مقتطف أيمن مصطفى الأسمر - أحوال عائلة مصرية (جزء 2)

"الأسطى" عبد الهادي

توالت الأخبار والحكايات حول عملية البيع المرتقبة، تكاثرت فلم نعرف الحقيقي من المزيف، أفادت إحدى الحكايات أن هناك أربعة أو خمسة عروض مؤكدة وأنه قد بدأت دراستها بالفعل، حكاية أخرى ذكرت أنه لا يوجد إلا عرض وحيد وأن هناك تكتما شديدا يحيط به، من جهة أخرى قال بعض الموظفين والعمال أن أحدا لم يتقدم على الإطلاق لشراء الشركة وأن كل ما يتردد عن عروض ليس إلا شائعات لا أساس لها أبدا من الصحة، من جهته نظم "الأسطى" حسين لقاء في منزله ليناقش معي ومع عدد كبير من زملائنا من العمال والموظفين الأمر، قال مستغربا:

ـ كانوا في البداية يقولون أنهم يبيعون الشركات الخاسرة فقط، لكن شركتنا ليست كذلك .. بل أنها تحقق أرباحا كبيرة، فما الداعي لبيعها؟!

رد عليه الأستاذ محمود:

ـ أظنك تعرف أكثر مني .. الأمر ليس أمر شركات خاسرة أو رابحة، من الواضح أنها سياسة عامة انتهجتها الدولة ولن ترجع عنها، ثم أن هذا يفسر بعض الممارسات الغريبة التي تعجبنا منها جميعا في الفترة السابقة.

سأله أحد العمال:

ـ ماذا تقصد يا أستاذ محمود؟

ـ تقاعسهم التام عن تطوير الشركة، تجديد الآلات، الحصول على أفضل مستلزمات إنتاج وغيرها من الأمور التي عانينا منها كثيرا في الفترة الأخيرة.

علق عامل آخر:

ـ هل كانوا يريدون لنا أن نخسر؟!

ـ قد يكون الأمر كذلك، ولعلها ظنون انتابتني بعد علمي بخطة البيع.

اندفع "الأسطى" حسين قائلا:

ـ أيا كان الأمر هل سنرضى ببيع شركتنا بهذه البساطة؟!

أجابه أحد الزملاء:

ـ وماذا بيدنا لنفعله؟

رد "الأسطى" حسين في حنق:

ـ وهل سنجلس كالعجائز ننتظر الموت أو رصاصة الرحمة؟

قالها ثم نظر إلي وقال:

ـ لم تفتح فمك يا "أسطى" عبد الهادي منذ جلسنا، أيرضيك ما يحدث؟

نظرت إليه نظرة ذات مغزى لكنني لم أنطق، كانت علاقتي به وثيقة تعود إلى أيام شبابنا المبكر، تزاملنا في الشركة منذ إنشائها وتدرجنا معا في العنابر حتى أصبحنا من أقدم العمال بالشركة وأكثرهم خبرة ودراية، تزوجت أنا وأنجبت، أما هو فلم يتزوج وانشغل بالعمل النقابي سواء بالنقابة الفرعية أو العامة، ورغم شعبيته الكبيرة بيننا إلا أن خلافاته الدائمة مع رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والمسئولين بالوزارات المتعاقبة شكـلت عقبة دائمة في طريقه، لم يتمكن أبدا من الاستقرار في منصب نقابي يتيح له تطبيق أفكاره، كان دائما ما يستقيل احتجاجا على تدخلات المسئولين في العمل النقابي، كنت أعيب عليه ذلك وأقول له: طالما اخترت هذا الطريق فيجب عليك الاستمرار به ومواجهة كافة الضغوط والتدخلات بكل الوسائل، لا تستقيل وتترك موقعك الذي وضعك به زملاؤك، كان يرد علي قائلا: الاستقالة هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه التدخلات، ثم يصب لعناته على كبار المسئولين والساسة الذين يتدخلون في العمل النقابي ويفرغونه من مضمونه، كنت أقول له: إذن افعل مثلي، أترك هذا الطريق طالما لا جدوى منه وابحث عن طريقة أخرى لخدمة زملائك، كان النقاش بيننا يصل دائما إلى طريق مسدود، ورغم عدم اتفاقنا الدائم بخصوص هذا الأمر ظلت العلاقة بيننا قوية وإن أضعفها قليلا انشغالي بمسئوليات الأسرة وأعبائها.

انفض اللقاء دون أن نصل إلى رأي محدد، اقترح "الأسطى" حسين في نهايته أن نلتقي ثانية بعد أن يكون قد تحقق في الوزارة وغيرها من المصادر عن حقيقة العروض التي نسمع عنها.


محمد عبد الهادي

جاءني أمس أحد الأصدقاء بخبر قال إنه سعيد، وظيفة مندوب مبيعات بإحدى شركات توزيع الأدوية، اجتزت المقابلة والاختبار المبدئي، كان الأمر يتطلب مني تسلم سيارة من الشركة مع كميات معينة من الأدوية أقوم بتسويقها بمعرفتي على أن أتقاضى راتبا شهريا محدودا يغطي فقط مصاريفي الشخصية ومصاريف السيارة بالإضافة إلى نسبة شهرية تتضاعف مع تضاعف ما أقوم بتسويقه، في مقابل حصولي على السيارة والأدوية كان يجب علي أن أوقع على شيكات بقيمة كبيرة تغطي قيمة السيارة والأدوية، كان المبلغ مبالغا فيه لكنه كان شرطا لا مفر من قبوله لاستلام الوظيفة، ورغم ترددي وقلقي من هذا الشرط إلا أنني اضطررت لقبوله خوفا من ضياع هذه الوظيفة ومللا من تعطلي طوال الفترة الماضية، بشرت زوجتي وأهلي بالأمر لكنني أخفيت عنهم أمر السيارة والشيكات، بدأت بعد عدة أيام ممارسة العمل بالفعل، وبدأت رحلة الطواف اليومي الشاقة منذ الصباح حتى منتصف الليل تقريبا على الصيدليات والمستشفيات وعيادات الأطباء الخاصة، سار الأمر بشكل طيب في بعض الأماكن وعلى غير ذلك في أماكن أخرى، كانت حصيلة الشهر الأول متواضعة نسبيا لكنها كانت كافية لشراء بعض الهدايا البسيطة لزوجتي ولأفراد الأسرة، اعترضوا جميعا عليها طالبين مني أن أدخر ما أكسبه تحسبا للمستقبل، رفض أبي رفضا تاما أي مشاركة مني في مصاريف البيت، لكنني أجبرت أمي على قبول مبلغ معين مني دون علمه، حذرتها أن عدم قبوله سيسبب لي جرحا نفسيا لا يمكنني تحمله فقبلت على مضض، كنت أحرص تماما على عدم الاقتراب بالسيارة من الحي الذي نسكنه خوفا من اكتشاف أمرها وما قد يثيره وجودها معي من تساؤلات كنت في غنى عنها، سألتني زوجتي في إحدى الليالي:

ـ هل تشعر أنك مرتاح في هذا العمل؟

ـ مرتاح أو غير مرتاح ليس أمامي حاليا غيره.

ـ يجب أن أعرف.

ـ لا بأس به حتى الآن.

ـ وهل تعتقد أنه يمكنك الاستمرار به بصورة دائمة؟

ـ حقيقة لا أعرف .. دعينا الآن من هذا الحديث أنا بحاجة شديدة للنوم.

صمتت لكنني كنت أشعر بعدم ارتياحها، احتضنتها وقبلتها محاولا أن أخرج الأمر من دائرة اهتمامها ولو إلى حين.


"الأسطى" عبد الهادي

تصاعدت وتيرة الأحداث بسرعة غير متوقعة، بدا كما لو أن الشركة بعمالها وموظفيها تشكل عبئا ثقيلا على الدولة، أو أنها السبب في عجز الموازنة العامة وارتفاع نسبة البطالة وزيادة الأسعار كما علق أحد الزملاء ساخرا، تأكد خلال الأيام القليلة الماضية أن هناك بالفعل عرضا وحيدا لا ثاني له لشراء الشركة، لم يكن الأمر تخمينا أو توقعا بل أن الخبر تسرب أولا من داخل الوزارة ثم تأكد بنشره في الصحف القومية والمستقلة، ظهر في الخبر رقم محدد كقيمة مبدئية للعرض، كان الرقم صغيرا من وجهة نظر الكثيرين ولا يتناسب مع قيمة أصول الشركة، علق "الأسطى" حسين قائلا:

ـ هذا الأمر لا يهمني فأنا أرفض البيع مطلقا مهما كانت قيمة العرض.

تباينت ردود فعل باقي الزملاء، أيد بعضهم "الأسطى" حسين في رفض مبدأ البيع من الأساس، بينما وافقت قلة منهم على الأمر طالما كان المقابل مجزيا مع ضمان حقوق العمال والموظفين سواء قرروا البقاء في الشركة بعد بيعها أو التقاعد منها، الوحيد الذي لم يبد رأيه هو الأستاذ محمود، سألته قائلا:

ـ لم نعهدك صامتا يا أستاذ محمود، ماذا يشغلك؟

أجاب بهدوء:

ـ ألم يلحظ أحدكم شيئا هاما؟

صمت الجميع ولم يجيبوا، تابع كلامه:

ـ ألم تلاحظوا أنه لا توجد أي إشارة لهوية صاحب العرض؟

أجبته قائلا:

ـ هذا صحيح.

رد "الأسطى" حسين سريعا:

ـ وهل يهم الأمر؟ أنا أرفض البيع من الأساس فلن يفرق معي أن أعرف هوية صاحب العرض.

ـ لا يغيب عن بالك يا "أسطى" حسين أن هناك جهات بعينها لا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال.

قال وقد تجهمت ملامح وجهه بصورة حادة:

ـ هل تقصد ... ؟

ـ نعم أقصد ذلك بالتحديد، ولعل الأستاذ محمود كان يقصد ذلك أيضا.

ـ نعم هذا ما قصدته يا زملاء.

هاج "الأسطى" حسين وماج وصرخ قائلا:

ـ لن أسمح "لأولاد الكلب" هؤلاء بأن يحلموا بهذا الأمر.

وقفت لأهدأ من ثورة غضبه:

ـ تمهل يا "أسطى" حسين .. نحن نتكهن فقط، ليس الأمر مؤكدا.

ـ وهل ننتظر حتى نراه حقيقة واقعة، لاحظوا أننا نخسر شركتنا يوما بعد يوم ولم نقم حتى الآن بأي أمر جدي لمقاومة هذا الوضع، لقد حان الوقت كي نتحرك.

أيده الأستاذ محمود قائلا:

ـ معك حق، أقترح أن نبدأ إضرابا مفتوحا عن العمل نعلن فيه رفضنا لمبدأ البيع من أساسه.

علقت على اقتراحه قائلا:

ـ أوافق رغم اعتقادي أن هذا لن يوقف عملية البيع، تجارب الشركات الأخرى تؤكد ذلك، لكن لابد من المقاومة حتى اللحظة الأخيرة.

ـ مهما يكن يجب أن نتحرك، يجب أن يعلو صوتنا حتى وإن لم ننجح في إيقاف عملية البيع لسببين رئيسيين.

سأله أحد الزملاء:

ـ وما هما؟

ـ السبب الأول هو منع إتمام البيع لأي جهة غير مرغوب فيها.

ـ والثاني؟

ـ الحصول على أفضل الامتيازات في حالة إتمام عملية البيع بالفعل.

قال "الأسطى" حسين:

ـ رغم أنني أرفض مبدأ البيع بصورة مطلقة كما سبق وأن أوضحت لكم إلا أنه لا مفر من المواجهة، بل إنها قد تكون الوسيلة الوحيدة لإيقاف البيع حتى ولو كان احتمال ذلك ضعيفا.

توجهت إلى باقي الزملاء قائلا:

ـ سنبدأ الإضراب غدا إن شاء الله، ما رأيكم؟

خيم الصمت عليهم فصرخ فيهم "الأسطى" حسين:

ـ مما تخافون؟ تحركوا ولا تكونوا جبناء.

أسرعت بالقول:

ـ دع كل واحد منهم يأخذ قراره بكامل إرادته يا "أسطى"، لا يجب إرغام أحد على المشاركة بدون رغبته.

خاطب أحد الزملاء رفاقه قائلا:

ـ لا مفر فعلا من المواجهة، أنا أوافق على بدء الإضراب غدا.

تتابع أغلبية الزملاء يؤيدون الأمر وقرأ الجميع الفاتحة استعدادا لبدء مرحلة جديدة.


وفاء عبد الهادي

عندما رأيت سامية بعد أيام من ذهابي معها إلى النادي والموقف السخيف الذي تعرضت له هناك كنت متأهبة للتشاجر معها .. لكنني لم أفعل، بدلا من ذلك عاندت نفسي واقتربت منها أكثر من ذي قبل، التصقت بها بصورة لم أصدقها أنا نفسي، صاحبتها في كل لحظات تواجدنا معا بالكلية حتى وإن أبدت هي تأففا من ذلك، أما خارج الكلية .. فحاولت التواجد معها قدر ما سمحت لي به هي، تجاهلت سخريتها اللاذعة مني من حين إلى آخر، تحاملت على نفسي حتى ملت هي فكفت عن ذلك، لكنها ظلت تعاملني معاملة التابع للمتبوع، كان همي الأول أن أحافظ على تواجدي ضمن مجموعتها حتى تحين لي الفرصة المناسبة للانتقام منها، بدأت بعد فترة تثق في ثقة عمياء وتشركني في الكثير من أسرارها وحكاياتها، أشعرني ذلك بالسعادة وأكد لي أنني أسير في الطريق الصحيح.

"الأسطى" عبد الهادي

أراحني قليلا التحاق محمد بالعمل كمندوب مبيعات بإحدى شركات تسويق الأدوية، ورغم يقيني أنه لن يكون أبدا عملا دائما إلا أنها فرصة لا بأس بها لتجاوز الفترة الصعبة التي عاشها هو وزوجته وعشناها معهما، على الجانب الآخر كانت الأوضاع في الشركة تسير في اتجاه التصعيد، فبعد إجماعنا على البدء بإضراب شامل رفضا للبيع، صعد وفد يمثلنا لمقابلة رئيس مجلس الإدارة وإبلاغه بالقرار الذي اتخذه غالبية العمال والموظفين، ضم الوفد "الأسطى" حسين والأستاذ محمود وأصر الاثنان ومعهما عدد كبير من الزملاء أن أكون معهما، تجمهر باقي الزملاء عند مدخل المبنى الذي يقع فيه مكتبه انتظارا لنا، رفض الرجل استقبالنا في أول الأمر وأوعز إلى مكتب السكرتارية أن يتذرع لنا بأي ذريعة لتأجيل المقابلة، هددناهم بأن الإضراب سيبدأ سواء رضي أن يقابلنا أو لم يرضى، زاد الأستاذ محمود على ذلك بأنه سيتم عرض تطورات ما يحدث داخل الشركة على العديد من الجرائد التي ستهتم ولا شك بنشر تلك الأخبار، طلب منا أفراد المكتب الانتظار قليلا ودخلوا إلى مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة، بعد فترة قصيرة خرجوا وأعلمونا أنه قد أنهى أشغاله وهو الآن مستعد لمقابلتنا، استقبلنا الرجل بترحاب مبالغ فيه وبدأ يتحدث عما يبذله داخل الوزارة لضمان حقوق العمال والموظفين، قاطعه الأستاذ محمود قائلا:

ـ نشكر لسعادتك هذا الاهتمام لكننا نود أن يصلك ويصل الوزارة رأي العمال والموظفين الرافض لمبدأ البيع على الإطلاق.

أجاب الرجل سريعا:

ـ أنتم أدرى بما يحدث في العديد من الشركات المماثلة، ليس الأمر قاصرا على هذه الشركة حتى يمكن إيقافه، لا داعي لخوض معركة خاسرة، أنا مستعد أن أساندكم قدر الإمكان في الحفاظ على حقوقكم بعد البيع.

رد "الأسطى" حسين وقد بدأت تظهر على وجهه علامات الانفعال:

ـ نحن نرفض البيع ولا يهمنا ما يحدث للشركات الأخرى ..

قاطعته قائلا وقد أمسكت بيده:

ـ بل يهمنا يا "أسطى" حسين .. لكن ليس هذا هو وقت أو مكان الحديث عن ذلك، لقد جئنا هنا لنبلغ سعادة رئيس مجلس الإدارة بما قرره العمال والموظفون وهو البدء بإضراب شامل عن العمل حتى التراجع عن فكرة البيع.

أجاب رئيس مجلس الإدارة وقد بدأ ينفعل هو الآخر:

ـ هذا جنون، أطلب منكم التراجع فورا عن فكرة الإضراب وسأنقل وجهة نظركم إلى الوزارة.

رد "الأسطى" حسين منفعلا:

ـ وهل نحن صغار لا نستطيع فعل ذلك بأنفسنا؟!

أجابه الرجل:

ـ لا مانع عندي يمكنني تحديد موعد لكم مع الوزير لكي تعرضوا عليه رأيكم بأنفسكم لكن يجب التراجع عن الإضراب أولا.

قال الأستاذ محمود:

ـ الإضراب سيبدأ من الآن، ونحن مستعدون رغم ذلك للذهاب إلى الوزارة إن رغبت سعادتك في ذلك.

خرجنا من عنده دون مزيد من الكلام وأبلغنا باقي الزملاء بما تم وبدأنا الإضراب بالفعل.

بعد عودتي إلى البيت في نهاية يوم حافل كان هناك قرارا قد اتخذته منذ عدة أيام ولم يعد هناك مجال لتأجيل تنفيذه، إخبار زوجتي بحقيقة ما يحدث، كانت ولابد ستعلم بالأمر ومن الأفضل أن تعلم مني، كنت مرهقا للغاية وقد لاحظت هي ذلك على الفور، بادرتني قائلة في انزعاج شديد:

ـ ما بك يا أبو محمد؟

ـ أشعر بإرهاق شديد، نأكل أولا ثم نتحدث.

أكلنا في صمت وهي تمسحني بنظراتها القلقة، لم تطق صبرا حتى نفرغ من تناول الطعام فسألتني:

ـ بالله عليك يا حاج عبد الهادي .. أخبرني ما بك؟ لا تعجبني أحوالك منذ فترة ليست بالقصيرة.

رغم أنني بالفعل كنت قد أديت فريضة الحج منذ عدة سنوات إلا أنها كانت قليلا ما تناديني بهذا اللقب، كانت تفضل أن تناديني "أبو محمد" أو "أسطى" عبد الهادي، لعلها كانت تحرجني كي لا أخفي عنها شيئا، أجبتها في صوت خفيض حرصت ألا يصل إلى سمر أو وفاء في حجرتيهما:

ـ سأقول لك كل شيء بعد أن ندخل إلى حجرتنا، اصبري قليلا فلن أخفي عنك شيئا.

سكتت على مضض، انتهينا من تناول الطعام سريعا وانتقلنا بالفعل إلى حجرتنا، بدأت أسرد عليها بهدوء حقيقة ما يحدث داخل الشركة منذ اللحظة الأولى التي ترددت فيها إشاعة البيع وما تلى ذلك من أحداث وانتهاء بالإضراب الذي بدأناه اليوم، كانت تنصت إلي وعيناها تنبئ عن قلق وتوتر شديدين لكنها لم تصدر صوتا أو تبدي أدنى حركة إلى أن انتهيت تماما من كلامي، ظلت صامتة لفترة ثم قالت:

ـ إيه يا "أبو محمد" .. كل هذا ولم تقل لي شيئا، إنها المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك منذ أن تزوجنا.

ـ لم أعرف كيف أخبرك بالأمر، أشفقت عليك، يكفيك ما أنت فيه من توتر بشأن محمد ووفاء.

ـ وماذا ستفعل الآن؟

ـ لا مفر لنا من خوض المعركة إلى النهاية، أعلم للأسف أننا سنخسرها، قد نخسر معركة إنقاذ الشركة من البيع لكن يجب أن نكسب ما هو أهم من ذلك، تسير الأمور في بلدنا في طريق يسهل التكهن بنهايته، وهي نهاية غير مشرقة بالتأكيد، وعلينا أن نحاول تجنب هذا المصير قدر استطاعتنا.

ـ وماذا بيدك أن تفعله أنت وزملاؤك؟ إذا كنت تعترف بأنكم ستخسرون معركة إنقاذ الشركة فكيف ستكسبون ما هو أكبر من ذلك؟

ـ لا أعلم بالتحديد .. لكن يجب علينا أن نحاول، ألا ترين الوضع الذي يعيشه محمد؟ شاب في مثل تعليمه وثقافته واجتهاده .. ولا أقول ذلك لأنه ابني، هل يرضي أحد الوضع الذي يعيشه هو والآلاف غيره من الشباب؟ ألا ترين أحوال البلد من حولنا؟ غش وفساد وانحطاط متسارع في كل شيء نعرفه أو نسمع عنه.

ـ لا أعرف ماذا أقول لك.

ـ صلي لله أن يكون في عوننا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى