ بالقناني البلاستيكية ذوات الحجوم المختلفة المُعبَّأة بخمر سَيِّئة الذِّكر يعب منها إكْسِيرحياته وبين فينة وأخرى يأخد نفساً من سيجارة رخيصة يشعل الواحدة منها من عُقب الأخرى ، تدمع من أحابيل دخانها ياقتي التي أحالتْها أشعة الشمس، يذْرع شوارع المدينة الغارقة حتى الأذنين بالقاذورات وفضُلات المطاعم الشعبية ساحباً أذيالي خلفه وورائي سرب من الصبيان يصرخون
-آالسكيري بوقرعة ، باع أولادو بِرَبْعة .
وفي أواخر الليل يكون حيث يكون صاحبي قد تَعْتعَه السُّكر ، َيَكون لِزاماً علي أن أدْعَمه حتى لا يسقط ،أسوقه خلال شوارع جانبية غَارقة في العتمة حتى لا تصادفنا دورية من دوريات الشرطة وتلتقطنا لِنحُلّ ضُيوفاً رغم أنوفنا على مصاطب من الإسمنت البارد . وفي إحدى تلك الليالي البئيسة التي عاد فيها الرجل إلى البيت خَيْط مَخَاط ، يترنَّح من السُّكْر وشبه فاقِد لوَعْيه ، إلى حَدّ أنه لم يجد القدرة ليسلخني عن جسده ، إرتمى فوق حشيته المشبعة بالدهون والعرق وبقايا قيء لم يفلح في إزالته عن وجهها وكانت السيجارة ما زالت تلوح بدخانها بين أصابعه ، كنت متعباً فسرعان ما بدأت سِنة من النوم تقتحم جفوني أما هو فقد بدأ يَرْعَى عُجول الآخرة ، ، خرجت من غفوتي حين قطعت علي رائحة شِياط ، طريق النوم ، وجدْت ألسنة اللهب تتصاعد من الحَشية مصْحوبة بدخان ثم بدأتْ تزحف نحو جسد الضَّجيع ، حاولت أن أسحب نفسي من تَحْتِه لكنه كان يضغط بكل ثِقله على ظهري ، وكنت محظوظاً إذ تمَكَّنت منه النار فقفز من على الحشية ،وشرع يضطرب غير واعٍ بالذي ألمَّ به ، ثم ينتفض ويستغيث محاولاً التخلص من قبضة النار ولما يئس سقط مكَباً على وجهه ، آنئذ تمكنت من أن أنسلخ منه بقوة تاركاً نصفي الأسفل يكمل إحتراقه على ظهره ، زحفت نحو الباب لا ألْوي على شيء ، وكانت في ذلك الوقت أيادِي تخْبِط خبطات جنونية على خشبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَمْغارْ * : الزَّعيم ( في اللهجة الأمازيغية )
أحماد بوتالوحت