(1)
كانوا قد أحضروا كل مستلزمات سهرتهم .. نبيذ خالَطُه الغِش .. خبز فَتَّته بَلَلُ سائِل ما .. عظام ما زالت تحتفظ بِفضُلات مَجْد لحمها الذي ربما أفْلَت من بين أسنان تتعجل أن تقوم عن المائدة أو إستعصى على بَقايا أسْنان.. دجاج ميِّت لم يرَيَّش بَعْد ويُنتزع منه إعترافٌ بِجَريرة ما ، نحيل كأصابع الموتى وجلده منبطح على اللحم ..فضلات إلتقطوها من حاويات فندق عريق في الرُّطوبَة والقذارة والبؤس ، يوجد بأقصى المدينة وفي غرفه ينام البَقُّ وَيَسْمُن إلى جانب النَّزيل مُطْمئناً .
عقدوا مجلِسهم وسط الُّلحُود ، تحُفُّ بهم أشجار حُكِم عليها أن تبقى واقفة على رِجْل واحدة تحْرس الميِّتين... أضرموا النار داخل الأُثاَفي التي إنتقَوْا أحجارها من جوانب القبور ، تطلع إليهم الموتى بعيون مستفسرة ، كما كانت الأشجارالتي عَرَّوها من زينتها وألْقَموها للنار على وشك البكاء ، تَناوَبوا النَّفْخ على الَّلهب الذي لَم يَفِض حتى فَاضَت أعْيُنهم من الدَّمع وَألْتَهبت أجْفانُهم ...ولما إِسْتوت النَّار ونضُجت وضعوا عليهاعلباً من التنك ، ملؤوها بالماء مِن ً نطفي ً يَفْخَر بِإنْعزالِه عن الأموات داخل الجَبَّانة .رَمَوْا الفضُلات التي جَلَبوها من المدينة ، داخل العُلَب وتركوا الكل يُبَقْبِق فوق نار أدْفَأت الموتى الذين
إرتموا لِتَوِّهم في أحْضان النوم ، ولما إستوى الخليط وَعُقِد وتسرَّبَت منه رائحة مميزة أعْجَبت الطهاة .. أفرغوا محتوى التَّنكات داخل طبق مُثلَّم الحَواف ..أكلوا بلذة وهم يبدون إستحسانهم بإيماءات من رؤوسهم ..أُطْعموا حتى أتْخِموا ثم تمددوا وأرخوا أجسادهم واتَّخدوا من القبور مُتَّكآت لهم فَشرعوا يحتسون خمرهم الرَّديئة ويُدخِّنون سجائر بَنَوْها من تبغ مُفتَّت من أعقاب السجائر .
(2)
أوْقَف السَّائق السيارة في فِناء المقبرة ، وأطفأ الأضواء ، تَرَجَّل ثلاتة رجال من على مثْن العربة ، ساروا في إتجاه القبورعلى هَدْي بَطَّارِياتِهم التي لا تُضيء أَبْعَد من قَدَمَيها ، كانو ا حَذِرين وهم يتفحَّصون القبور واحداً وحداَ بَدْءاً من أول صفٍّ ، وفي الأخير توَقَّفوا أمام أحدِها وَكان يَنُوء تحت رُكَام تُراب مُبلَّل وهكذا أجْمَعوا على أنه قبر حَديث البِناء ، نبشوا القبر ، أزْكَمت النَّثَانة أنُوفَهم ، كانت في الكفَن بعض الأطْراف المتفَسِّخة ، فَبُهِثوا أن يعثروا داخِل قبرٍ بُنِي حديثاَ على جثة مُتَحلِّلة ، ومن عاداتهم إن وقفوا على رَمْس يَكْسوه تراب ندِيُّ ، أن يجدوا الجثة سَليمَة لم تَسْط عليها يد الزمن بَعْد ، فَيشقُّونها ويسرقون بعض أعضاءها الداخلية السليمة ثم يوارونها من جديد .
وفي الوقت الذي أعادوا الجثة إلى مَضْجعها وَقَبل رَدْم القبر مُوَارين خلفه خيبتهم ، تَسَلَّل أحد المجانين وابتعد عن الآخرين لما ألحَّت عليه رغبة في التبَوُّل ، وبعيدا عنهم وعلى ركام بعض الُّلحود بدأ بِالتَّخلص من شؤبوب بَوْلِه منتعشاً ، كان ما يزال يُمطر الْجَدث لمَّا شاهد ضوء المصابيح وبِلَا صَخبٍ هرول إلى حيث زُملَاؤها في الحُمق ، حكى ما رآه فهَبَّ هؤلاء مُدجَّجين بهراوات رؤوسها تَغِل بِحقْد قديم ، تفرَّقوا وَلَبَد كل واحد منهم خَلْف شجرة ثم تقدموا مُغيِّرين أمْكِنَتهم خَلف الأشجار ، إلى أن أطْبقَوا على الدُّخلاء الثَّلات ، حتى أن الدُّخلاء لم يجدوا لأنفسهم مُلْتَحداً ، فَانْهَالت الهراوات على ظهورهم وانبتت عليها رُضوضاَ وجراحاً تنضح بالدماء ولم تتوقف عن أداء مَهامِّها إلا بعد أن تناهى إلى أسْمَاع محرِّضيها صوت بُوق سيارة . كان بعض المجانين الفًارِّين من مَشْفى المختلين عقلياً بالمدينة قد دخلوا المقبرة ، وعلى ضوءٍ كَابٍ لِقَمرمحتشم إنْفَلت من خلف سحاب ثقيل، تبيَّنوا العربة ، طافوا حولها جدبوا أَكَرَات أبوابها ، إستعصت عليهم ثم كسروا زجاج نوافدها ولما أفلحوا في فتح الأبواب أثار انتباههم مُنَبِّه العربة فتهافتوا للضَّغط عليه بالتوالي وبطريقة جنونية أعادت المجانين الغاضبين إلى رُشْدهم .
أحماد بوتالوحت
كانوا قد أحضروا كل مستلزمات سهرتهم .. نبيذ خالَطُه الغِش .. خبز فَتَّته بَلَلُ سائِل ما .. عظام ما زالت تحتفظ بِفضُلات مَجْد لحمها الذي ربما أفْلَت من بين أسنان تتعجل أن تقوم عن المائدة أو إستعصى على بَقايا أسْنان.. دجاج ميِّت لم يرَيَّش بَعْد ويُنتزع منه إعترافٌ بِجَريرة ما ، نحيل كأصابع الموتى وجلده منبطح على اللحم ..فضلات إلتقطوها من حاويات فندق عريق في الرُّطوبَة والقذارة والبؤس ، يوجد بأقصى المدينة وفي غرفه ينام البَقُّ وَيَسْمُن إلى جانب النَّزيل مُطْمئناً .
عقدوا مجلِسهم وسط الُّلحُود ، تحُفُّ بهم أشجار حُكِم عليها أن تبقى واقفة على رِجْل واحدة تحْرس الميِّتين... أضرموا النار داخل الأُثاَفي التي إنتقَوْا أحجارها من جوانب القبور ، تطلع إليهم الموتى بعيون مستفسرة ، كما كانت الأشجارالتي عَرَّوها من زينتها وألْقَموها للنار على وشك البكاء ، تَناوَبوا النَّفْخ على الَّلهب الذي لَم يَفِض حتى فَاضَت أعْيُنهم من الدَّمع وَألْتَهبت أجْفانُهم ...ولما إِسْتوت النَّار ونضُجت وضعوا عليهاعلباً من التنك ، ملؤوها بالماء مِن ً نطفي ً يَفْخَر بِإنْعزالِه عن الأموات داخل الجَبَّانة .رَمَوْا الفضُلات التي جَلَبوها من المدينة ، داخل العُلَب وتركوا الكل يُبَقْبِق فوق نار أدْفَأت الموتى الذين
إرتموا لِتَوِّهم في أحْضان النوم ، ولما إستوى الخليط وَعُقِد وتسرَّبَت منه رائحة مميزة أعْجَبت الطهاة .. أفرغوا محتوى التَّنكات داخل طبق مُثلَّم الحَواف ..أكلوا بلذة وهم يبدون إستحسانهم بإيماءات من رؤوسهم ..أُطْعموا حتى أتْخِموا ثم تمددوا وأرخوا أجسادهم واتَّخدوا من القبور مُتَّكآت لهم فَشرعوا يحتسون خمرهم الرَّديئة ويُدخِّنون سجائر بَنَوْها من تبغ مُفتَّت من أعقاب السجائر .
(2)
أوْقَف السَّائق السيارة في فِناء المقبرة ، وأطفأ الأضواء ، تَرَجَّل ثلاتة رجال من على مثْن العربة ، ساروا في إتجاه القبورعلى هَدْي بَطَّارِياتِهم التي لا تُضيء أَبْعَد من قَدَمَيها ، كانو ا حَذِرين وهم يتفحَّصون القبور واحداً وحداَ بَدْءاً من أول صفٍّ ، وفي الأخير توَقَّفوا أمام أحدِها وَكان يَنُوء تحت رُكَام تُراب مُبلَّل وهكذا أجْمَعوا على أنه قبر حَديث البِناء ، نبشوا القبر ، أزْكَمت النَّثَانة أنُوفَهم ، كانت في الكفَن بعض الأطْراف المتفَسِّخة ، فَبُهِثوا أن يعثروا داخِل قبرٍ بُنِي حديثاَ على جثة مُتَحلِّلة ، ومن عاداتهم إن وقفوا على رَمْس يَكْسوه تراب ندِيُّ ، أن يجدوا الجثة سَليمَة لم تَسْط عليها يد الزمن بَعْد ، فَيشقُّونها ويسرقون بعض أعضاءها الداخلية السليمة ثم يوارونها من جديد .
وفي الوقت الذي أعادوا الجثة إلى مَضْجعها وَقَبل رَدْم القبر مُوَارين خلفه خيبتهم ، تَسَلَّل أحد المجانين وابتعد عن الآخرين لما ألحَّت عليه رغبة في التبَوُّل ، وبعيدا عنهم وعلى ركام بعض الُّلحود بدأ بِالتَّخلص من شؤبوب بَوْلِه منتعشاً ، كان ما يزال يُمطر الْجَدث لمَّا شاهد ضوء المصابيح وبِلَا صَخبٍ هرول إلى حيث زُملَاؤها في الحُمق ، حكى ما رآه فهَبَّ هؤلاء مُدجَّجين بهراوات رؤوسها تَغِل بِحقْد قديم ، تفرَّقوا وَلَبَد كل واحد منهم خَلْف شجرة ثم تقدموا مُغيِّرين أمْكِنَتهم خَلف الأشجار ، إلى أن أطْبقَوا على الدُّخلاء الثَّلات ، حتى أن الدُّخلاء لم يجدوا لأنفسهم مُلْتَحداً ، فَانْهَالت الهراوات على ظهورهم وانبتت عليها رُضوضاَ وجراحاً تنضح بالدماء ولم تتوقف عن أداء مَهامِّها إلا بعد أن تناهى إلى أسْمَاع محرِّضيها صوت بُوق سيارة . كان بعض المجانين الفًارِّين من مَشْفى المختلين عقلياً بالمدينة قد دخلوا المقبرة ، وعلى ضوءٍ كَابٍ لِقَمرمحتشم إنْفَلت من خلف سحاب ثقيل، تبيَّنوا العربة ، طافوا حولها جدبوا أَكَرَات أبوابها ، إستعصت عليهم ثم كسروا زجاج نوافدها ولما أفلحوا في فتح الأبواب أثار انتباههم مُنَبِّه العربة فتهافتوا للضَّغط عليه بالتوالي وبطريقة جنونية أعادت المجانين الغاضبين إلى رُشْدهم .
أحماد بوتالوحت