د. سيد شعبان - الحمار الوديع..

تلك الحكاية لم تسمعوا بها من قبل، ربما لم يحن بعد أوانها أو لعل الساحر الذي جاء قريتنا لم يترك لأحد مفتاح السر لهؤلاء الذين ابتلوا بضعف الذاكرة جراء العيش في أبنية عتيقة تاهت عنها الشمس، على أية حال حين نمت مبكرا كان الليل كافيا لكي تتسرب الحكاية إلى فراشي الذي تكدست فوقه أغطية الشتاء، مثل لي حمارنا الأبيض- مات منذ ما يقارب أربعين عاما-كائنا غريبا، تعلوه برذعة ذهبية وفي رجله الخامسة هاتف نقال، هذا شيء لن تصدقوه، لايتوقف عن إرسال موجات وإشارات، في المرة الأولى اعتقدت أنه حمار آلي، ثم بعد لحظات لا أصدق أنها تقارب أعواما، يجري ويتراقص في شوارع كفرنا، لقد كسر القواعد التي حرص جدي على أن تسري في الأجيال التالية. عقد صداقات مع جموع الحمير، ثمة أتان غجرية حلا في عينيها نصبت حوله شباك الخديعة.
تتمايل أذناه يمنة ويسارا، حين التهم نصف إردب فول من جرن دار شعلة أصبح نهيقه يملأ كفرنا، تسرب إليه الغرور بأن صوته يفوق فيروز روعة وجمالا، كلما نهق تراقصت الأتان الغجرية، في ليلة شاتية وراء شجرة الجميز العجوز نزى عليها، بعد عام تقريبا أنجبت توءما بذيل قصير لكن لديه رأس حصان، شعره أصفر وعيناه زرقاء.
الأتان العجوز اكتسبت حكمة، حذرته من ذئب يسكن ساقية الأفندي، لم يعرها اهتماما؛ ظنها مصابة بالخرف، كلما مر بتلك الساقية يعلو نهيقه ويصعد فوق مدارها، لم يكتف بهذا بل يضرب الأرض بقوائمه الخمسة.
وقع الهاتف النقال، لم يتوقف ليلة كاملة عن إصدار نغمات الزعيق، بلغ الضجر بذئب المغارة حدا لايمكن تخيله.
حين انتصفت الليلة التالية تسور الحائط الغربي، افترس الحملان كانت الكلاب نائمة أو لعل وليمة العظم الملقى جوار النهر أتخمتها.
تبقى من هذه الحكاية جزء لا أجد وقتا لكي أقصه عليكم إذ هربت أتانه ليلة العيد.
قيل إنها تركب قطار العصاري وتدلف إلى محلات الأزياء العصرية، استلبت تجار دسوق واحدا منها، ذلك الثوب مخملي وبه شراشيف ذات زهور.
أنشد حمار عمدة شباس قصيدة غزل في محاسنها، كلما مر قطار نبحت وراءه كلاب السكك.
تداولت بقية الحمير ما حدث، عراك ورفس ونهيق، رأي: أن يغرقوها في النهر وثان: يلقون بها في بئر ساقية المقطع؛ لتكون وليمة لملك الجن الأحمر.
لك أن تتخيل ما انتهى إليه ذلك الاجتماع، انفض ولم يستقروا على عقوبة تنالها الأتان النافرة.
بقي حمارنا الأبيض وحيدا، تسلل من الحظيرة، رضي أن يتقاسمها مع الحمار الأسود، ومن يومها لم تعد له وظيفة غير الرقص والحنجلة كلما خطرت أمامه.
جاءوا بها مقيدة في حبل، لما رآها جدي قرر أن يبيعها، تبادر غجر دسوق؛ فالمولد على الأبواب ستكون فرصة لأن تروى عنها حكايات وأساطير ومن ثم تمتليء خزانتهم.

د. سيد شعبان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى