علجية عيش - هكذا ردّ المُصْلِحُ الثائر عمر راسم على المجادلين المختلفين

(الإسلام دينٌ يمجد العقل و يدعو إلى بناء الحياة كلها على التفكير )

ظلت الجدالات العقيمة حول المسائل التي تمثل طابو لدى بعض المعارضين لحرية الفكر بذريعة أن تلك المسائل من المقدسات و الثوابت، لا يمكن لأيٍّ كان المساس بها أو تجاوزها مهما كان مستواه العلمي، ممّا أدخلت البعض في مشاحنات عبر وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي و لم يعمل هؤلاء المعارضين على محاورة مخالفيهم بالحجة و الإقناع في مناظرة علمية مثلا، لتكون الفاصل بينهما، بعض المسائل المتجادل فيها خرجت عن مسارها العلمي بعدما مست الحياة الشخصية من أناس يطلقون شرارة تشتعل بها العقو، يحاول كل طرف إثبات أنه على صواب، فيَحْرُمُ من يخالفه من أن يعرض أفكاره أمام الآخرين، و قد تصل الأمور إلى حد القذف و تكفير الآخر و وصفه بالزنديق و هذا بسبب الوعي الناقص لمعنى الحوار

omar_rassem_229768621.jpg


فالفرق بين الجدل و الحوار هو أن يقوم الطرفان بمنازعة كلامية، ليس بحثًا عن الصواب، و الوقوف على وجهات النظر المختلف فيها، ولكن من أجل إلزام الطرف الآخر أن يتنازل عن رأيه ويقتنع بشيئ يحتاج إلى أدلة و براهين ، كان صوتٌ جزائريٌّ قد رَدَّ على المجادلين و المختلفين و وضع حَدًّا للمُرَاء ( أي الجدل) الذي لا ينفع و يخلق العداوة و الكراهية بين المسلمين ، إنه صوت الكاتب العريفي عمر راسم الذي اعتبر الجدال العقيم لا طائل منه سوى قسوة القلب، لأنه لا يجلب إلا النقص لقيمة الشخص، و الإنسان الذي يكثر من الجدال يشعر بعقدة نقص داخله و يجد في الجدال فرصة لإبرازها، فقد كتب عمر راسم في إحدى مقاماته مايلي:

كيف يكون المسلم مسلما في بلد خلت مساجده من الراكعين الساجدين؟، و امتلأت شوارعه باللصوص و الفجار و السكّيرين؟.

كيف يكون المسلم مسلما في بلد ظهرت فيه الأثرة و حب النفس و عبادة المال و الإنسلاخ من الدين، و التظاهر بالفحشاء و تقليد الكافيرين؟

كيف يكون المسلم مسلما في بلد انتشر فيه الربا و السلب و النهب، و قويت فيه عوامل الجفاء و بات كُلٌّ يترقب إفلاس أخيه ساعيا في تنقيص قدره و فضله، بل اأان اليهودي عليه؟

و اضاف عمر راسم بالقول: لا شك أن السلطة البشرية تنعدم في أمّة تبادلت مع حيواناتها الأخلاق، فلا يكون لوفاء العهد - وهو الخُلْقُ العظيم- مظهرا إلا في كلابها، و لا يوجد الإعتماد على النفس إلا في وحوشها الضارية، و لا التطوح و الإغتراب في طلب القوت إلا في جوارحها و طيورها، إذن فليقض على هذه الأمّة قاضي لنواميس الطبيعية أن تكون حقيرة محكومة مأسورة. ( انتهت رسالة عمر راسم)

حقا لقد تجاهلت الأمة أن الإسلام دين يسوي في الكرامة البشرية و الحقوق الإنسانية بين جميع الأجناس و الألوان، دينٌ يفرض العدل بين جميع الناس بلا أدنى تمييز، دينٌ يحرم الظلم و يمجد العقل و يدعو إلى بناء الحياة كلها على التفكير، دين ينشر دعوته بالحجة و الإقناع، لا بالعنف و الإكراه، دين يترك لأهل كل دين دينهم يفهمونه و يطبقونه كما يشاءون، دينٌ يحرم الإستعباد و الجبروت، و يجعل الحكم شورَى ليس فيه استبداد، دين يدعو إلى تناسي كل خلاف يفرق الكلمة و يصدع الوحدة و يُوجِدُ للشرّ ثغرة، دينٌ يدعو إلى نبذ الغطرسة و العنجهية ويدعو إلى حسن المعاملة، لا يدعو إلى العنف و الفتنة بل إلى الأمن و السلام والتعايش، و كما قال إمامنا العلاّمة عبد الحميد ابن باديس رحمه الله: " لماذا لا تكون كلمتنا من كلمة الله و إرادتنا من إرادة الله و قوتنا من قوة الله؟ هل هذا صعب علينا؟.

هذا هو عمر راسم البجائي( نسبة إلى مدينة بجاية) المصلح الجزائري الثائر والده اسمه علي بن سعيد بن محمّد البجائي رسام و خطاط و كاتب و مصلح ، مؤسس مدرسة الفنون الزخرفيّة والمنمنمات الإسلامية، عُرف عمر راسم منذ طفولته بأفكاره الإصلاحيّة، وكان من المتأثّرين بأفكار الشّيخ محمّد عبده ، كتب في العديد من الصحف، و اصدر جريدتي الجزائر و ذو الفقار و كان يوقع باسمه المستعار " ابن منصور الصنهاجي"، دعا إلى الإشتراكية الإسلامية ، و كان عمر راسم من الكتّاب الجزائريين الذين قدّموا كلّ ما بوسعهم لايصال صوت الجزائر، والتّعريف بقضيّتها أمام العالم العربي، كما كان من أكبر أعداء الحركة الصهيونية و الرافضين للمشروع الصهيوني ، كان صوت الأمة لجرأته في إبداء الراي فكان موضع ملاحقات خلال الإستعمار الفرنسي، فسحن و كان محكوما عليه بالنفي، و كان يردد بالقول: " لا أريد أن أكون مع أناس أعتقد أنهم أعداء الحقّ والإنسانية والوطن" في غشارة منه إلى الذين يعتزون بالنياشين الّتي زوّقوا بها صدور بعضهم لضمان موالاتهم، و كان يقول: وكان يقول: " لا خلاص للشّرق من سيطرة الغرب إلّا بإيمان الشّرق بشخصيّته، واعتداده بنفسه، واعتماده على قوّته، يستمّد كلّ ذلك من تاريخه الذّهبيّ.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى