مقتطف عامر البري - من هُيام فصاعدا..

ارتقينا درجات البوّابة العريضة التي تفتح مباشرة على ساحة المقام المحاط بالاعمدة والغرف، كان البناء حديث الترميم. قدّمني لشيخ الحضرة الأربعيني وهو في طريقه لغرفته التي تنبعث منها رائحة الندّ والبخور. القرويّات تنشرن البهجة بساحة المقام، ولولة وزغاريد وصبية واطفال في مرح وحبور. البهجة المرسومة على كل الوجوه لن تخفي عن الناظر للارضيّة المكسوّة بمكعّبات الجليز والرّخام تلك الأضرحة وهي تتربّع مع سيقان الزائرات، قال عنها سي بن يوسف إنّها لأحفاد الولي.للا رقيّة ابنة الولي تأخذ مكانها بالقرب من والدهاـ كما استأثرت بغرفة كبيرة كثيرة النّواصي والأعمدة، والنسوة الملتفّات حولها في حلقات متفاوة الحجم وحول مواقد الشاي والبطيخ أيضا. قدّمت لي احداهنّ بطّيخاـ وارى لا أدري كيف استسلمت ليدها الصّغيرة كثيرة الوشم ـ لتطبع حلقة حنّاء بكفي وتتمتم قائلة:
-ان شاء الله ربي ينوب عليك ويحل مكتوبك.
كان وقع استعمال مرادفين لأسم الجلالة معاـ مرتبطين بالنيابة والفتح وبالمكتوب الذي يرافق الانسان حتى آخر رمق له في الحياةـ بنفس تأثير تلك الاسماء الانثويّة المنقوشة بعجين الحنّاء على الجدران وتمتمة الحسناوات بما تجود به صدورهنّ وافئدة أمهاتهنّ من أدعية ورجاء وأمل ـ وهنّ ملتصقات بالحاجز الخشبي الذي يفصلهنّ عن ضريح للاّ رقيّةـ لتذكّرني بضريح السيّدة زينب.
قراءة الفاتحة من الطقوس التي يتطلبها الوقوف أمام الاضرحة ـ فما بالك لمّا تكون للأولياءـ قرأت الفاتحة على روح السيّدة رُقيّة من دون حاجة لمن يدلّني ـ غير أن أم السعد حفيظة المقام وهي ترفل في فستانها الملوّن ـ وفوطتها التي تلفّ خصرها المكتنز. تحثّني لاجتياز باب صغير نحو ضريح الولي.وتترجّاني لكي أقرا الفاتحة.
-اقرئي الفاتحة الفاتحة تجيب البركة.
أينما حلّت الفاتحة ـ حلّت البركة لطالما ردّدها والدي شيخ الازهر على مسامعنا ـ سي بن يوسف أمام خيارين ـ إمّا الوقوف بالباب الصغير لحراستي كبودي غارد لحين اتمام طقسي ـ او اجتياز الفجوة التي بيننا ومشاركتي قراءة الفاتحة ـ فاختار الثاني ـ اختياره هذا قد يحقق لي جزءا مما كنت افتقدته عند نزولي بمدينة الشعر ـ عدم توفّر أي شخص نعرفه هناك عطلت سيرنا ـ ان مرافقته سوف تفتح أمامي الطريق نحو مزيد التدقيق والملاحظة ـ وتتيح لي فرصا أكثر للسؤال والبحث، إذ أن جزءا كبيرا من عملي يعتمد على السؤال ودقّة الملاحظة.
*******************************************************************************************************************************************************************************************
استيقضت على وقع اقدام عاملات الطوابق بالنزل ـ خمول ماكر يرسم توقيعه على جسدي فيوقعني بين براثنه فريسة اعياها الفرار وتواطأت الشعاب للنيل منها ـ والتضييق عليها . ما من مكان سيتسع لفرادتي ـ فالبيت المكان الوحيد لأية امرأة مثلما ذكر مدير مدرسة الاناث بالمكنين مردفا أن البلدة محافظة . حتى الفراش لم يتحمّل حماسي واصراري فلم يقبل سوى نصف جسدي وترك نصفي الثاني متدلّيا منبوذا. قررت الاّ ابرح مكاني وساكتفي بما دوّنته بكنّشي من معلومات وألا التزم بأي سلوك علمي فالمعلومات التي بحوزتي تفي حاجتي واكثر. تطرق احدى الخادمات طرقات خفيفة على باب الغرفة ـ تراجعت لمّا وصلها صوتي . الخمول الذي ألمّ بي جعلني لا أنتبه لكي اضع لوحة عدم الازعاج بالقفل ولما غالبت كسلي واتجهت بكامل تثاقلي و تعبي نحو الباب لأضعها ـ وجدت الخادمة سبقتني بل ودفعتني دفعا نحو الحمام.
في البانيو والخمول يلازمني مفنّدا مقولة الماء الذي يعصف بالتعب ـ لم اكن متعبة بقدر ما كنت جائعة ـ احساسي بالجوع وانا في الماء جعلني اغفو وارتاح لفكرة بقائي بالغرفة ـ والتخلّي عن كل شيء والالقاء بها في الماء. وخبطت الماء بيدي المتهاونة ـ وعيناي شبه مغمضتين تحدّقان في فشلي يعانق البخار الصاعد الي الأعلى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى