جمعة عبد الله - قراءة في رواية (وكر السلمان) للاديب شلال عنوز

اسلوبية المتن الروائي تختلف عن المألوف في الرواية العراقية الحديثة، بتناولها مسائل حيوية في علاقة الاجرام بالحرب، وهي تدخل ضمن الاتجاه الروائي في ادب الجريمة،في منظور فكري يستند على مقومات في المسائل القانونية وقانون العقوبات الجنائية. ويستغل المؤلف مهنته في ممارسة مهنة المحاماة، في توظيفها في النص الروائي، وهو يجمع في تحليل علمي في علم الجرائم ونظرياتها في عالم الجريمة ومنطلقاتها ودوافعها،في وخلق روحية أجرمية تتنفس في أزماتها بالاجرام، ولها قابلية كاملة لفعل الجريمة طالما يرقد في دواخلها وحش مجرم. والمنظور الروائي يعتمد على نظرية الاجرام على نظرية الدكتور الايطالي المعروف على نطاق واسع في ابحاثه العلمية الدكتور (تشيزري لومبروزو) في كتابه (الرجل المجرم) في ابحاثه ومختبراته العلمية التي اجرائها على العديد من المجرمين، واستخلص منها المواصفات التي تحدد المجرم الجسدية والروحية. التي تكمن في داخلها الوحش المجرم بالسادية المازوشية، يربطها الروائي (شلال عنوز) بشكل أساسي بالحرب في دوافعها في تشويه سمات المجتمع الاخلاقية من خلال محرقة الحرب المدمرة. ويربط المتن الروائي بفهم عميق بين الجريمة والحرب، ويضعها في وعاء واحد، أو في عملة واحدة، فلابد وراء كل جريمة حرب، والعكس صحيح، وراء كل حرب جريمة. طالما روحيتهما واحدة، في العنف الدموي واراقة الدماء بالبشاعة السادية.

أن النص الروائي يعتمد على نظرية الاجرام (لومبرزو) بالمواصفات التي حددتها نظرية علم الاجرام الجنائية، وهي تنطبق على بطل الرواية (نعمان) في اقتراف جرائمه على اقرب واعز الاصدقاء المحيطين به، واستدراجهم الى وكر الشيطان (وكر السلمان) متجرداً من كل رحمة، بل في القتل متأصل في روحية مازوشية سادية. ومفردة (السلمان) تعود بالذاكرة العراقية الى السجن السيء الصيت والسمعة (نقرة السلمان) فقد كان سجناً رهيباً للمعارضين السياسيين المناوؤين للسلطات الطاغية، عبر مراحل تاريخ العراق السياسي الحديث، في زج الوطنيين الاحرار والشرفاء، بأصواتهم الحرة المدافعة عن الوطن، في زجهم هذه السجن الصحراوي الرهيب. ويتناول المتن الروائي بالتفصيل الدقيق. شهوة القتل والاجرام، المتفجرة بوحشيتها الدموية تجاه ضحاياها، عند الشخصية المحورية في المتن الروائي (نعمان). هذا ما يطرحه النص الروائي، ويسوقة بصيغة لغوية مدهشة في التشويق، التي تجمع السرد النثري بالشعر. اي ان احداث السرد الروائي يجمع كلا الطرفين، وهذا يعود بأن الاديب (شلال عنوز) هو يجمع الصفتين، الروائي والشاعر معاً، لذلك خلق براعة متشوقة، نادراً ما نجدها في الفضاء الروائي السرد / الشعر. في براعة بالغة الدهشة والابهار، بحيث تشد القارئ في متابعة دراماتيكية الاحداث المتسارعة والمتلاحقة في أحترافية في الفن الروائي الحديث، في مسلسل الاجرام الذي يدير دفته مجرم محترف في الاجرام. وهي من النتائج المدمرة التي تخلفها الحرب، في حرق الاخضر واليابس في ازهاق الارواح البريئة في مجزرة رهيبة ودامية، وهي محرقة الحرب على جبهات القتال، الحرب التي اعلنها النظام على أيران في الثمانينات القرن الماضي، والتي خلقت اجواء مرعبة في المجتمع، التي انعكست سلباً على سايكولوجية المجتمع الاخلاقية. بأن الفرد بات يعيش ضمن كوابيس الرعب اليومي من اهوال الحرب. هذا يدفعنا الى التساؤل : منْ المسؤول عن هذا الدمار البشري والاخلاقي؟ أضافة الى دمار البلاد بالخسائر الفادحة التي لا تعوض. منْ المسؤول عن هذه البشاعة التي غرقت البلاد في بشاعتها؟ بكل تأكيد تشير اصابع الاتهام الدامغة الى القيادة السياسية التي تحكم البلاد، فهي المسؤولة عن حماية وسلامة الوطن والمواطنين، وهي يجب عليها أن تتصرف بالعقل والحكمة والحلم والشجاعة. حتى تقود البلاد الى الرقي والتحضر والتقدم والتطور الى شاطئ الامان والسلامة. أما اذا كانت القيادة متهورة في اعمالها وافعالها، واذا كانت عقليتها تؤمن بمبدأ العنف والقوة الطاغية والغاشمة بالبطش، اذا كانت ثقافتها السيف والمدفع، فهي تقود البلاد الى الهلاك والدمار والعواقب الوخيمة، في اشعال الحروب التي تقود نحو الانحدار الى الهاوية السحيقة. وتدخل في تخريب المجتمع في علاقاته العامة حتى في علاقات الحب. فقد كان (نعمان) من عائلة غنية ميسورة، تملك الاموال الوفيرة والاملاك العقارية. ودخل كلية القانون. وهو الشاعر الرقيق في مشاعره ومحب للادب والشعر، اضافة الى اختصاصاته في علم القانون، ارتبط بعلاقة حب مع (سناء) وهي ايضاً من عائلة غنية ميسورة، فقد خطفها من الطلبة الذين كانوا يتبارون على خطف ودها وحبها، لكن هذه الحسناء الجميلة اختارت (نعمان) بعلاقة حب قوية وانتهت بالموافقة على عقد الخطوبة في حفل مهيب كأنه حفل ملوكي، على أمل عقد الزواج بينهما. ولكنه جند للحرب واشترك في جبهات القتال. ومن خلال الحرب الصاروخية بالقتال الضاري في جبهات القتال، جاءته قذيفة صاروخية وهو داخل الخندق، لم يسلم في الخندق إلا هو ونقل مباشرة الى المستشفى، وأجريت له عمليات جراحية في انقاذ حياته، وتكللت العمليات الجراحية بالنجاح، إلا بكسر في فخذه الايسر وبتر عضوه الذكري. هذه الخسارة الفادحة بفقدان رجولته، شكلت له ازمة نفسية خطيرة، وراح يعوض هذا النقص الفادح، في امتهان سلوك الاجرام والجريمة لاقرب واعز اصدقائه، يستدرجهم في الوكر الشيطاني، حتى ينفذ جرائم القتل البشعة بوحشية سادية. حتى لم يسلم من القتل السادي خطيبته (سناء) استدرجها الى وكر الشيطان بخطة محكمة، بعدما اخذ يماطل بموعود الزواج، وقطع رابطة التواصل معها ومع اهلها، وهم في حالة دهشة واستغراب، بأنه اخذ يتهرب من التواصل معهم. حتى بدأ هذا التصرف الغريب يثير الريبة والشك في المماطلة في عقد قران الزواج من ابنتهم. لذلك استدرجها الى الوكر ومارس تصرف غريب لم تصدقه بأن الواقف أمامها أنه (نعمان) الحبيب تحول الى وحش كاسر. وانه يخفي لها شراً مهلكاً في استدراجها الى هذا الوكر المليء برائحة العفونة وانه مهجور ومخيف. وتسألت بغرابة وهو بملامح الوحش الكاسر. بماذ يريد يفعل بها؟، فرد عليها (سناء أنا لست كما تعرفين، أنا أنسان آخر ارادته الحرب أن يكون مأزوماً، فاقد الاهلية فأغتالت رجولته، ثم نظر نحو الارض خجلاً من نظراتها وقال في انكسار شديد، أتدرين يا سناء أنني رجل لكنني لست ذكراً، لأن فرمان الحرب اللعينة صدر بقتل ذكورتي، وليتني مت ألف مرة ولم تحدث لي هذه المأساة) ص123.

ولكي تتأكد من حجم فادحة الكارثة التي أصابته (رفع ثوبه الى للاعلى ولم يكن مرتدياً لباساً داخلياً، وحينما وقعت عيناها على موضع الكارثة، أرتعبت وكادت يغشى عليها من هول الصدمة التي باغتتها، فلم يكن هناك عضوه ذكري، رأت مجرد فتحة في موضع مشوه فأصيبت بالفزع واجتاحتها موجات من الهوس مصحوبة بنوبات بكاء عارم) ص124. بهذا الشكل اراد ان ينتقم من خطيبته بالقتل بالسكين، وبعد قتلها جاء الدور على أقرب اصدقائه المقربين وهو (ناصر) استدرجه الى وكر الشيظان ليكون الضحية القادمة، وحينما ادرك (ناصر) بأن السكين تلوح فوق رقبته. حاول ان يستجدي عاطفته ورحمته لانه صاحب عائلة واطفال. وانه صديقه المقرب وعرف عنه أنه شاعر يحب الناس ويرفض الظلم. وأنه لا يختلف في هذه الهمجية الوحشية، عن افعال الطاغية المجرم الذي اشعل الحرب، ودفع الناس الابرياء الى محرقتها، كما يفعل الآن بقتل صديق بريء. لكن عرين الوحش في داخله، قرر ان ينهي حياته، ولم يجدي الاستجداء والعطف والرحمة. ذكره بأنه درس القانون، وان حبيبته تنتظر موعد الزواج. ويرد عليه بأنها لعبة الحرب، فيقول (ناصر) بصوت متشنج يتحشر في حنجرته ألما ومرارة :

(لماذا تصر على قتلي؟ أي ذنب جنيته بحقك؟

فقال نعمان وهو يشيح بوجهه عنه : أنها شهوة القتل التي تملكتني، فمنذ وطأت رجلاي هذا الوكر الخبيث، ولا شيء يطرق تفكري سواها، هي لعنة الحرب يا ناصر. صدقني أنا أحبك. ولكنه حب يسكنه الموت، فلقد فقدت الامل واصبحت الحياة لي مجرد وهم ومات ضميري، متأرجج الحقد والغدر في الاعماق) ص148. يرد عليه بأي قانون وشريعة تمارس القتل (كيف يحق لك قتلي لمجرد شهوة مريضة تلبستك كما تقول؟ ألم تعلم أن لي عائلة ولي طموحات وخلقت بشراً مصون الكرامة والنفس) ص149. يرد عليه باستهزاء وهو يداعب سكينته (لماذا وضعك القدر في طريقي وقد اغتالني قبلك) ص149. يرد عليه ناصر :

(أنت الآن تعتدي على حق وهبه الله لي وحماه القانون، فمن اباح لك قتلي؟) ص149. فيجيبه نعمان :

(لقد أباحت لي ذلك الشريعة نفسها، التي أباحت للحجاج وسواه من الحكام الطغاة في أن يتسيدوا ويحكموا بأسمها، فتمادوا في ظلمهم للناس وتفننوا في قتلهم للاخرين بأسم الشريعة والدين والقانون) ص149.

وبدأت احداث تتلاحق بسرعة دراماتيكية. فقد ارسل المستشفى الذي اجراء عمليات الجراحية لحالته الخطيرة، ارسل تقريره الى السلطات القضائية، يشرح في التقرير الطبي بالتفصيل حالته، كسر في الفخذ الايسر وبتر عضوه الذكري، حتى يعفى من الخدمة العسكرية، وارسل الى القاضية (رحمة) التي كانت زميلته في كلية القانون والصديقة المقربة الى (سناء) وكانت على اطلاع قريب في الحب الذي جمع بين (نعمان) و (سناء) وكذلك هي أيضاً شعرت بالقلق من اختفاء صديقتها (سناء) وابتعاد (نعمان) عن التواصل وانقطاع في زيارة عائلتها، والتماطل في تحديد موعد الزواج، بشكل مريب يدعو الى الظنون والشكوك، ويأتي التقرير الطبي ليوضح الغموض في تصرفات (نعمان) ويضع الامور في نصابها، بأنه متورط في اختفاء (سناء) وذهبت الى عائلة (سناء)واطلعتهم على التقرير الطبي وادركوا بأن (نعمان) متورطاً في اختفاء (سناء) وقدموا دعوة قضائية الى مركز الشرطة تدينه بالاختفاء. وبدأ الحبل يلتف حول عنق (نعمان) وتيقن بأنه اكتشف امره للجميع، بأنه المسؤول عن اختفاء خطيبته. وداهمت مفرزة الشرطة بيت (نعمان) فلم تجده لانه سبقهم في الهرب الى وكر الشيطان، وقادت مفرزة الشرطة قطته السوداء، كدليل يريشدهم الى الوكر، وبالفعل ذهبوا، وشعر (نعمان) بالخطر يطرق باب الوكر، فلم يبق له سوى وسيلة الانتحار، ففجر نفسه بعبوة ناسفة طالت بعض رجال الشرطة. وكتب في وصيته كل افعاله الاجرامية بالقتل، وانه يشعر بالندم، لذلك يأمر بتوزع امواله وعقاراته وما يملك الى عوائل الضحايا.

ولكن لابد من الاشارة المهمة في بداية الرواية هو الاهداء :

الى ضحايا الحرب، رجالاً، نساءً واطفالاً

الى الذين خسروا أمانيهم. واكلوا أعمارهم

الى كل الذين اكتووا بنارها

الى الانسانية المعذبة بسبب حماقات مشعليها.



× الكتاب : رواية وكر السلمان
× المؤلف : شلال عنوز
× الطبعة الاولى : عام 2020
× الناشر : منشورات أحمد المالكي
× عدد الصفحات : 220 صفحة

***

جمعة عبدالله





1616530849099.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى