د. خالد شاكر حسين - بلا وداع.. قصة قصيرة

ما عادَ بوسع أبو كريم رفع كفيه عن المِقوَد . . أصابعه تتشبث بالنتوءات المنخفضة حول محيط المِقوَد . . قدمه اليمنى تتقافز كسمكة الشبوط بين دواستي البانزين والكلج . . وأحياناً يحرر يده اليمنى بمشقةٍ بالغة فقط ليغير ناقل الحركة . . كتفاه الضئيلتان مشدودتان نحو بعضهما، غائصتان في المقعد الخشن . . عُنُقَه ينتصب كجذع شجرة السدر . . عنقٌ هزيل وشاحب لكنه منتصب . . عيناه لا تبصران سوى الطريق الممتد أمام زجاج السيارة وأحياناً تنحرفان آلياً نحو الأشكال التي تسير أو تقف الى جانب هذا الطريق . . هذا الطريق . . هذا الطريق يا أبو كريم . . هذا الطريق . . . لا يزال القبر رَطِباً حتماً . . سيارة (السايبا) وهو أصبحا جسداً واحداً منذ ثلاثة أشهر . . طرق الديوانية وأزقتها إتحدت جميعها في دائرةٍ واحدةٍ عملاقة تقطعها عجلات هذه السايبا . . دائرةٍ واحدةٍ يا أبو كريم . . إنشوطةٍ خشنةٍ تلتفُ حول رقبتِك كعقالك الأسود وهو يجثم كالغراب فوق رأسك . .
كالمعتاد يبدأ طريق أبو كريم من شارع الكورنيش مروراً بالجسر الحديدي ثم يتهاوى في شارع المصورين لِيُسلِمَ نفسه بعدئذ لشارع المواكب فيتحول أبو كريم الى مجرد جذعٍ نافق، جذعٍ يطفو فوق أمواج هذا الشارع المزدحم حتى يبلغ نهايته فينعطف نحو ضفة الشارع الأخر المحفوف بباعة الخضار والسمك واللحم . . اللحم يا أبو كريم . . اللحم . . لحم كريم لا يزال طرياً حتماً . . لم يُكمِل الدود بعد مأدُبتِه . . لم يكملها بعد حتماً . . لا زالت بقايا كريم رطبةً حتماً . . حتماً . .
إنحرفت عجلة السايبا قليلاً نحو الرصيف . . ففففففففففف . . "وين . . وين . . عمى حتى عمى" . . فففففففففففففف . . صرخت صافرة شرطي المرور الحادة والنافرة . . "مو إنتَ رجال معكل وأشكبرك" . . إستدار نحوه أبو كريم . . رمقه بعينين جاحظتين . . رطبتين . . متوسلتين . . "ما أدري يا بعد عمك . . والله ما أدري . . إبني كريم دفنته صارله ثلاثة أشهر" . . ضَحِكَ شرطي المرور بطيش وصرخ به . . "إمشي . . إمشي . . العالم وراك تكدست . . إطلع الله يطلع روحك" . . أعادَ أبو كريم مقود السيارة الى اليسار قليلاً وطافَ في النهر من جديد . . جِذعٌ بمقودٍ وعجلات.
كانت سماء تشرين تغص بالغيوم . . يسبح بعضها فوق بعض . . تتراكم تارةً . . وتنقشع تارةً أخرى . . سقطت قطرةٌ كبيرةٌ على الزجاجة الأمامية . . تتبع أبو كريم مسارها وهي تنزلق أمام عينيه . . تدحرجت كرتها قليلاً ثم سالت في أول جُرحٍ إرتسم على الزجاج . . إنهمرت قطراتٌ أخرى . . وأخرى . . وأخرى . . من غيومِ تشرين . . ومن عيني أبو كريم . .
طابورٌ طويل من السيارات إصطفَ على طول شارع المواكب . . الجميع يحاول إصطياد بعض الراكبين . . حشرت إمرأةٌ عجوز رأسها فوق الزجاجة المنخفضة للمقعد الأمامي . . قالت بأنفاسٍ متقطعة: "العروبة . . حجي تروح" . . أومأ إليها أبو كريم برأسه موافقاً . . فتحت الباب الخلفي وألقت بكيسين ثقيلين من الخضار والأسماك الى الداخل ثم ألقت بنفسها متهالكةً على المقعد وكأنها مظليٌ هبط متلفعاً بعباءةٍ سوداء وهو يلهث . . "خوش مطره" . . زفرت العجوز حروف هذه العبارة حرفياً . . هكذا . . "خـ . . خـ. . وش.. . ممط . . ره" . . كانت سيارة أبو كريم عالقة كالحلزون وسط هذا الطابور الزاحف من سيارات الأجرة . . سَمَند . . سايبا . . كيا . . هوندي . . حشدٌ يزحف بعناد على طول ضفتي شارع المواكب . . محركات تهدر بصمت وتزحف صبراً في إنتظار القادم . .
مسحت العجوز بقايا من قطراتٍ سقطت فوق فوطتها السوداء من قماش القطيفة بعد أن أعادت بعض الخصلات الحمراء من شعرها الى مكانها الدافىء تحت تلك الفوطة . . رمقها أبو كريم عبر المرآة الداخلية . . كانت منكبة على الكيسين . . تتفقد بيديها البدينتين ما تسوقته اليوم . . وتتمتم بشفتيها الغليظتين مرددةً أسماء الأشياء . . واحداً . . واحداً . . وكأنها تتفحص قائمة المشتريات في ذاكرتها علها لم تنسَ شيئاً ما: "السبيناغ وآلته، الرارنج، الفجل، الكرفس، الرشاد، الكركم، و. . . و . . أها . . أبو زريده" . . فاحت رائحة أسماك (أبو زريدة) مستقرةً عميقاً بين شعيرات أنف أبو كريم المُستَدِق . . رائحة زنخة . . رائحة . . بلى . . "الكلاب . . الكلاب . . كانوا يرشون جسد كريم . . وليدي كريم . . يرشون جسده برذاذ من العِطر . . يريدون أن يدفنوا رائحته قبل جسده . . الكلاب . . الكلاب" . . صرخ أبو كريم عالياً . . "الكلاب . . الكلاب" . . جَفَلَت العجوز خلفه وصرخت هي الأخرى . . "الخبز . . كيس الخبز . . أين هو . . . توقف.. . نزّلني . . كيس الخبز إختفى . . حجي . . أنزلني" . . ضج فضاء السايبا الضيق بمزيج جاف وغاضب من كلمتين: "كلاب" . . "أنزلني" . . . "كلاب" . . "أنزلني" . . سكنت السايبا في منتصف الشارع . . إستدار أبو كريم نحو العجوز وحَدَّقَ فيها بحنق . . كانت عيناه مخضلتان بالدموع . . صرخ في وجهها: ( يرشون عطر على وليدي . . على كريم . . على كريم".
إستولى الفزع على المرأة . . إلتصقت بمقبض الباب . . إرتعشت شفتيها . . "حجي . . بعد أختك . . أنزلني . . نسيت كيس الخبز . . أنزلني لخاطر الله . . أنزلني . . أنزلني".
إعتدلَ أبو كريم في مقعده . . غَرِقَ فيه . . سَقَطَ فيه . . لم يكن مقعداً بل كان بئراً عميقة . . بئراً غاص في لُجَّتِها . . وضع رأسه على المقود البارد . . غارت كتفاه تماماً . . قبضت أصابعه بشدة على المقود . . لم يُفلِته . . كان يوشك على الغرق . . يتدلى على حافة ذلك البئر . . يُحَدِّق في قاعه المظلم . . يُحَدِّق أكثر . . لا يزال منظر ذلك المُشَمَع عالقاً كالفأس في جذعِ رأسه . . مُشَمَع يلتف حول صدر كريم . . حول ذلك الثقب القاتم والغامض تحت ضلعه الأيسر.
ضَجَّت أبواق السيارات المتراكمة خلف مركبة أبو كريم . . هدرت في نفير جنائزي متقطع ومكتوم . . مَدَ سائق السيارة المحشورة مباشرةً في الخلف عنقه خارجاً وصرخ بصوته الشاب والمليء بالفتوة . . "لعنَ الله والدين من أعطاك إجازة السوق" . . كانت الجادة فارغة تماماً أمام أبو كريم . . منعتقةً كنهرٍ صافٍ يتدفق بصمت . . تمد ذراعيها لأبو كريم . . تتوسله أن يغلق بئر أحزانه ويدعس دواسة الوقود كي يمضي من جديد . . يمضي بمركبته . . يذرعُ شوارعَ الديوانية . . الديوانية التي خلت من كريم . . ولده . . وحيده . . بهجته التي إنطفأت بغتةً . . لكن دون جدوى . . ما بَرِحَ أبو كريم يتدلى من حافة تلك البئر . . غُصنَاً يابساً يتأرجح بين الهاوية وبين هذا المِقوَد . . مِقود السايبا . . طوقُ نجاته اليومي.
لاحَ شرطي المرور مهرولاً من بعيد . . يتلوى كعدّاءٍ بين طابور السيارات المتراكم . . واضعاً يده على قبعته الزرقاء الداكنة . . و صافرته تكاد تتمزق من النفخ والرذاذ المتطاير من فمه . . ففففف . . ففففففففف . . ففففففففففففف . .
ألقى أبو كريم جميع ما تبقى في جسده من رمق على المِقوَد . . إستجمعَ كل ما بوسعه من طيش البقاء وحكمة الله الغامضة . . إستجمعها في يديه . . بين أصابعه . . قبضَ على المقود من جديد . . أدارهُ يميناً . . دَعَسَت قدمه دواسة الوقود ببطئٍ شديد بعد أن ناورت يده اليمنى بمهارة بين تعشيقات ناقل الحركة . . تهادت السايبا بإنصياع وإنسيابية بالغة الى جانب الطريق . . إستقرت أمام البوابة الحديدية القاتمة لمكتبة الإمام الحكيم العامة . . مكتبة عامة محشورة بين جدران الدكاكين والأكشاك وعربات السمك المتنقلة.
هرعَ شابٌ عشريني من خلف بوابة المكتبة . . وقف عن كثب من سيارة أبو كريم بعد أن إنفرجت ساقاه في مثلثٍ عسكريٍ صارم . . قَطَّبّ حاجبيه . . عَدَّلَ من عرقجينه الأبيض فوق رأسه الحليق ورَمَقَ أبو كريم من طرف عينيه الحادتين . . "يا عَم . . يا عَم . . تحرك . . لا تقف . . هذه مكتبة عامة" . . أدار أبو كريم رأسه نحو الشاب في نصف دائرة . . حاول أن يقرأ شفتي الشاب . . دون جدوى . . لم يفهم شيئاً . . تمتم ببضع كلمات . . "ولدي . . كـ . . كريم . . وليدي" . . أَنَّ الباب الخلفي مزمجراً بعد أن رفسته العجوز فَزَعاً بقدميها .. قذفت بنفسها حرفياً الى الرصيف وأرتمت عند قدمي الشاب الملتحي . . "النجده . . أنا مثل خالتك . . أنجدني من هذا المجنون" . . ومَدت ذراعها بتوتر وهي تُشهِرُ سَبَابَتَها نحو أبو كريم.
لَكَمَ شرطي المرور في هذه الأثناء صندوق سيارة أبو كريم بقبضتي يديه . . إتكأ بظهره على الصندوق ريثما يلتقط أنفاسه المتسارعة وهي تتحشرج في صدره كرقاص ساعةٍ صدِئة . . "اليوم . . أأ . . أنعَل . . وا . . واا . . والدين . . والديك . . سمعتني" . . ما بَرِحَ رأس أبو كريم يحدق بدهشة في وجه ذلك الشاب اليافع . . بدا كرأس طائرٍ أضل طريقه . . يحدق بنصف دائرة . . كان بنطال الشاب الرصاصي ضيقٌ جداً على ساقيه المفتولتين . . أما قميصه الأبيض فكان منطفئاً ومزرراً حتى الياقة حول عنقه الغليظة . . جثم الشاب مقرفصاً قرب العجوز وسحبَ العباءة فوق خصلات شعرها الأشيب بعد أن إنزلقت فوطة رأسها الى الوراء . . إحتشدَ بعض المتسوقيين من المارة حول المرأة وهي لا زالت تُشهِرُ سبابتها بين الحين والأخر نحو أبو كريم . . كانت الأصوات تَصِلُ باهتةً الى أُذُنَي أبو كريم . . أصواتٌ بدائية . . همهمات مُبهَمة . . تَقرعُ طبلة أذنيه بحثاً عن معنى . . دون جدوى.
إستدارَ شرطي المرور نحو أرقام السايبا بعد أن إلتقط أنفاسه وراح ينسخ الأرقام واحداً تلو الأخر بعناية مفرطة وهو يضغط بقلمه الجاف الأزرق على صفحةٍ شاحبةٍ في دفتر الغرامات.
"أبو صفارة . . شعندك تصيح مثل الديج . . ععععيععععو . ." . . إنقضَ كهلٌ أربعيني على كتفي شرطي المرور من الخلف فوقع دفتر الغرامات أرضاً وعَلَت ضَحِكَات الحشد المتجمهر حول المرأة العجوز . . إستدارَ نحوه شرطي المرور وأمسك ذلك الكهل من رقبته . . "ولك كاظم الخبل . .ولي من هنا . . ولي" . . زَرَّ كاظم الخبل عينه اليُمنى ومَدَ كفه بخفة نحو شرطي المرور مُحَرِكاً إصبعه الوسطى في الهواء وسط ضحكات الجمهور المحتشد.
كان كاظم يُزرِر بنطاله قريباً من صدره النحيل . . كلُ شيءٍ في وجهه يميل نحو اليسار . . حاجبيه الكثيين . . منخري أنفه الكبير . . فمه الخالي إلا من بعض القواطع . . جُزُر ذقنه الخفيف . . لم يكن وجهه سوى قاربٍ يترنحُ بصخبٍ على جانبه الأيسر وكأنه قارب رامبرانت في عاصفةٍ على بحر الجليل . . جلسَ إلى الأرض محتضناً جهاز تسجيله الصوتي القديم ماركة (سوني) الذي يحمله دائماً على كتفه الأيمن حينما يجول بين أزقة السوق ودرابين صوب الشامية وصوت الشيخ (عبد الباسط) يتهجد خلفه مجوداً ما تيسر له من (سورة الحَشرْ) . . أخذَ يُعَدِل في زوايا شريط تسجيل رمادي حتى يتأكد من إستقراره في فم جهاز التسجيل الأسود.
"عوف الحجي بحاله لخاطر العباس."
صَدَرَت الكلمات من بين أسنان كاظم الخِبِل مشوبة بهدير حنجرته المختنقة . . أدارَ شرطي المرور طرف عينيه الشاحبتين نحوه وصرخَ في وجهه متحدياً:" والعباس . . ما . . أعوفه . . إِرتَحتْ!".
سَاقَت ريحٌ باردة بعض الغيوم فتراكمت بنعومة فوق سماء شارع المواكب وحلقت فوق أسطح المنازل المنخفضة وباحات المدارس الفارغة . . رفع كاظم الخبل ناظريه من على جهاز التسجيل وحَدَقَ في بوابة مكتبة الإمام الحكيم الحديدية القاتمة ثم صرخَ بحنجرته الممزقة وهو يمد ذراعه نحو تلك البوابة الجاثمة عند أعلى الرصيف كماردٍ أسود عملاق . . " عوفه لخاطر السيد . . عوفه".
نهضَ الشاب العشريني بعد أن عَدَّل من عرقجينه حول رأسه تاركاً المرأة العجوز جالسةً عند قدميه . . صَوّبَ عينيه الضيقتين نحو قبعة شرطي المرور الزرقاء . . إلتمعَ المعدن الوسخ لمنقار النسر القابع في جبهة القبعة . . رفعَ الشاب العشريني ناظريه نحو السماء . . كانت الغيوم تهبط بتثاقلٍ فوق الرؤوس . . دمدمَ الرعد بصخب . . تمزقت أحشاء الغيوم دفعةً واحدة . . هطلت مطراً ثقيلاً إفعوانياً يتراشق فوق رؤوس الحشد الهارب . . توارى شرطي المرور بعيداً . . إنسلَ الشاب العشريني خلف بوابة المكتبة الحديدية الملتمعة . . هربَ الجميع . . إنفضَ الحشد . . شارفت الحفلة على نهايتها . . لم يتبقى سوى كاظم الخِبل وأبو كريم.
إنتبه أبو كريم تحت وطأة المطر المنهمر فوق سقف السايبا . . حدقَ في وجه كاظم الخِبل . . كان لا يزال جالساً كراهبٍ بوذي بساقين هزيلتين ومتشابكتين . . أشارَ له أبو كريم بيده . . " إصعد . . إصعد" . . إحتضن كاظم الخِبل جهاز التسجيل ودَلَفَ متقرفصاً إلى جانب أبو كريم . . إنعتقت الدماء بعنف في قدم أبو كريم اليمنى . . كبسَ دواسة الوقود بتهور . . زمجرَ المحرك بتثاقلٍ بالغ . . تهادت عجلات السايبا منزلقةً على إسفلت شارع المواكب المبتل . . حدقَ أبو كريم ساهماً في قطرات المطر وهي تنقر الزجاج بخفةٍ ونعومة . . إنهالت العتمة على جانبي شارع المواكب فجأةً فأضاء مصابيح مركبته.
تأرجحت سُحُب تشرين منقَشِعَةً بخفة فوق سماء الديوانية . . إلتفتَ إلى كاظم الخِبل فوجده منكباً على شريط التسجيل يحاول حشره في فم جهاز التسجيل الأسود دون جدوى . . لم يكن مكترثاً بالمطر . . "أهوووو . . أهوو" . . ألقى منزعجاً بشريط التسجيل إلى الخلف وحشرَ يده الرثة في جيب سترته الداخلي ليُخرِجَ شريطاً أخر . . شريطاً أزرقاً ونظيفاً . . حشره في فم جهاز التسجيل بحذر وضغط أحد الأزرار الغامضة فأنبعثَ صوتٌ رخيم بكلماتِ أغنيةٍ حزينةٍ وقديمة . . أغنيةٍ تتحدث عن الوداع:

"بَلايَه وداع
مثل العود من يذبل
بلايه وداع
مثل الماي من ينشف
بلايه وداع . ."

ما إنفكَ المطر عن التساقط برفقٍ فوق جميع الأرجاء . . ينهمر فوق سايبا أبو كريم . . فوق شارع المواكب . . فوق براري الديوانية الجرداء . . فوق تلك القِباب الذهبية البعيدة . . فوق باحات الأضرحة الباردة . . فوق شواهد القبور المهجورة . . فوق جسد كريم الطري . . كريم الذي توارى هكذا . . بغمضة عين . . بلا وداع . . بلا وداع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى