روعة عمامي - حنين..

في حي عتيق تفوح منه رائحة الماضي العتيد تمنيت أن أعيش ، في زقاق ضيق بيوته متلاصقة ، حيطانه من حجارة من طين تكسو طريقه حجارة ملساء لونها رمادي ، في منزل بابه من خشب منقوش ، شكله مقوس لونه بني كلون الخشب ، بدار غرفها دافئة ومتقاربة بها فناء تجتمع فيه الأسرة للسمر والسهر وسقيفة يحلو بها الجلوس في الصيف ،أن تكون لي غرفة صغيرة سقفها قريب ، تملأ الصور جدرانها، بها شباك متوسط الحجم يطل على شارع الحي مطروق بنقوش أندلسية ، مسدول عليه ستائر بيضاء من طراز الجدة ، بمنزل تغطي ارضية بيوته زراب تقليدية الصنع بها رسوم هندسية ،و زربية من نوع المرڨوم معلقة بغرفة الجلوس وسط إطار من بلور يحميها من الغبار ويحفظها من الزمان ...
رائحة القهوة المنتشرة في أرجاء البيت ، تأسر النفس ، قهوة الهيل وشواشي الورد وقشور البرتقال المجفف ، مدلك طبيعي للرأس ومخدر مسموح به لإسكات أوجاعه ...
رائحة خبز الملاوي المغمّس بزيت الزيتون المنبعث من حانوت الجارة والمنتشر في أجواء الحي ...
صوت الجارة وهي توبخ ابنها الذي غادر البيت من ساعات ولم يعد الا في وقت متأخر ، صوت الأطفال وهم يلعبون الغميضة صرخات ضحكاتهم كلما صاح احدهم في وجه الآخر قائلا وجدتك وجدتك ، ولم لا أن أكون جزءا من هذه اللعبة ، أن أركض في شوارعه الضيقة اللولبية دون تعب وتوقف ، والتي يضيع فيها كل من لايعرفها ، ثم أعود الى الدار مثقلة الساقين خفيفة الروح..

عن رمضان و أهل الحي ورائحة البخور والعنبر تغمر المكان على صحون الأكل التي تتنقل بين البيوت قبيل الإفطار كأنها عمليات تبادل تجاري ، عن أماكن لا تعترف بالأسوار
عن أماكن لا حدود لها رغم ضيقها
عن أبواب ديار لاتغلق الا في الليل وتفتح مع تباشير الفجر كلما نادى محذر الصلاة "أن الصلاة خير من النوم"..
عن جامع الحي ذي المنارة العثمانية ، عندما تراه يخيل لك أنك تعانق السماء ، عن صوت المؤذن الذي يسبح في الأجواء وينفذ الى ديار الحي باثا الطمأنينة في القلوب جمعاء .
عن صوت خطى المصلين التي تحيط الروح بهالة من الأمان والسكون ..
عن رائحة الفطائر التي تفوح كعطر نسائي مغر ، تفتح الشهية عن الأكل واستقبال الصباح بنفس جديد...

***

تمنيت دائما أن أعيش في حي عتيق ، لايعترف بالحدود والمواعيد لاينتظر سكانه المناسبات لدق الأبواب والزيارات ، بين قلوب تشبه الحي العتيق ، قديمة لكنها طيبة وجميلة ...تمنيت أن أعيش..
أن تكون لي جذور هناك تعيدني كلما ابعدتني مشاغل الحياة ،
هكذا أنا أحب الأشياء القديمة ،يأسرني الماضي بأجوائه العتيقة ، لذا رسمت لهذا العالم في مخيلتي حياة بأكملها ديار وجيران وأصوات وروائح و أصبحت جزءا من ذاكرتي الزائفة أقول زائفة لأنني لم أعشها بحق فقط في خيالي ...
وقد وسّعت ذاكرتي مساحات الحنين فتراني كلما زرت أماكان متصلة جذورها بالماضي أشعر برغبة جامحة في إحتضان المكان بقلبي الصغير...❤

# روعة عمامي


1616616250465.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى