علجية عيش - الإغتيالات السياسية في زمن النبوّة

(الصحابي رشيد الهجري صلب كما صلب المسيح عيسى عليه السلام)

(هكذا أفتى الأوزاغي بقتل جماعة الوصفاء)


لطالما احتلت فكرة النبوة و الإمامة مكانا رئيسيا في الفكر الإسلامي كانت البداية بالتناظر حول من له للحق في الخلافة بعد موت النبي (صلعم) فيما عرف بواقعة السقيفة، ثم تطورت الأمور و تعقدت أكثر بسبب الصراعات التي دارت بين بني هاشم و بني أمية، لما حضرت الرسول الوفاة و كان في بيته رجال من بينهمو عمر بن الخطاب، فقال الرسول لصحابه : هلمّ أكتب لكم كتاب لن تضلوا بعده، فقال عمر إن النبي قد غلب عليه الوطع و عندكم القرآن حسيبا كتاب الله دجون أن ينتظر ما سيقوله الرسول عن الكتاب الذي كما تقول الطكتابات كان عبارة عن وصية أراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتركها لهم بعد وفاته، و يفهم من هذا، أن عمر بن الخطاب خالف نهج الرسول ، و قد أثارت مقاطعة عمر للرسول غضب أهل البيت فاختلفوا معه و اختصموا، تقول الكتابات أن منهم من وافق مطلب الرسول و هم أهل البيت، و منهم من خالفوه و وقفوا إلى جانب عمر، فلمّا أكثروا اللغو في حضرة الرسول قال لهم الرسول صلى لله و على آله و سلم " قومو".

من خلال الشرح الذي تقدم به السيد علي الأمين في كتابه : "الشيعة و السنة أمة واحدة" فإن الكتاب الذي طلب الرسول كتابته، كان كتابا تأسيسيا يؤسس فيه لمرحلة جديدة في حياة الأمّة، و قد يكون وصية لتعيين علي بن ابي طالب خليفة له، و إسناد القيادة له من بعده، فقد كان الرسول يخاكب علي بن ابي طالب بالعبارة التالية: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، و لذلك لمّا أدرك عمر بن الخطاب و كان هذا الأخير يتسم بالذكاء و الفطنة، أن الرسول سيكتب كتابا، سارع إلى مقاطعة الرسول قبل أن ينهي كلامه، خاصة و أن هذا الكتاب يتوقف على إنقاذ الأمة من المآسي و الويلات، و رغم أن الصحابة كانوا ملزمون بطاعة الرسول بعدما بايعوه تحت الشجرة، لكن علي كان يردد دوما أن المهم عنده وحدة المسلمين و سلامة أمورهم، ولعل هي الأسباب التي أدت إلى تراجع ابو بكر عن موقفه عندما قال : نحن الأمراء و أنتم الوزراء، و اعترف في أواخر أيامه كما جاء عند اليعقوبي و المسعودي بأن ما جرى في السقيفة ليس فيه شيئ من الشورى،، أي كان عليه أن يستشير أهل البيت في مسألة الخلافة لأنهم الأقرب إلى الرسول (ص) ، خاصة و أن مجموعة نخبوية كانت مقربة من الرسول ، وقفت إلى جانب أهل البيت من أمثال سلمان الفارسي، ابو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، المقداد بن عمرو ، الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله.

من هنا بدأت الحرب على أهل البيت، فهذا الشيخ الألباني وقف موقفا عدائيا لأهل البيت، حيث صرح و أكد أن الإمام علي بن ابي طالب ليس إماما و لا هو من أئمة المسلمين، لكن العرف خصه بهذه اللفظة "الإمام" و وصف هذا العرف بالبدعة، و كان يقصد بالعرف الشيعة، و قال الألباني من الخطأ أن نذكر عليًّا بلفظة الإمام، و أكد أن تعبير الإمام هو تعبير شيعي و وجب على المسلمين أن يحفظوا ألسنتهم منه، و يبدوا أن هذا التصريح الضمني و الشكلي هو قمة التعصب لأهل البيت، حتى لا يقال أنه تحامل عليهم، خاصة و أن التاريخ الإسلامي كشف عن أحداث كثيرة وقعت بسبب الخلافات التي أدت إلى سفك الدماء بين المسلمين فيما عرف بالإغتيالات السياسية في زمن النبوة، كان أول شهيد في الإسلام من شيعة أهل البيت و يدعى رشيد الهجري، و قد تم صلبه على باب جامع الكوفة و على إثر استشهاده صارت الكوفة بؤرة للثورات قادتها جماعة لقبت بـ: "الوصفاء" ، و من هنا بدأ الجدل يدور حول قضية الصّلب، و لماذا انتهج المسلمون نهج اليهود عندما صلبوا سيدنا عيسى عليه السلام، و غلب طابع الحياة الجاهلية على البصرة و الكوفة و ساعد على التمرد و العصيان.

ما تردده الروايات أن والي الكوفة اشتهر بالعنف و التطرف، فقد قتل غيلان الدمشقي الذي قال بحرية الإنسان، ثم قتل جماعة "الوصفاء"، لأن خطيبها و اسمه بيان بن سمعان التميمي قام بتاويل القرآن و كان أول من يؤول القرآن في الكوفة، كما كان على اطلاع كبير بالإنجيل، و قد نشر خبر تأويله القرآن أسقف العرب و اسمه جرجس، كان هذا الأخير أول من ترجم الإنجيل إلى العربية، عن هذه الجماعة لا توجد شروحات كافية حول التعريف بجماعة الوصفاء، و قد بحثت في محرك البحث قوقل، فلم أعثر عليها، و كانت النتائج التي أوردها محرك البحث تتحدث عن جماعة "إخوان الصفاء" و لعل المراد بجماعة الوصفاء هم جماعة إخوان الصفاء و خلان الوفاء، الذين أوّلوا القرآن، لكن ما يهم هنا هو أن عملية الإغتيال تمت بفتوى من الإمام الأوزاغي، و هنا قد يطرح القارئ العاقل و المتأمل السؤال التالي: لماذا لم يلغ الشيخ الألباني لفظة الإمام على من أفتى بقتل هذه الجماعة (أي الأوزاغي) و أمر بإلغاء لفظ الإمام على سيدنا علي بن ابي طالب، تشير كثير من الكتابات أن أسباب هذه الإغتيالات كانت سياسية لكن تحت غطاء ديني، ما يمكن الإشارة إليه هو أن الإغتيالات السياسية في عهد النبوة لم تطل أهل البيت وحدهم بل مست الخلفاء الراشدين، كمقتل عثمان بن عفان الذي اختار منهجا في إدارة الحكم و التسيير مختلفا عن منهج عمربن الخطاب كون هذا الأخير عرف بالغلظة و الشدة ، و في عهده ظهرت العصبية القبلية، و الدليل ما حدث في موقعة القادسية.

فقد انتهج عثمان بن عفان سياسة جديدة تختلف عن سياسة عمر بن الخطاب، خاصة ما تعلق بالحرية التجارية لأصحاب رؤوس الأموال، ففي عهده تكونت طبقة من الأرستقراطية على حساب الضعفاء، ممّا أدى إلى انفجار عنيف جعل الناس يفقدون ثقتهم في عثمان لعدم قدرته على السيطرة على أمور الدولة و تركها لبني امية يعبثون بها، ناهيك عن قضية نسخ القرآن التي كانت أحد ثورة أهل الكوفة و البصرة على عثمان، فقد اتسمت هذه المرحلة بأحداث عنيفة فيما أطلق عليها اسم " الفتنة الكبرى" التي انتهت بمقتل عثمان بن عفان، مرحلة صار فيها السيف هو الفصل في الحكم أخذ فيه الصراع بين علي و معاوية ، حيث اتهم هذا الأخيرة علي بن ابي طالب بأنه تهاون في الدفاع عن عثمان و قد أجبر علي على الخروج إلى العراق التي شهدت أحداثا دموية، قتل فيها طلحة و الزبير و معهم 13 ألفا فيما عرفت بموقعة الجمل، و رغم خروج علي إلى الشام ، فقد ظل أهل الكوفة موالين لعلي و هم من عرفوا بعد ذلك بشيعة علي، و قد ثاروا لحادثة مقتله على يد الخوارج عام 40 هجرية 661 للميلاد.

و قد توالت الإغتيالات إلى أن طالت مقتل الحسين بن علي بن ابي طالب حفيد الرسول و قرة عينه، على يد يزيد بن معاوية عندما جاء إلى الكوفة و بتشجيع من عبد الله ابن الزبير رغم تحذير أهل بيته من ابناء عمومته و اصحابه و منهم عمر بن الجن بن الحارث و ابن عباس حسبما جاء عن الطبري فكان مقتله في منطقة كربلاء بعدما التقى بجيش عبيد الله بن زياد بوادي السباع ، كان ذلك عام 61هجرية 680 م، و أخذت بنات الحسين و بنات علي سبايا إلى يزيد ين معاوية و هن بنات ابنة النبي ( ص) فاطمة الزهراء سلام الله عليها، تقول الكتابات أنه لما تولى الخلافة المتوكل على الله خالف سياسة ابيه و عمه، فاختار جحماعة السُنّة ، و أمر بهدم قبر الحسين بن علي بن ابي طالب و ما حوله من الدور، و أن يحرث و يبذر موضع قبره و منع الناس من زيارته ، و حاول أن ينهي الوجود العلوي من كل الأمصار، إن النتائج التي ترتبت عليها موقعة كربلاء هي تحول الحزب الشيعي من العمل السري إلى المجاهرة و المعارضة تمثلت ردة الفعل هذه في حركة " التوابين" بزعامة المختار بن ابي عبيد الله الثقفي أول زعيم حقيقي للعلويين في الكوفة و هو أول من أعلن الثورة على بني أميّة، و يعد الثقفي من اقدم أنصار علي بن ابي طالب.

لم تقف مصائب المسلمين عند مقتل الحسين و من معه بل حدثت حادثة هي أشنع و أعنف و هي انتهاك حرمة مدينة الرسول و مهبط الوحي ( طيبة) ، فمنها خرجت ثورة الحسين بعد مقتله قبل أن تنتقل إلى مكة للدفاع عنها و مواجهة الأمويين الذين رموها بالمنجنيق، كما أن الثورة لم تنته بين العلويين و الأمويين حتى انطلقت ثورة أخرى بين أهل علي و أهل العباس، الذي هو ابن عم الرسول (ص) و إليه ينتسب العباسيون و قد جهروا بالخلافة لأنفسهم، و حولوها الى خلافة سنية، كانت النتيجة القتل و التشريد و الهروب من بطش العباسيين، و كانت وجهة العلويين إلى افريقيا فأسسوا بها دولا علوية كالدولة الفاطمية و دولة الأدارسة، من هذا المنطلق يمكن القول ان الصراع بين المسلمين كان سياسيا من أجل السلطة و لكن تحت غطاء ديني، قد يسأل سائل لماذا كانت العراق مهد الشيعة؟ الجواب لأن علي بن ابي طالب اقام في العراق مدة خلافته، و ايدوه و رفظوا مبايعة معاوية بن ابي سفيان و أن يكون خليفتهم ثم أن العراق كانت مزيجا من الحضارات القديمة و فيها نبتت أكثر الفرق الإسلامية.

علجية عيش

للمقال مراجع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى