رغم أنها في الأربعينات ، ولا تنقص أكثر من خمس سنوات إذا سُئلت عن سنّها ، فقد أنهكها المرض . لم يَعُد بإمكانها تحمّل الألم . إرشادات المستشفى العمومي ووصفاته لم تنفع معها في شيء . نصحها الجيران بأن تزور طبيبا مختصا .
دونت الكاتبة اسمها ، وطلبت منها الجلوس في صالة الانتظار حتى يحين دورها . حملقت في الصُوّر المُعلقة على الجدار . توقفت عند صورة كبيرة كُتب عليها قسم الطبيب . قرأت النص بصعوبة ، فهو مرسوم بالخط الكوفي ، ولأن بينها وبين المدرسة عمرا بكامله . اعتادت في حياتها الخاصة ، أن تحذر من الناس الذين يُقسمون من غير أن يطلب منهم أحد ذلك . جارتها عائشة مولعة بالقسم ، وأكثر من نصف كلامها كذب . قالت في نفسها :
ـ ولكن الطبيب ليس هو عائشة . لا بد أنه ابن عائلة درس وقرأ الطب حتى أصبح يُعالج المرضى ، ثم لماذا سيكذب عليها ؟
فكرت في المبلغ الذي ستُقدّمه مقابل الزيارة ، مائتان وخمسون درهما . إبراهيم زوجها عندما أخبرته برغبتها في زيارة الطبيب ، انقبضت ملامح وجهه ، وضرب الباب بقوة وخرج . بعد ثلاثة أسابيع ، أشفق على حالها ، واضطر أن يستجيب لطلبها .
توسلت في صمتها :
ـ يا رب استرها معي ، أن تتوقف الخسارة عند هذا الحد ! فهذه أجرة أكثر من أسبوع من عمل زوجي . لتوفيرها وتقديمها للطبيب ، يجب أن نأكل القليل من الطعام ، ونطفئ الضوء في الليل ، ونقتصد في شرب الماء ، لمدة شهرين أو ثلاثة . والبقال قلبه قاسي ، ولا يسمح للديون بأن تتراكم أكثر من أسبوع . وسيتحرش بي ابنه ، كما يفعل مع نساء أخريات ، ويجد الفرصة ملائمة لليّ ذراعي .
نادت عليها الكاتبة ، وأخذت ملفا في يدها ، وفتحت المكتب المقابل . بقيت واقفة وشاردة حتى أمرها الطبيب بأن تجلس . أنزل نظارتيه ، وتظاهر بتفحّص الملف الفارغ ، وهو يسألها بماذا تُحسّ ؟
شكت له ما تُعانيه من آلام أسفل البطن من الجانب الأيمن ، وكيف تتوجّع ، ولا تنام بالليل .
أخذ ورقة ، وكتب عليها شيئا ما ، ستعرف فيما بعد بأنه وصفة الدواء ، وطلب منها أن تعود بعد خمسة عشر يوما .
لم يمهلها حتى تنتهي من وصف ما تشعر به .
ضرب الجرس ، ونادى على الكاتبة التي أخذت الوصفة ، ولم تُسلمها إيّاها ، حتى دفعت المبلغ بالتمام والكمال .
قدّرت بأن الوقت الذي خصصه لها لم يتعدّ خمس دقائق ، وقسّمتها على المبلغ الذي دفعته ، فوجدت أنها أدت خمسين درهما للدقيقة .
الآن فهمت لماذا انقبض وجه إبراهيم ، وضرب الباب ، عندما أخبرته بأنها قررت زيارة الطبيب :
ـ لأزور الطبيب ، واشتري الدواء ، يلزم أن يعمل إبراهيم مدة عشرة أيام ، بمعدل يفوق عشر ساعات في اليوم ، بدون زوجة ، ولا أبناء ، ولا كراء ، ولا طعام ، ولا نقل ، ولا ماء ، ولا كهرباء ، ولا صُداع في الرأس .
مراكش 26 فبراير 2021
دونت الكاتبة اسمها ، وطلبت منها الجلوس في صالة الانتظار حتى يحين دورها . حملقت في الصُوّر المُعلقة على الجدار . توقفت عند صورة كبيرة كُتب عليها قسم الطبيب . قرأت النص بصعوبة ، فهو مرسوم بالخط الكوفي ، ولأن بينها وبين المدرسة عمرا بكامله . اعتادت في حياتها الخاصة ، أن تحذر من الناس الذين يُقسمون من غير أن يطلب منهم أحد ذلك . جارتها عائشة مولعة بالقسم ، وأكثر من نصف كلامها كذب . قالت في نفسها :
ـ ولكن الطبيب ليس هو عائشة . لا بد أنه ابن عائلة درس وقرأ الطب حتى أصبح يُعالج المرضى ، ثم لماذا سيكذب عليها ؟
فكرت في المبلغ الذي ستُقدّمه مقابل الزيارة ، مائتان وخمسون درهما . إبراهيم زوجها عندما أخبرته برغبتها في زيارة الطبيب ، انقبضت ملامح وجهه ، وضرب الباب بقوة وخرج . بعد ثلاثة أسابيع ، أشفق على حالها ، واضطر أن يستجيب لطلبها .
توسلت في صمتها :
ـ يا رب استرها معي ، أن تتوقف الخسارة عند هذا الحد ! فهذه أجرة أكثر من أسبوع من عمل زوجي . لتوفيرها وتقديمها للطبيب ، يجب أن نأكل القليل من الطعام ، ونطفئ الضوء في الليل ، ونقتصد في شرب الماء ، لمدة شهرين أو ثلاثة . والبقال قلبه قاسي ، ولا يسمح للديون بأن تتراكم أكثر من أسبوع . وسيتحرش بي ابنه ، كما يفعل مع نساء أخريات ، ويجد الفرصة ملائمة لليّ ذراعي .
نادت عليها الكاتبة ، وأخذت ملفا في يدها ، وفتحت المكتب المقابل . بقيت واقفة وشاردة حتى أمرها الطبيب بأن تجلس . أنزل نظارتيه ، وتظاهر بتفحّص الملف الفارغ ، وهو يسألها بماذا تُحسّ ؟
شكت له ما تُعانيه من آلام أسفل البطن من الجانب الأيمن ، وكيف تتوجّع ، ولا تنام بالليل .
أخذ ورقة ، وكتب عليها شيئا ما ، ستعرف فيما بعد بأنه وصفة الدواء ، وطلب منها أن تعود بعد خمسة عشر يوما .
لم يمهلها حتى تنتهي من وصف ما تشعر به .
ضرب الجرس ، ونادى على الكاتبة التي أخذت الوصفة ، ولم تُسلمها إيّاها ، حتى دفعت المبلغ بالتمام والكمال .
قدّرت بأن الوقت الذي خصصه لها لم يتعدّ خمس دقائق ، وقسّمتها على المبلغ الذي دفعته ، فوجدت أنها أدت خمسين درهما للدقيقة .
الآن فهمت لماذا انقبض وجه إبراهيم ، وضرب الباب ، عندما أخبرته بأنها قررت زيارة الطبيب :
ـ لأزور الطبيب ، واشتري الدواء ، يلزم أن يعمل إبراهيم مدة عشرة أيام ، بمعدل يفوق عشر ساعات في اليوم ، بدون زوجة ، ولا أبناء ، ولا كراء ، ولا طعام ، ولا نقل ، ولا ماء ، ولا كهرباء ، ولا صُداع في الرأس .
مراكش 26 فبراير 2021