عبدالصبور السايح - نافذة الحلم..

لم يكن يتوقع وهو شاب مغترب ان يحبها كل هذا الحب الذى ملك عليه مشاعره و جوارحه دون ان يفكر للحظة واحدة عن منطقية هذا الحب وقابليته للتحقق بزواج يسعده ومن احب .
وقتها كان يسكن فى شقة بالطابق الارضى مع مجموعة كبيرة من رفاق الغربة ممن يعملون بالتدريس فى الجمهورية اليمنية ، كان هو الأصغر سنا وكانوا هم قد سبقوه إلى اليمن بسنوات عديدة .
فى الغرفة التى كان يقيم فيها مع شخصين آخرين ترتاح نفسه لهما نافذة مغلقة طوال الوقت دون ان يعرف سببا لذلك .
عندما حاول أن يفتحها ذات صباح زجره أحدهما بقوة لكى لا يفتحها لكنه غافله وفتحها املا فى تجديد هواء الغرفة .
لحظتها فقط تغيرت حياته من حالة إلى حالة بقدرية غريبة .
كانت الفتاة البعدانية تقطف ثمرات التين من اشجار حديقة منزلها دون ان تنتبه لمن يتأمل جمالها الفتان بلا ارادية كاملة .
بدت فى عينيه حلما جميلا بقامتها الممشوقة كرمح وشعرها الأسود الطويل وبياض بشرتها المشرب بحمرة محببة .
حين انصرفت إلى داخل بيتها لم يكن سوى ولى بلغت روحه النقية حالة النشوة والارتواء بعد طول ظمأ.
ثمة شىء لا يدرك كنهه يعبث بمشاعره ، يخطف روحه، يسيطر على تفكيره سيطرة كبيرة جعلت أصحابه يسخرون من كثرة شروده وتغير تصرفاته التى كانت أكثر رشدا واتزانا قبل دقائق قليلة .
حتى عندما قاموا بتجهيز الطعام واجتمعوا عليه لم يجد فى نفسه الرغبة لشىء سوى الاستسلام التام ليهجة الحالة التى يعيشها دون ان يعرف من أصدقائه شيئا عنها .
فى مساء نفس اليوم كانت النافذة المواجهة لنافذته تضىء وتنطفىء بصورة متكررة تلفت الانتباه وثمة خيال بعيد يقف خلف زجاج نافذة التى اخفت معظمها أغصان شجرة شاردة.
بصعوبة راح يحدق فى النافذة غير مصدق لما وسوس به شيطان أحلامه من خواطر سرت فى جسده كخدر غريب .
أحقا هى ..؟
كان يدرك فى قرارة نفسه ان الحب حالة جنونية يعجز العقل عن فهمها او تفسيرها وكان على يقين تام بأن كل حكماء العالم وعبر عصوره الطويلة تحيروا فى أمر هذه المشاعر التى تنبثق فى النفس البشرية كعين ماء صافية لتحول وجودها من جدب موحش الى حياة خضراء شهية الثمار طيبة المنظر والرائحة،هذه المشاعر التى كانت سببا فى ملايين قصائد الشعر والقصص ولوحات الرسم و المؤلفات المطولة المحللة لكنهها المعبرة عن نتائجها حال حدوثها بصدق شديد وكم سطر التاريخ من صفحات لعشاق فعلوا الاعجايب وتنازلوا عن عروش و غزوا بلادا وممالك من أجل إرضاء من أحبوا، ولما العجب وقد أشار الله سبحانه وتعالى إليه فى سورة يوسف وغيرها من السور .
شرود عجيب طويل لف رأسه فاخرجه من واقعه المؤلم إلى رحاب عالم فوقى خيالى ساحر ومبهج يتمنى أن يتحقق فى لحظة تأذن السماء بها.
بمشاعر لهفة كبيرة لوح لها فى الهواء وكمن يعيش بين صحوة واغفاءة رأى يدها تشير له بالقبول .
يالله كم هو سعيد هذه الليلة ؟!
وكاى نبتة صغيرة تجدعناية بها وتتوفر لها عوامل حياتها نمت شجرة حبه فى صدره حتى بلغت قوتها التى تستطيع بها ان تعلن عن وجودها دون خوف من اى ريح .
وكان لابد للعاشق المفتون ان يطرق أبواب الحبيبة بصورة شرعية بحثا عن اجابات لأسئلة كثيرة ارهقت ذهنه تفكيرا ودراسة.
- ان لحظة مواجهة اى قرار مصيرى تحتاج منا إلى شجاعة واحتمال وتوقعات لكل العواقب .
هكذا كان يحدث نفسه بعد ان حاض جدلا طويلا مع رفاقه الذين اختلفوا فى الامر وحوله ، الكثيرون منهم كان مقتنعا برايه فى عدم تحقق هذا الحلم الذى اعتبروه حالة من جنون تلبست صاحبها ،و القليلون منهم لم يروا مانعا من اكمال المشوار ربما تزهر اشجار الامل فى طريق الحياة الذى يمتلئ بالمفاجات .
فى عشية يوم لا تنسى تفاصيل احداثه الكبيرة والصغيرة اصطحب معه شخصين قريبين إلى نفسه وذهبوا جميعا إلى منزل والدها بعد ان معه موعدا للقاء.
كان أبوها طيبا وجميلا فى اللقاء ترحيبا وحديثا وبشاشة.
حين تم عرض الأمر على والدها ساد صمت لبضع دقائق أدار الرجل خلاله فى رأسه المطلب المرتجى على كل اوجهه.
بعدها جاء رفض الرجل صريحا قاسيا مغلفا باعتذار لا يبرئ من جرح قلبه وضاع حلمه .
ثمة قضايا كبيرة وقفت أمام الجميع كحدود عصية على عبورها لإتمام حلم الزواج الذى تمناه.
لحظتها فقط ادرك ان كل ما رآه لم يكن سوى صرح شامخ من خيال موغل فى حياة قاسية لا تؤمن إلا بواقعيتها الفجة ودون اى اعتبارات للإنسان .
- يا الله كم كانت قاسية هذه التجربة حد الوجع!!



عبدالصبور السايح
كاتب مصرى.

- من كتاب (من أرض بلقيس)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى