المكّي الهمّامي - نَشِيدُ ابْنِ خَلْدُونَ..

يُطِلُّ عَلَيْنا "ابْنُ خَلْدُونَ"..
يَحْمِلُ، يُمْنَاهُ،
مَخْطُوطَةً مِنْ كِتابِ العِبَرْ..
كانَ وسْطَ السِّياجِ، أَسِيرا..
وسِلْكٌ مِنَ المَعْدَنِ الصُّلْبِ
يَفْصِلُهُ عَنْ حُشودِ المُريدينَ،
يَحْرِمُهُ مِنْ مُصافَحَةِ العابِرينَ..

يُطِلُّ عَلَى شَجَرٍ وحَديدٍ،
بِقامَتِهِ، شامِخًا في المَدى..
والطَّريقُ [تَأَمَّلْ..!]
تَقُودُ إِلَى فَارِسٍ أُفْعُوانْ..


يُطِلُّ،
وقَدْ حاصَرَتْهُ المَدافِعُ..
طَوَّقَهُ الجُنْدُ، والشُّرَطُ المُتَمَتْرِسُ
صَفًّا، عَلَى أُهْبَةِ النَّارِ..
كانَ "ابنُ خَلدونَ" مُخْتَنِقًا،
حَيْثُ لاَ حُلْمَ.. لاَ دَرْبَ
يُفْضي إلى الخَفَقانِ الطُّفولِيِّ..
لاَ أُكْسِجانْ..!


يُفَكِّرُ،
مُكْتَئِبا: ما الَّذي يَحْدُثُ، الآنَ؟
هل كانتِ الثَّورةُ البِكْرُ وَهْمًا..؟
مَشاريعَ ماكِرَةً.. وفِخاخا
مُهَيَّأَةً جَيِّدًا، بِمَهارَةِ قنَّاصَةٍ
لاَ يَحِيدونَ عَنْ هَدَفٍ.. قَفْزَةً
في الفَراغِ.. ومَشْيًا،
عَلَى الحَبْلِ [حَبْلِ المَواجِعِ]
كالبَهْلَوانْ..؟


يُطِلُّ عَلَيْنا ابْنُ خَلُدونَ،
مُنْدَهِشًا، قَلِقًا
[قَلَقًا فَلْسَفِيًّا عَميقا..!]
ويَسْأَلُ عابِرَةً، بَيْنَ قُنْبُلَتَيْنِ
مِنَ الْغازِ حارِقَتَيْنِ: الزَّمانُ دَمٌ..
والوَقائِعُ مَوْشومَةٌ بِالتَّماثُلِ،
فِيمَا أَرَى، مُتَطابِقَةٌ في المَكَانْ..
إِذًا، ما الَّذِي يَحْدُثُ الْآنَ؟
[أَحْتَاجُ أَجْوِبَةً..!]
والسَّماءُ، أَمامي،
غُيومٌ مِنَ الْكُرُومُجانْ..!


أُصِيخُ إِلَى الصَّوتِ
[قالَ ابْنُ خَلْدُونَ]
يَسْقُطُ كُلُّ النِّظامِ: الْحُكومَةُ،
والقَصْرُ، والبَرْلَمَانْ..!
[تُرَدِّدُ طَالِبَةٌ جِهَةَ الدَّاخِلِيَّةِ،
شاهِرَةً رايَةَ النَّصْرِ] يَسْقُطُ
رَأْسُ العَمِيلِ، الحَقيرِ، الجَبانْ..
[يصيحُ فَتًى، رافعا قَبْضَةَ الْيَدِ]
يَسْقُطُ كُلُّ الطُّغاةِ، هُنَا
وهُنَاكَ.. ويَنْكَسِرُ الصَّوْلَجانْ
[أُضِيفُ إِلَى الثَّائِرينَ.. وتَزْحَمُني،
بَغْتَةً، أَرْجُلُ الهارِبينَ إِلَى اللاَّمَكانْ..!]


تَطيرُ العَصافيرُ في التِّيهِ،
تَصْعَدُ في الأُفْقِ، أَغْبَرَ،
أَسْوَدَ، باحِثَةً عَنْ أَمانْ..
تَدورُ إلى مَصْدَرِ الطَّلْقِ
عَيْنُ المُصَوِّرِ.. تُولَدُ قَافِيَةٌ،
بَيْنَ مَوْتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وحَنانْ..
[أَكادُ أضمُّكِ، في غَفْلَةٍ
مِنْ حِرابِ العَدُوِّ]
ولاَ شَيْءَ يَحْدُثُ..!
لاَ شَيْءَ، إِلاَّ الدُّخَانْ..!!


هُوَ الزَّمَنُ اللَّوْلَبِيُّ إِذَنْ، يَتَقَدَّمُ
أَوْ هُوَ يُوهِمُنا بِالتَّقَدُّمِ،
فِيمَا هُوَ البَبَّغاءُ يُكَرِّرُ مَا كانَ..
أُمْسِكُ خَيْطَ الحِكايةِ،
في نَوْلِهِ الْعَنْكَبُوتِ: قَديمًا،
خَطَطْتُ عَلَى رُقْعَةٍ؛
واحْتَفَظْتُ بِهَا قَبْلَ تَطْرِيسِها؛
فَاخْتَفَى مَا اخْتَفَى مِنْ مَعَانِ..
الْوَقائعُ تُوهِمُنا بالتَّحَقُّقِ
في الأَرْضِ.. والوَقْتُ عَقْرَبُ..
لاَ شَيْءَ إلاَّ التَّسَمُّمُ..
لاَ شَيْءَ [حَدِّقْ..!] سِوَى الدَّوَرَانْ..


(شعر// المكي الهمامي)
(بنزرت- تونس)

(إضاءة: كُتبت هذه القصيدة، تفاعلا مع الاحتجاجات السّلمية المصاحبة للذّكرى العاشرة من الثّورة التّونسيّة المغدورة)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى