د. محمد سعيد شحاتة - رسالة امرئ القيس في عيد وفاته.. المقطع الأول: (أوراق متناثرة)

المقطع الأول: (أوراق متناثرة..)


الريح ثانيةً تبعثر في الفضاء الرحب أوراقك
وتعود تبحث عن خطاك
وعن فلول القافلة
يا ذلك الأبدي يضرب في البراري
يستظل بغيمة في الأفق يحدوها الصدأ
ويعبِّدُ الأرض الحزينة
في انتظار الماء يأتي
ينتهي حيث ابتدأ
دع عنك أطواقكْ
ها أنت تجلس عاريًا
تستقبل الآتين من عمق التواريخ
التي نسجت حروف الأبجديةْ
وتمدُّ عينك في حياء
سقطت قلاعك كلها
قد صار لحمُكَ باردًا ومقدَّدا
فاركض هنالك في العراء
وارقد هنالك في العراء
- أين الطريق إلى النجوم الآفلةْ
القلب مسكون بآلاف من الأشباح
قد جفّت مدامعنا
وكل قلاعنا خرّت أمام الريح ساجدةً
وسيف الموت فوق رقابنا يضوي
وخلف الباب بعضُ حراب
"غير مجدٍ في ملتي واعتقادي
نوحُ باكٍ ولا ترنّمُ شاد
وشبيهٌ صوتُ النعيِّ إذا قيس
بصوت البشير في كل ناد
أبكتْ تلكم الحمامة أم غنّت
على فرع غصنها الميّاد"
يا باكيًا عينَ المها
نفت العقولُ محلها
وطيورها وطلولها
بين الدخول وحومل
سقطت هنالك أرحلي
وتساقطت تحت السنابك أعينٌ
فمضت بآثار الغرام الأولِ
اليوم أمرٌ
لم تعد خمرٌ تواسيني
وتُنسيني مضاربَ والدي
اليوم أمر
وغدا أفتِّشُ عن بقايا العشق
عن ترنيمةٍ سكنتْ نشيدي
مذ خطوتُ :
الأرضُ عِرْضٌ
دونه روحٌ تعانق أضلعي
مهلا أفاطمُ
ضاع كلّ تدلُّلي
- احفر صخور الأرض علَّكَ تستجيرُ بذرّةٍ
تحكي تواريخ الألى ومضوا كلمحة بارقٍ
- تلك الرمالُ مُبلَّلةْ
فانثرْ لآلي القلب
علَّكَ تحتمي ببريق أنسجة العيونِ
وما تيسّرَ من غصونٍ ذابلةْ .
أمُّ السُّليْك تعانقُ الأشجارَ
تستجدي الصخورَ
تباغتُ الليلَ الخؤونَ بسرِّها
فلعلّ أنفاسَ السُّليْك
تُعطّرُ العينَ التي جادت بوابل دمعها
أسليْكُ أين الآن أنت ؟!
"أمريضٌ لم تعدْ. أم عدوٌّ ختلكْ
أم تولّى بكَ ما غال في الدهر السَّلَك"
أسليْكُ أين الآن أنت ؟!
للنار رائحةُ التشفِّي من مواجعنا
ولليمِّ انتظارُ الموج في لهفٍ
وللقلب احتراقٌ كالهشيم تشبُّ فيه النارُ
تُفْنيه وتُبقيه رمادًا
ثم تذروه الرياح
أبنيّ تلك قِبابُنا تهوى عيونَكْ
تشتاق في لهفٍ إلى قطرات ماءٍ لاذعٍ
تركت جبينَكْ
فاستقبلتها الأرضُ حانيةً عليك
أسليك أين الآن أنت
بي ما بكل الأمِّ من عشقٍ
تعانق طيفَ عاشقها الوحيد
ستقول ألسنة القبيلة إنك البطل الوحيد
الفارسُ المغوارُ في الزمن العنيد
تلك الذرى حفظت عيونك
لملمت أشلاءَ سيفك حين حاصرك العبيد
يا أيها الماضون بين شعاب تلك البيد رفقا
قد سار فوق أديمها
ولعله الآن استقرَّ بجوفها
"خفّف الوطء ما أظنّ أديم
الأرض إلا من هذه الأجساد
سرْ إن استطعتَ في الهواء رويدًا
لا اختيالا على رفات العباد
إن حزنا في ساعة الموت أضعافُ
سرورٍ في ساعة الميلاد"
ها أنتِ أيتها الصحاري اليوم
تبتلعين سيدك المبجّلْ
"طاف يبغي نجوةً. من هلاكٍ فهلكْ"
أبنيّ إن الجائعين تجمّعوا في الشِّعْبِ
ينتظرون إشراقكْ
أسليكُ أين الآن أنت
آهٍ سُليْك
آهٍ بُنيّ
الريحُ ثانيةً تُبعثرُ في الفضاء الرحب أوراقكْ
ها أنت تجلس في انتظار المدِّ يأتي
تستقبل الآتين من شرق البلاد وغربها
وتبثّهم في الجهر أشواقكْ
لتصيرَ ذكرى للعجائز في ليالي الصيف
حول المواقد تُعْقدُ الندواتُ
ينتدبون أسراركْ



—————-—
ديوان: الفارس يترجل




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى