المكّي الهمّامي - حَنِينٌ..!

إلى "غار الملح" مَدْفَن سُرَّتي،
وإلى ابنتي الحبيبة "فردوس"

في عُزْلَتي الأَرْقَى،
أُفَكِّرُ في أََصَابِعِهَا،
وضِحْكَتِهَا المَجَرَّةِ في سَمَاءِ أُبُوَّتِي..
وَأَقُولُ: أَحْلُمُهَا،
حُضُورًا فَائِضَ الأَنْوَارِ، رَقْرَاقًا..
أَقُولُ: تُعيدُ لِي وَطَنَ الطُّفُولَةِ
فِي حُقولِ اللَّوْزِ،
حَيْثُ الأَبْيَضُ القُطْنِيُّ،
حَيْثُ بِدَايَةُ الأَشْيَاءِ..
[كانَ الكَوْنُ فِضِّيَّ المَشاعِرِ،
لازَوَرْدِيَّ المَباهِجِ، سُكَّرِيَّ الصَّمْتِ،
إِلاَّ مِنْ ثُغَاءِ المَاعِزِ الجَبَليِّ
يَأْتي خَافِتَا..!]

وَالآنَ، في هَذا المَكانِ،
صَباحَ يَوْمِ الأَرْبَعَاءِ،
أَرَى امْتِدَادَ شُروقِها في كُلِّ شَيْءٍ..
أَحْدِسُ المَعْنَى غَرِيبًا،
وَهْوَ يُجْهِدُ نَفْسَهُ في وَصْفِها..
وأَقُولُ: كَيْفَ أَقُولُها..؟!!
وأَقُولُ: قَدْ تَأْتِي بِهَا الكَلِمَاتُ، لاَمِعَةً،
كَقَافِيَةٍ تَخَبَّأُ في حَريرِ قَصيدَتي،
وَتَشِعُّ في بِلَّوْرِ أَحْلاَمي
[أُحِبُّ حُضُورَها أَمَلاً..!
وتَزْحَمُني انْتِظارَاتُ اللُّقَى..!]

هَذا الحَنِينُ حَفِيفُ أَوْراقٍ
تَسَاقَطُ في خَريفٍ غامِضِ الأَجْراسِ،
قَادِمَةٌ خُطَاهُ مِنَ البَعيدِ..
وهَذِهِ الأَشْواقُ رائِحَةُ البُحَيْرَةِ،
تَقْفِزُ الأَسْمَاكُ في مَلَكُوتِها..
هَذَا الحَنينُ طَرِيقَتي في الحَكْيِ،
مَفْتُونًا بِإِيقَاعِ العَناصِرِ،
[وَهْيَ تَكْبُرُ كالدَّوَائِرِ فِي خَيَالاَتِي..]
حَنينٌ سَاطِعُ الأَضْواءِ،
شَفَّافُ المَوَاجِدِ.. لاَ يَكُفُّ عَنِ الخَرِيرِ..
وَلاَ يَنِي يَهْذِي اشْتِيَاقًا،
كَالنَّواعِيرِ العَتيقَةِ، مِثْلَمَا
يَهْذِي، وَحِيدًا،
شَاعِرٌ
يَبْكِي
عَلَى فُقْدَانِ أَنْدَلُسٍ..!

تَعِبْتُ مِنَ الحَنينِ،
ولاَ عَذَابَ سِوَى غِيابِكِ؛
فَامْنَحِيني فُرْصَةً لِلْاِنْعِتَاقِ،
كَأَنَّنِي الصُّوفِيُّ أَنْهَضُ،
مِنْ رَمَادِ خَسَارَتِي الكُبْرَى..
وأَبْدَأُ، عائِدًا، كَالمَاءِ نَحْوَ طُفُولَتِي،
صَوْبَ اليَنابِيعِ القَديمَةِ،
[أَيْنَ أُبْصِرُ، في سَمَاءِ المَاءِ، وَجْهَكِ
سَاطِعًا.. وَأَرَى انْعِكَاسَ الرُّوحِ،
فَوْقَ زُجَاجِهِ المَاسِيِّ..]

فَاقْتَرِبِي،
وَحُطِّي، يا حَمامَةُ،
فَوْقَ كَفِّي.. وَانْبُتي
عُشْبًا، عَلَى قَلْبِي..
مَلَلْتُ مِنَ الصُّعودِ إِلَى الأَعَالي؛
يا حَمامَةُ،
فَانْقِذيني مِنْ رُؤَاي..!


(شعر// المكّي الهمّامي)
(بنزرت- تونس)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى