علجية عيش - "اتفاقات إيفيان" و فخ الوقوع في "التبعية" لفرنسا

( حديث عن مناضلي 19 مارس 62)

ما نصت عليه اتفاقيات إيفيان هو احتفاظ الحكومة الفرنسية على قاعدة مرسى الكبير و عدد من المطارات العسكرية، و بقاء عدد من الجيش الفرنسي، كان عددهم في تلك الفترة حوالي 80 ألف جندي فرنسي، و هذا ما يؤكد على وجود مخطط استعماري حديث، يَحُدُّ من حرية تحرك الدولة الجزائرية الناشئة ، هذا التحليل يعني أن فرنسا لم تخرج من الجزائر بل حافظت على بقائها عن طريق اتفاقيات إيفيان ، في هذه الإتفاقية عملت الحكومة الفرنسية على تكوين ما سُمّيَ ب: "النخبة"، في الظاهر تتظاهر بالروح الوطنية و في الباطن هي موالية لفرنسا


كلما حلت ذكرى 19 مارس 1962 إلا و تجدد الحديث عن "اتفاقيات إيفيان" و كيف تم تنفيذها في الجانبين المادي المتمثل في جيش التحرير الوطني و المعنوي المتكون في جبهة التحرير الوطني، هذه الأخيرة وقعت في فخ هذه الإتفاقيات باسم التعاون و هو كما تقول بعض الكتابات فخ التبعية لفرنسا، و كأن الثورة الجزائرية لم اكن مبنية على أسس و لم يكن لها مخطط ثوري، أرادت فرنسا أن تقوض سمعة الثورة الجزائرية، فكان التعاون المزيف بمثابة مؤامرة لضرب السيادة الوطنية من خلال تكريس لغة المستعمر و تشجيع الهجرة ، فظلت الجزائر تحت سيطرة الفكر الأجنبي ، فالبعض اختار المعارضة و فر خارج البلاد و البعض انطوى على نفسه في الداخل، لقد قارنت بعض الدراسات التاريخية بين القوة المادية و القوة المعنوية لثورة، اي القوة السياسية المتمثلة في جبهة التحرير الوطني و القوة المسلحة المتمثلة في جيش التحرير الوطني و من منهما الذي نفذ اتفافيات إيفيان في الإيجابي و من نفذها في السلبي و تخاذل في أداء واجبه، هل قيادة الجيش أم قيادة الجبهة التي راحت تمارس المعرضة؟.
فبعد الإستقلال سارعت الدولة في استغلال ثروات البلاد و كان آخرها تأميم الثروات الكبرى في البلاد و هو الغاز و البترول، و بهذا تم تحرير اقتصاد البلاد بقيادة الرئيس هواري بومدين، أما القوة أو الجانب الروحي للثورة المتشكل من قوة جبهة التحرير الوطني السياسية، لم تف بوعدها عكس الجيش كما يقول بعض الباحثين في الحركة الوطنية الذي طرح سؤال: لماذا سمحت فرنسا افستعمارية بالهجرة إليها من طرف البلدان التي كانت تستعمرها هل هة حُبٌّ لهذه الشعوب ؟ لاسيما و المستعمر معروف بدسائسه لتدمير الشعوب و لو من بعيد من خلال تغيير سياسته بفتح لها باب الهجرة حتى تقع في فخ "التبعية" الفكرية و الإقتصادية و حتى لا تتقدم الشعوب اقتصاديا، و قد استغل المستعمر التناحر الذي كان بين قيادة الجيش و قيادة جبهة التحرير الوطني ، و راحت اصابع الإتهام توجه للجيش الذي ازاج القيادة السياسية المتمثلة في الجبهة لأنها اتخذت خط المعارضة للجيش من أجل عزل المناضلين النزهاء داخل الجبهة و اتهامهم بالتقصير في أداء مهامهم، كما حدث مع المناضل حسين آيت أحمد الذيان ضحية مؤامرة أوقعته في شبكة التضليل و تحول النصر إلى فوضى و تناحر بين الجيش و الجبهة.
لقد ساهمت معارضة الجبهة للجيش في خلق قوة ثالثة داخل الجبهة، عن طريق اتفاقية إيفيان التي تم التوقيع عليها يوم 18 مارس 1962 أي قبل إعلان وقف إطلق النار في 19 مارس من نفس السنة، و كانت في جانبها العملي بمثابة الإدارة النظرية التي صنعها الإستعمار الحديث كي يضمن بها مصالحه، حيث تضمنت بعض الضمانات للأقلية الأوروبية، تسمح لها بالاستقرار كأٌقلية و لها امتيازات خاصة منهم انخراطهم في المجالس المنتخبة و في الوظيف العمومي، فكانت طابورا خامسا" للاستعمار الحديث، فمهمة القوة الثالثة هي أن تكون عينا لمسيري الإستعمار الحديث في باريس لإطلاعهم على كل ما يحدث في الجزائر و بخاصة المدن الكبرى ( مدينة الجزائر وهران و قسنطينة) بوصفها أكبر المدن يتواجد فيها الأوروبيون، و لدعم القوة الثالثة تم إنشاء ما يسمى بـ: "الهيئة التنفيذية المؤقتة" و هي بمثابة حكومة مؤقتة تتولى شؤون الجزائر خلال المرحلة الانتقالية، و هذه المرحلة تفصل بين وقف القتال الذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من منتصف نهار 19 مارس 1962 و بين إجراء الاستفتاء و إعطاء السلطات الفرنسية الحق في ممارسة جميع الصلاحيات، لقد دافعت اتفاقيات ايفيان عن مصير المستوطنين الفرنسيين في الجزائر بعد تقرير المصير، وحاولت أن توفر لهم بعض الامتيازات لحمايتهم ولحماية ممتلكاتهم ومستقبلهم في الجزائر.، كما كان التوقيع على اتفاقيات إيفيان الأولى و الثانية الفرصة لصعود البيروقراطية و التقنوقراطية في الجزائر، في هذه الإتفاقية عملت الحكومة الفرنسية على تكوين ما سُمّيَ ب: "النخبة"، في الظاهر تتظاهر بالروح الوطنية لكنها في الباطن هي موالية لفرنسا، إلا أن البعض رفض مضمون الإتفاقية لاسيما المطلب الفرنسي بحل جيش التحرير الوطني الذي كافح أفراده في الحدود و السماح لهم بالدخول كلاجئين من تونس والمغرب
ففي مذكراته بعنوان: "في أصل المأساة الجزائرية" يقول الوزير الأول الأسبق الدكتور عبد الحميد براهيمي أنه بمجرد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 عرف ما اصطلح عليه بصعود البيروقراطية والتقنوقراطية.
و كانت جبهة التحرير الوطني تعتمد على هذين العنصرين ، و يذكر في هذا الشأن أسماء بارزة من الذين كونتهم الحكومة الفرنسية، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام وإسماعيل محروق الذي أصبح وزيرا للمالية، وعبد الله خوجة الذي عين كاتب دولة للتخطيط بين 1970 و1978 وصغير مصطفاي محافظ البنك المركزي بين عامي 1962 و1984، وكانت هذه المجموعة من أنصار الفرانكفونية، وبهذا يمكن القول يضيف صاحب المذكرة أن فرنسا نجحت قبل إعلان الاستقلال السياسي للجزائر بكثير في إقامة جهاز للمحافظة على مصالحها والدفاع عنها بتنظيم وجودها في مختلف أجهزة الدولة، يبقى من أطلق عليهم الشعب اسم مناضلي 19 مارس و هم أولئك الذين ركبوا فجأة موجة الثورة بعد توقيع اتفاقيات إيفيان و وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 و كانوا في الماضي على علاقات مع الاحتلال الفرنسي، و تحاشيا لسقوط الجزائر في حرب أهلية اهتدى بومدين بميثاق الجزائر و تراثها الثوري العريق، حيث انبثقت حركة 19 جوان ( يونيو ، حزيران) 1965 من واقع الصراعات داخل القيادة و المجتمع، و منذ ذلك التاريخ عرفت الجزائر الاستقرار السياسي و البناء الاقتصادي في تاريخ الجزائر ما بعد الاستقلال.
قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى