أمل محمد منشاوي - الأستاذ...

تشرق الشمس كعادتها كل صباح من بين أوراق أشجار حديقة جاري الذي يتفنن في إيذائي _ دون قصد_ لكنه ما زال يبجلني
يرسل لي كل يوم يطلب مني التنازل عن بيتي العتيق الملاصق لسور حديقته، يقول أنه يخشى أن ينهدم فوق رأسي، هو يحبني .. لا أشك في ذلك، ولكن في الحقيقة أنا لا أعلم كيف سمح لسور حديقته أن يلاصق جدران بيتي! بل أن جدار بيتي أصبح جزء من سور حديقته!.
لا أهتم لرسائله، ولا أهتم لتلميحاته، ولا أهتم لذلك السور الذي أصبح جدار بيتي جزء منه، كل ما أهتم له هو ذلك الولد الذي لا يقف لي احتراما عند دخولي إلى الفصل، في البداية ظننت أن الولد قعيد لا يستطيع الوقوف، ولكن نظرته المستهزئة أربكتني، وعندما رأيته يمر من الشارع الذي تطل عليه نافذة حجرتي علمت أنه صحيح البدن.
جاري وضع حاجزا على باب بيتي فلم أستطع الدخول، أصبحت أقفز من النافذة، لم أشأ أن أعاتبه وقد أرسل لي في الليلة السابقة لذلك ثمن دواء لزوجتي المريضة وقال أنه هدية، جاري رجل كريم يحب أعمال الخير، وفوق ذلك يحترمني ولا يناديني إلا بالأستاذ، ولكن .. ما بال هذا الولد لا يفعل!.
ولدان آخران لم يقفا احتراما لدخولي، لا يهم ... ثلاثة أولاد من بين خمسين عدد قليل، لن أهتم لأمرهم ولن أبدي انزعاجي حتى لا يتمادون في أفعالهم، حتى تلك الأوراق التي تلقى على رأسي من الخلف، لن أفتحها، لن أهتم بما هو مكتوب فيها، سأكتب التاريخ والعنوان، وسأكتب عناصر الدرس على يمين السبورة كما اعتدت كل يوم، سأبدأ درسي ببيت الشعر القائل

" قم للمعلم وفّه التبجيل .. كاد المعلم أن يكون رسولا"

جاري هدم جزء من الجدار، اعتذر طويلا، الأمر لم يكن بقصد منه، جذور شجرته العملاقة تخللت أساس جدراني المتهالكة فهدمته، وعدني أنه سيبني لي جدارا آخر، جاري لا يخلف وعدا أبدا، بنى الجدار ولكن بيتي نقصت منه غرفة، لا يهم .. ما دام الجدار الجديد بعيدا عن جذور الأشجار العملاقة.
ما زلت أقفز من النافذة، وما زالت جذور الأشجار العملاقة تغزو جدران بيتي، وما زالت حجراتي تتناقص، وما زال الأولاد لا يقفون تبجيلا... ولكن لا يهم... فما زال جاري لا يناديني إلا (بالأستاذ ..)
#أمل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى