علجية عيش - لماذا لم تتابع الجزائر فرنسا قضائيا عن جرائمها ضد الإنسانية؟

بخصوص قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر
لماذا لم تتابع الجزائر فرنسا قضائيا عن جرائمها ضد الإنسانية؟

ألزم قانون تجريم الإستعمار في الجزائر في فصله الأول و منه المادة 11 تولي الدولة الجزائرية المتابعة القضائية الفردية لكل الأشخاص الذين مارسوا الجرائم ضد الإنسانية ، من المعمرين السابقين و الأقدام السوداء و الحركى، و هي الجرائم التي لا يشملها التقادم و لا المعاهدات المختلفة، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا صمتت الحكومة الجزائرية كل هذا الوقت و لم تتابع فرنسا قضائيا عن جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري منذ احتلالها الجزائر في 1830 إلى غاية الإستقلال، هو حق لا رجوع فيه و هذا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة بتاريخ 26 جوان 1945، و بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948


ترجع الكتابات التاريخية أن الجرائم ضد الإنسانية بدأت انطلاقا من الحرب العالمية الأولى، و لم تصبح موضع اهتمام من القانون الدولي إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب الفظائع التي ارتكبت في هذه الحرب، و الخسائر البشرية التي تكبلتها الدول المستعمرة ، فقد عرف القانون الدولي الجرائم ضد الإنسانية بأنها تلك الممارسات أو الجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، بشكل منهجي وضمن خطة للاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد بالطرف الآخر، وذلك بمشاركة مع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيين يختلفون عنهم من حيث انتمائهم (الفكري أو الديني أو العرقي أو الوطني أو الاجتماعي..)، أما في القانون الجزائري فالمادة رقم 26 من القانون تعرف "جريمة ضد الإنسانية" كل عمل نتج عنه الحرمان من الحق في الحياة و لحق في الإقامة و الاستقرار و الحق في التملك و الحق في الحياة الاجتماعية و الحق في اللغة و الثقافة، و الحق في الدين و أداء الشعائر، و الحق في السلامة الجسدية و الحق في الأمن النفسي و البدني، و الحق في الأمن الغذائي، و الحق كذلك في التعلم، و الحضارة و الحق في سلامة الروابط الاجتماعية و في و الحق في الحرية و الإكراه.

و تعود أسباب إصدار مشروع القانون المتضمن تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر من 1830 إلى غاية الإعلان عن الاستقلال إلى كون الأمور بلغت حدا وجب معه أن تفتح الدفاتر من جديد ليقرأ فيها المعتدي عبثه و استهزاءه البالغ بالقيم البشرية و الإنسانية و عمليات التقتيل و التعذيب و التشويه الجسدي، و التشريد الفردية و الجماعية، و جرائم الحرق و التمييز و التطهير العرقي و زرع الألغام و إقامة التجارب النووية على الأحياء،و استعمال الأسلحة المحرمة دوليا و الأحكام بالإعدام ضد المقاومين لسياسة الاحتلال، وفق ما جاء في المادة الخامسة من القانون الجزائري تضاف إليها جرائم القمع و الاغتصاب التي هي من أقبح الجرائم ضد الإنسانية كونها تتعلق بالشرف، الغاية منها سلخ الأمة من كل قيمها الحضارية و الدينية و سلب حريتها و إبادتها نهائيا، و لهذا جاء قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر ردا على الانتهاكات الخطيرة التي مارسها الاستعمار الفرنسي و الكشف أمام الرأي العام العربي و العالمي ما حدث من عدوان و الدعوة من خلال هذا القانون إلى الاعتراف و المطالبة بالاعتذار، و هو حق لا رجوع فيه، و هذا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة بتاريخ 26 جوان 1945 ، و بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948، و بناءً على الدستور لاسيما المواد : ( 8، 100، 119 و المادة 120 منه) .

القانون الذي تم التوقيع عليه من طرف 125 نائبا من الأحزاب السياسية جاء في إطار استكمال جوانب الشخصية الجزائرية و إعادة كامل الحقوق المسلوبة المعنوية و المادية على حد سواء، جراء عملية العدوان المسلح على الشعب الجزائري منذ سنة 1830 إلى غاية الاستقلال، و هو يضم 27 مادة قانونية، و قد صنف القانون العدوان المشار إليه في المادة الثانية من الفصل الأول الباب الأول إلى عدوان سياسي على كيان الأمة و عدوان مادي و أخلاقي على القيم البشرية، كما حدد القانون في المادة الرابعة أنواع الجرائم و هي : ( جرائم ضد الذات البشرية، جرائم ضد الحقوق و ضد الحريات و جرائم ضد المكاسب و أخرى ضد الفكر و الحضارة و المجتمع..)، و أضاف في مادته السادسة ( جرائم ضد التشريد و التهجير و النفي الفردي و الجماعي، و جرائم ضد هدم المساجد و المعالم و جرائم التنصير القسري و جرائم التجهيل و جرائم خلط الأنساب و تشويه الحالة المدنية و إثارة النعرات العنصرية بين الإخوة من أبناء الجزائر..)، أما الباب الثاني فقد ألزم القانون في فصله الأول و منه المادة 11 تولي الدولة الجزائرية المتابعة القضائية الفردية لكل الأشخاص الذين مارسوا الجرائم ضد الإنسانية ، من المعمرين السابقين و الأقدام السوداء و الحركى، و هي الجرائم التي لا يشملها التقادم و لا المعاهدات المختلفة.

كما يلزم القانون في المادة رقم 12 من الفصل الثاني الباب الثاني السلطات الفرنسية أخلاقيا بالاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر، و بكل الحقائق التاريخية السلبية المدونة في الذاكرة الجماعية و اعترافات الشخصيات المدنية و العسكرية الفرنسية و الشهود العيان، و بخصوص الاعتذار فقد ألزمت المادة رقم 14 الدولة الفرنسية بتقديم الاعتذار للشعب الجزائري عما لحقه من أذى في الفترة الاستعمارية الكالحة و كذا الممارسات التي تلت هذه الفترة، كما يشترط القانون في المادة رقم 15 إلغاء كل النصوص الرسمية التي تمجد الاستعمار و تؤيد سلوك الهمجية الاستعمارية الفرنسية في الجزائر تضاف إليها المواد 13 ،14 و المادة 26 التي تنص على أنه قبل إبرام أي اتفاقية أو معاهدة صداقة بين الجزائر و فرنسا، حتى استفاء كل الشروط الواردة في نص القانون، فضلا عن التعويض عن الأضرار، ذلك وفقا للمادة ( 16، 17، 18 و19 ) من القانون الجزائري، و التعويض عن الأضرار تتمثل في إعادة كل الوثائق التي تمثل الذاكرة الوطنية الجزائرية و الممتلكات المنهوبة و المهربة غداة الاحتلال، و تسديد ما على فرنسا من ديون للجزائر لفترة ما قبل الاحتلال، خاصة و الحكومة الفرنسية ما تزال في سياستها تنتهج ثقافة الكيل بمكيالين و ترفض الاعتذار من الجزائريين من خلال قانونها الصادر في 23 فيفري 2005 الذي تمجد فيه جرائمها خلال الفترة التي احتلت فيها الجزائر و سارع البرلمان الفرنسي في المصادقة عليه ، في الوقت الذي تعرف فيها العلاقات الفرنسية الجزائرية تطورا ، و هو يعد ضرب لمقومات الثورة و مبادئ أول نوفمبر 54 .

قراءةعلجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى