إدريس على بابكر - إمرأة في فوهة بركان.. قصة قصيرة

بعد شد وجذب من جانب أهلي و تعنت من جانب أهلها تم زواجنا المبارك كما سطرت يد القدر، بعض أقاربي لم يعجبهم قراري رفضوا الإستجابة لدعوتي يوم زفافي، الذين أتوا مجاملة تاكلت دواخلهم بنيران الغضب و التذمر، حاولت أن أنال رضا أمي و أبي لكنهما وافقا على مضض دون أن تغمرهما أيات السعادة، لو لم أكن ابن بارآ و أصرف عليهما بسخاء لما حظيت بالكرت الأخضر ربما جرفتهما طوفان التقاليد، أصبحت حديث المدينة ليس لا أني نطقت كفرآ أو أتيت بفعل لم يأتوا به الأولين أو ارتكبت جرمآ شنيعآ حطم أبواب الشرف، لم أطلب يد عاهرة منبوذة تاهت في ليالي العابثين، كل ما في الأمر يا سادتي أنا شاب لم يسبق لي الزواج و حبيبتي مطلقة أكبر مني عمرآ جلبت على لعنة اعاصير الرياح و ظلم العتاب، صوبوا رماحهم إلى قلبي فتحملت الصعاب من أجلها، أريد أن أكتب لنفسي تاريخ جديد و ان اتحدى و انتصر لحبي، ما عاد يهمني القيل والقال و دفن الرؤوس تحت الرمال، وحدي من أدفع ثمن تجربتي و إختياري ليت يصمتوا الشامتون و يكفوا عن حشر انوفهم في أمور خاصة لا يعينهم في شئ.
بعد ما انفضوا المعزومين من المناسبة و باركوا لي على عجل بقوا بعض المتطفلين مع الأصدقاء المخلصين يصنعون البهجة والسرور بالغناء و المرح وسط الأجواء الخانقة، في ليلة زفافي البستها خواتمي بالشوق يدها تتوج معصمي على أنغام الموسيقى تبادلنا المشاعر و ابتسم لنا الحظ السعيد و بأن الطريق المستقيم، قلت لها احبك... أحبك..... أحبك في وجه الكون فهبت النسائم و هلت أفراح الحضور مثل الحجيج إذا اعتمر فزفتنا الملائكة إلى النعيم.
في الفندق المطل على شاطئ النيلين هبطنا كعصفورين مسرورين قبل أن نلامس الباب بسحر العاشقين فتح لنا ضلفته بلا استئذان فحلقنا كالطيف الجميل، إمرأة كحبة الياقوت حررت لها شهادة عمر جديد و ذقت معها حلاوة اللقاء في نهاية المطاف كأننا لم نعيش قبل تلك الأيام، قالت لي حبيبتي و في عينيها دموع ممزوجة بالفرح و الخوف من المجهول اخيرآ انتصرنا، قرصتها من خديها و لثمتها على عجل ثم حضنتها بدفء و اعطيتها الأمان و امنتها على روحي و راحة بالي، قلت لها ساجعلك نحلة تنسجي خيوط الحب عسل نقي إلى آخر مدى الأحلام ، ساجعلك إمرأة لا تعرف للملل سبيلا و اسقيك بكأس حناني دواء يشفي روحك المرهقة و المتعبة إلى الأبد،أنا ليس مثل أولئك الذين يعتقدون أن الشرف تحت السراويل و كلماتهم الجميلة ظاهريآ محشوة بما كل هو داعر، الشرف عندي ليس دماء في قطعة قماش يهللوا بها الغافلون ثم يرجعون إلى آوهامهم فيغتصبون الفضيلة،الشرف عندي يا حبيبتي عندما تصفي اللغة و تتنقي من رواسب الكذب و ينقشع صدى الابتزال و التسكع في ظل النفاق، الشرف عندي هو الصدق و لما تشرق الحقيقة بلا كسوف واضحة مثل ضوء الشمس و حينما تسمو الروح في الآفاق البعيدة ، لن أعيش معك نصفي في النور و نصفي الآخر في الظلام ستكونين في حياتي مثل سراج الأنبياء التي لا تنطفئ.
ثلاث ليالي في الغرفة تمضي بنا رحلة الحياة برونقها الجديد و أمانينا المترفة ،عند الصبح شعرت ملهمتي بألم مغص حاد حاولت أن اخفف عنها الوجع زادت دقات قلبي حركت شفقي الشديد يا إلهي ما هذه الصدمة !! جريت في كل الاتجاهات كالمجنون طالبآ طوق النجاة، أخذتها بسيارة الإسعاف إلى المستشفى ادخلوها في العناية المكثفة. بعد قياس رسم القلب و الضغط و كل الفحوصات الطبية اللازمة لم تتحسن حالتها مما أشعل توتري عليها، أمرني الممرضة لنقلها إلى قسم الباطنية و الجراحة هي تحتاج إلى عملية عاجلة.
جلست أنتظر أمام غرفة العمليات متوجسآ اتصفح في هاتفي وجدت الخبر انتشر مثل الخبر العاجل في وسائط الميديا، كثيرين لم يراعوا العشرة بيني و بينهم لكي يتصلوا بي ليعرفوا حقيقة الحدث كتبوا بحروفهم أقسى الكلمات على حسب هواهم و نسيج خيالهم المريض . بعضهم الذين امنتهم أسراري افشوها في هذه اللحظة الحرجة قليلون من حاولوا الدفاع نيابة عني، لم يكن احدهم متأكد من مصدر الخبر انهال على السب والقذف من لا يعرفني و بالهمز و اللمز من يعرفني، كنت أقرأ التعليقات الساخرة باندهاش لكنها لم تهز ثقتي في حبيبتي، نعم أصبح العالم غرفة إلكترونية اختلط فيها الحابل بالنابل من الصعب أن تفرز بين الحميم و الخصيم ظل السؤال حائرآ في رأسي من الذي اذاع الخبر ؟ و انتشر داخل البلاد وخارجها في ظرف ساعة بهذه السرعة الرهيبة جعلوني كبش فداء و استولوا اقلامهم كالسكاكين.
بعد ساعة و نصف خرج إلى الطبيب الوسيم مبتسمآ و خلفه الممرضة البدينة يقول لي الحمد لله على سلامتكم يحمل بقفازته شاشة طبية كبيرة وجدوها في أحشائها أثر عملية جراحية سابقة. عادت السكينة إلى قلبي دخلت إلى حبيبتي تضئ الابتسامة وجهها الجميل وضعت يدي على يدها و طبعت قبلة على جبينها ثم قالت لي هامسة احبك يا حبيبي، تبخر الحب بينا غيمة في سماء المدينة هطلت بغزارة فطفت لهيب البركان.
( تمت)
إدريس على بابكر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى