عامر الطيب - الأمس لم يجيء بعد..

[SIZE=22px]هكذا فكرتُ و أنا أتحسس أنفك[/SIZE]
في الألبوم ،كان ناعماً و متفتحاً كسعادة مدنسة .
لقد أحببتكِ في الدقيقة
التي لم يعد لي فيها مكان في البيت،
في الحياة التي لم تكتب لي،
في المدينة الصامتة كسجين مجهول،
"الأمس لم يجيء بعد"
قلتُ ذلك
دون أن أشعر بحرارة الساعة على يدي :
" إنه الغد الذي مضى" !

أريد أن أطير
لكن حياتي ثقيلة كحجرة تتفتت،
أريد أن أغني
لكن خالي و زوجته يدخلان في الموعد ،
أريد أن أربي طفلاً
لكني أخشى أن أكون أحداً آخر على أية حال،
أريد أن أضع رأسي كله على بطنك فقط
لكنه أمر مظلم و حيواني
أن أحبك بالطريقة التي لا تكفي!

كان أحد الرجال في مدينتي
مولعاً باللهجات
يمازحنا كمصري
و يعاتبنا كيمني
و عندما يقشعر جسده
يبدو عراقياً ،
لهجاته تتكسر بين شفتيه
هو سوري عندما يتعلق الأمر بحياته
الضائعة
و مغربي عندما يحاول أن يشرح لنا
الأمر بسرعة
و على أية حال
فإننا قد شاهدنا الرجل في آخر أيامه
و هو يحتضرُ باللغة الفصحى !

نمنا على سرير مفكك
سعيدين دون أدنى شك،
امرأة و رجل
يستريحان في ظلمة
مفتونين بالطريقة التي تنتهي بها الأسرة .
آه لو كان الحب
هو الذي يشرف على الموت
فنسمع له صوتاً!

الصحفيون ينجبون أولاداً
الفنانون يُرزقون بالفتيات
الشعراء تحدث حياتهم كأسوأ الذكريات،
بيوتهم تمتلئ خواء ،
لهم مشقة جديدة في كل قرن :
بكاءُ مَن مات للتو
على مَن لم يولدْ بعد !

لنفسي و للجميع
أقول :
ليس المهم أن نرحل
أو نبقى
إذ أن كل شيء سيكون موجوداً
فيختفي .
لنفسي و للجميع أقول :
العالم شأن شخصي لكل أحد منا
إء أن كل شيء سيختفي
ثم يبدو موجوداً!

جسدك غريب كسكينة صغيرة
نشق بها علب الحليب
و نحك بها المقابض،
نحفر بها الأرض القريبة
و نعبث بها
بمواقدنا أيضاً.
كان تلك حكايته
ثم عرفتُ الحقيقة وحدي :
الموت مياه بعيدة
وعندما نود أن نعبر فان السكاكين الصغيرة
ستمنحنا سبباً !

أمضيتُ حياتي الأخيرة
مهتماً بدمية ، محاولاً أن أجعلها
تبكي و تئن و ترقص
تأكل و تطير و توبخ
ترفرف على كتفي
و تحبني عوضاً عن كل الذين طردوني .
أمضيتُ حياتي الأخيرةصامتاً
قبالة دميتي
أنا عامر الطيب
الذي ستقول له دميته :
لقد تعلمتَ الغفران الهائل من أجلي!

آه أيها الليل الذي ملأ كل شيء بالماء
الساعات و الدفاتر
و وجوه أحبتنا المشتهاة و غبطة المدن .
آه أيها الموت
الذي يكبر في اللحظة
التي تصمتين بها
في اللحظة أحلم بها بأني محاط
برجال عسكريين
يثبتون لي فماً مكان اليد لأعيش متواطئاً،
حاولتُ أن أقول الحقيقة مراراً
لكن ما أشق الحيلة التي
أضع بها فمي على قلبي ؟!

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى