دارا عبدالله - هابرماس رافضاً "جائزة الشيخ زايد": العقلانية قبل القوّة

في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، عرضت لجنة "جائزة الشيخ زايد للكتاب" منْحَ جائزة "شخصية العام الثقافية" إلى الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، والذي قبلها مبدئيًا آنذاك. اليوم صباحًا، نشرت مجلّة "دير شبيغل" الألمانية رسالة من هابرماس نفسه، يعلن فيها رفضه الجائزة، وليس انسحابه منها فحسب، ويعترف بخطأ قبوله مبدئياً لها.

يُعتبَر صاحب نظرية "المجتمع التواصلي" الوجه الأبرز من وجوه الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت الفلسفيّة. وإن كان أدورنو وهوركهايمر من مؤسّسي المدرسة وروّاد الجيل الأوّل، فإنّ هابرماس عمّق "النظرية النقديّة" في الجيل الثاني. والآن يكمل أكسيل هونيث (مواليد 1949)، صاحب نظريّة الاعتراف الاجتماعية، طريق الجيل الثالث. ولا شكّ أن هابرماس يحتلّ مكانة فلسفيّة مرموقة في ألمانيا والعالم.

"جائزة الشيخ زايد للكتاب" هي واحدةٌ من أكثر الجوائز الماديّة ربحًا، ربما على مستوى العالم، إذْ تبلغ قيمة جائزة الفرع الذي رفض قبوله الفيلسوف الألماني قرابة ربع مليون دولار. راعيها الفعليّ هو محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة. ما حصل هو أن هابرماس قرأ مقالاً عن الإمارات في مجلّة "دير شبيغل" اليوم الأحد صباحًا، وقرّر بعدها فورًا رفض الجائزة. أرسل الفيلسوف الألماني رسالة من خلال دار نشر "زوركامب" (Suhrkamp) الألمانيّة المشهورة، وبدأها: "كنتُ قد أبديت استعدادًا لقبول جائزة الشيخ زايد للكتاب هذا العام. لقد كان هذا قرارًا خاطئًا، وأنا هنا لتصحيح الأمر".

بعد الاعتراف بالخطأ، يعطي مؤسّس نظرية الترجمة أسبابه رفض الجائزة بقوله: "لم يكن فهمي كافياً للصلة الوثيقة للغاية بين الجهة التي تمنح هذه الجائزة، والنظام السياسي القائم". يفصّل بعدها موقفه السياسي والأخلاقي بشكل أدقّ: "في الاختيار بين العقلانية والقوة. عادةً، القوّة تفوز وتحقّق نتائج على المدى القصير. ولكنْ، على المدى الطويل، لا أؤمن سوى بالقوة العقلانية للكلمة النقديّة، شرط أن تظهر بحرّيّة في المجال السياسي العام"، في نقد حاد للنظام السياسي الإماراتي. في نظريّته حول السياسة، يركّز هابرماس على أنّ العقلانيّة تأتي قبل القوّة، وخصوصًا في سياق نقاشه فكرة "حالة الاستثناء" لكارل شميت.

ولي عهد أبوظبي شخصيًا كان قد هنّأ هابرماس بالجائزة بشكل استباقي، وأشار محمد بن زايد في كلامه إلى "الحبّ والتسامح والحوار بين الشعوب". لم يحسب محمد بن زايد، الذي يظنّ أنّ المال "يقول له كن فيكون"، أنّ هابرماس سيرفضها. إذْ كان حفل التسليم قد تقرّر فعليًّا في معرض أبو ظبي للكتاب في 24 مايو/أيار الجاري.

في اعترافه بالخطأ، يقول هابرماس بشفافية بأنّ معلوماته جاءت من يورغن روس، وهو مدير "معرض فرانكفورت الدولي للكتاب". علمًا أن عمر هابرماس الآن هو 91 عامًا، وهو غير قادر على متابعة كلّ ما يجري في العالَم. ثم يكتب مازحًا: "لم أجد ذبابة في الشوربة... خصوصًا عندما رأيت أسماء آخرَ أربعةٍ فائزين". هذا ليس فقط رفضًا للجائزة، بل نكزة إلى مَن يقبلونها.

في آخر رسالته، يلتفت هابرماس إلى قرّائه في العالم العربي: "أؤمن بقوّة الكلمة... وكتبي التي ترجمت إلى اللغة العربية تكفيني...".



1621725881022.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى