علي خليفة - شخصية المجنون في مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي ومسرحية ليلى والمجنون لصلاح عبد الصبور

قصة مجنون ليلى - أو قيس بن الملوح - في عشقه لليلى العامرية من أشهر قصص الحب العذري عند العرب، وقد ذكر الأصفهاني في كتاب الأغاني أخبارا كثيرة عن قصة الحب هذه، وقال: إن الأخبار عنها يناقض بعضها بعضا، ولهذا تبرأ من العهدة فيها.
وبعض النقاد جزموا بأن شخصية قيس بن الملوح وحبيبته ليلى من صنع الرواة، وأنه لا وجود حقيقي لهما، وفي اعتقادي أن هذه القصة إما أنها تعبر عن واقع حدث بالفعل في نجد في العصر الأموي، أو أنها تعطينا صورة من صور العشق كما كان في البيئات البدوية في نجد في ذلك العصر.
ونلاحظ أن هناك خطوط تشابه واضحة في أكثر قصص الحب العذري التي رواها الرواة، ونسبوها لعشاق عاشوا في العصر الأموي، وتتلخص هذه الخطوط في نشأة العاشقين في مكان واحد، وبزوغ جذوة الحب بينهما منذ الصغر، ويقول العاشق الشاعر في محبوبته شعرا، ويذكر فيه أمورا تعد تجاوزا منه، ويعد بذلك قد شبب بها، وتكون هذه سقطته التي تحول بينه وبين الزواج منها، فيرفض أهل تلك المعشوقة زواج ذلك العاشق من ابنتهم؛ مراعاة للتقاليد البدوية في عدم تزويج ذلك العاشق بمن شبب بها؛ حتى لا يشيع القول بعد ذلك أن زواجه بها قد تم لستر فضيحة حدثت بينهما.
ويتألم العاشقان لهذا الفراق، وتموت المعشوقة، ويبقى العاشق قريبا من قبرها منتظرا أن يموت هو الآخر ليدفن بجوار قبرها، وبهذا يكون الموت هو الذي قرب بينهما إذ استحال التقريب بينهما حال عيشهما.
ونرى في قصة مجنون ليلى كل هذه الخطوط حاضرة، فهي النموذج الأهم في قصص الحب العذري، ولا شك أن الرواة الذين صاغوا قصص حب عذري ونسبوها لبيئة نجد في العصر الأموي قد حاكوا الخطوط العامة لقصة مجنون ليلى.
أما عن شخصية قيس بن الملوح أو مجنون ليلى في مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي فهو شاعر ممتلئ قلبه حبا بليلى، ولا يرى للكون جمالا إلا بها، ولذلك يقول:
إذا ذكر اسم ليلى ثبت من خبلي وثاب ما صرعت مني العناقيد
كسا النداء اسمها حسنا وحببه = حتى كأن اسمها البشرى أو العيد
والحياة كلها تتركز عند قيس في هذه المسرحية في حبه لليلى حتى إنه من شدة حبه لها نراه يفقد الوعي أحيانا، وأحيانا يصيبه مس من الجنون، وقد حاول أهله شفاءه من هذا المس الذي جاءه من الحب، فذهبوا به عند الكعبة، وهناك نرى قيس يدعو الله أن يستمر حبه لليلى حتى لو كان في هذا الحب استمرار خبله وجنونه، وفي هذا يقول شخص كان مع أهل قيس، وهم يذهبون به للكعبة:
لقد سقناه بالأمس. = فحج الكعبة الغرا
فلما لمس الركنا = ومسته يده السترا
وقلنا الآن من ليلى = ومن فتنتها يبرا
رأيناه يناجي الله. = من ساحته الكبرى
ومما قاله في دعائه لربه في هذا المقام:
فهات الضر إن كان = هوى ليلى هو الضر
وحين يتقدم قيس لليلى طالبا الزواج منها في هذه المسرحية - يرفضه أهلها؛ لأنه شبب بها في شعره، خاصة ما ذكره عنها في ليلة الغيل، وحاول قيس أن يوضح لأهل ليلى أن ما ذكره عن ليلى في ليلة الغيل أو غير ذلك من شعره ليس فيه تجاوز منه في حقها، ولكن أهلها صموا آذانهم عنه، وشكوه للخليفة الأموي، فأهدر دمه.
وتزيد الأمور سوءا على قيس في هذه المسرحية في أن ترفض وساطة ابن عوف أمين الصدقات له عند أهل ليلى، بل إن ليلى نفسها قد ذكرت أمام ابن عوف رفضها له مراعاة لتقاليد البادية حيث إنه قد شبب بها.
وتتزوج ليلى ورد من قبيلة ثقيف، وترحل معه، ويزداد حال قيس سوءا، ويفزع من البشر، ويرى سلوته في العيش في الصحاري حيث الفضاء الواسع، وحيث حيوانات الصحراء التي لا يفرق بين العاشقين فيها أحد بخلاف حال البشر الذين يكثر منهم من يفرقون بين العاشقين، ويقطعون سبل التواصل بينهم.
ويبقى قيس على حاله أقرب للمجنون منه للعاقل، وحين تموت ليلى يبقى بجوار قبرها ينتظر موته؛ لأن حياته لا قيمة لها بعد موت ليلى، ويوصي من حوله بأن يدفنوه عند موته في قبر قريب من قبر ليلى، وتحقق له هذه الرغبة بعد موته.
والحقيقة أن شخصية قيس تفتقد القدرة على الفعل، فهو لا يقاتل منافسيه ولا يصارعهم، بل يقاتلهم ويصارعهم عنه آخرون مثل صاحبه زياد.
وكذلك نرى قيس في هذه المسرحية لا يسعى لأهل ليلى بنفسه ليخطبها منهم، بل يتوسط له غيره في ذلك.
ويضاف لهذا أن قيس- في هذه المسرحية- سريع الإغماء، وكثيرا ما تنتابه نوبات من الجنون وفقدان الوعي حين يتألم من بعد ليلى عنه، ولا يفعل شيئا غير ذلك، وبهذا فهو ليس لديه القدرة على الفعل، وهو منهزم بسبب رفض ليلى وأهلها له، وإن كانت ليلى قد ندمت على هذا الرفض بعد ذلك، وعانت معاناة شديدة بسبب ذلك.
وأغلب الظن أن قيس لن يتعاطف معه كثير من الجمهور وهو بهذا الوهن وعدم القدرة على الفعل.
أما عن المجنون في مسرحية ليلى والمجنون لصلاح عبد الصبور- وهو سعيد - فإنه عاشق معاصر، وقد أحب زميلته في العمل بإحدى الجرائد في مصر قبيل ثورة يوليو واسمها ليلى.
وسعيد في هذه المسرحية يحب هو الآخر ليلى حبا عذريا، ومثل معها ومع بعض رفاق لهما في هذه الجريدة أجزاء من مسرحبة مجنون ليلى لشوقي، وقام هو بدور قيس، وقامت هي بدور لبلى.
وسعيد في هذه المسرحية يصاب هو الآخر بنوبات من الإغماء، ولكن إغماءه ليس بسبب حبه لليلى، ولكن بسبب شعوره بالانهزام نتيجة حصار تذكارات الماضي المؤلم البائس له، وأيضا بسبب شعوره بأنه عاجز عن الفعل، وأنه لا يملك عبر شعره الذي يراه غير كاف لمواجهة المصاعب في عصره؛ ولهذا نراه خلال مونولوجاته الطويلة يعبر عن عجزه، وانتظاره للآتي في المستقبل الذي يحمل مع القلم سيفا.
ونرى ليلى تيأس سريعا من انهزام قيس، وتتركه رغم حبها له، وتسلم جسدها في ليلة لحسام، وتتحدث بانتشاء عن هذه الليلة، وإن كانت قد عبرت عن ندمها منها بعد ذلك.
وحين يعرف سعيد أن ليلى سلمت جسدها لحسام يقترب منها، ويرغب في قتل حسام، لا سيما أنه عرف في الوقت نفسه أنه كان جاسوسا عليه وعلى باقي زملائه في تلك الجريدة التي يعملون فيها، ولكنه لا ينجح في قتله، ويحكم عليه بالسجن.
ومن الغريب في هذه المسرحية أن سعيد كان يقوم بصد ليلى أو إظهار ضعفه وعدم قدرته على مبادلتها للحب بسبب شعوره بالعجز والانكسار، في حين أنه حين علم بأن ليلى سلمت جسدها لحسام رغب فيها، وحاول النيل من حسام، وبالطبع هذا غير مقنع؛ لأن ليلى سلمت حسام جسدها برغبتها، وكانت تشعر بالمتعة من وراء ذلك، وإن كانت ندمت على ذلك فيما بعد.
ونرى أن قيس وسعيد يتشابهان في الشعور بالعجز وعدم القدرة على الفعل، وتصيبهما إغماءات نتيجة عجزهما عن التفاعل مع الأحداث التي تحدث لهما؛ ولا شك أنهما بهذا يفقدان تعاطف المشاهد لهما في هاتين المسرحيتين.
ويضاف لشخصية سعيد في مسرحية ليلى والمجنون أنه لا يكتفي بالشعور بعجزه، بل إنه يعبر كثيرا عن انتظاره للمخلص الذي يحمل سيفا مع القلم، ولعله بهذا يشير لثورة يوليو التي أتت بعد أحداث هذه المسرحية، وغيرت كثيرا في واقع الناس آنذاك.


علي خليفة





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى