عبدالصبور السايح - شجرة..

لم تكن إزالة هذه الشجرة -عنده -حدثاعاديا، فقد غلبته دموع كثيرة حاول أن يخفيها عمن يقومون بقطعها تمهيدا لنقلها بعيدا عن مكانها الذى أصبحت أهم معالمه.
منذ طفولته حكى له والده كيف قام بزراعتها فى الحد الفاصل بينه وبين جيرانه ليستظلوا بها وقت العمل فى الحقول ، وتحتها تفتحت وردة مشاعره لسلوى ، وعلى جذعها العملاق رسم قلبا يخترقه سهم أسود وتحتهما خط اسمين تلاشى وجودهماشيئا فشيئا تحت أقدام الزمن حتى فقدا بريقهما تماما بعد زواج كل منهما بآخر، غير أن هذه الشجرة دون سواها كانت تمثل له حالة من الرضا يشعر الآن بآسف شديد لفقدها.
( أرواح عارية)
هنا فى البلاد البعيدة يستهلكنا الغياب، أسباب عديدة ألقت بنا فى أخاديده المظلمة ثم بأوجاعها ألفت بيننا ، كنا على اتفاق تام أن إحتياجنا للمال قاسم مشترك بيننا، وأنه هو من سرق معظمنا من أحبابنا وبلادنا البعيدة تلك التى لم نحس فى ربوعها سابقا بالأمان ، لهذا توزعنا هنا فى أعمال كثيرة لاتليق بنا ، ولأسباب تخصنا قبلناها مجبرين كآلات لاتعرف غيرأداء البرامج المكلفة بها .
حين تجمعنا لقاءات نهاية الأسبوع نحاول جاهدين أن نستعيد أرواحنا المرهقة بالبرد والشجون، كنا نستمد الدفء من أطعمة اعتدنا علبها فى بلادنا ومن ثرثرات لها نشوة غريبة عن الوطن ، حالمين كالطيور المهاجرة بعودة سعيدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى