وسام محمد دبليز - امرأة في فراشي.. قصة قصيرة

أشعر بوجود امرأةٌ أخرى تتمدد على سريرنا الزوجي، تفصل يده عن خصري، وتبعد رأسي عن صدره،أشم رائحتها في آهاته، أمد يدي لتغوص بعشب صدره فتردعني.
هي امرأه تجلس على مائدتنا فيحلق معها،وبدل استيقاظي على قهوته الصباحية التي اعتدتها منذ أول صباح ملكي لامس وجهه وجهي بنار أنفاسه الدافئة ،أراهما معاً من خلف الستارة ،أرمقهما على شرفة من لهفة لطالما ضمتنا، أراه يشبك أصابعه حول خصر الفنجان، أرى أصابعها تعانق أصابعه. .
من هي تلك التي نزعتني من يديه؟ أنا التي جفاني النوم منذ اللحظة التي سحب وسادة ذراعه من تحت رأسي، منذ أن فتح أغلال وأقفال قلبه التي كانت تحيط بي بلهفة..
تغرد فيروز من جواله فيخطفه بلهفة، وتتراكض قدماه بعيداً عن عيني ،تصغي أذنيّ إلى همساته التي تصلني منها حروف متقطعة، كاوية، تدمي قلبي.
يعود من عمله ،فتنسيه قبلته لي ولطفل ما زال ينبض في طبقات رحمي، بل ينظر إليه بشرود فتطعنني نظراته .
أتراه الندم؟لطالما كان تواقاً لبلبلٍ مني يصدح في جنتنا الصغيرة،لأرنب يعبث راكضاً في فسحة دارنا.
ماذا حدث ؟أتراها أنأته حتى عن أبوّته التي ظل يرتقب تشكلها مطلع كل شهر؟!أبعدته حتى عن غرفة وليدنا القادم، وكأنه بات يرتعد لحظة مروره بتماسها،هي أمراةٌ.. أجزم بذلك.. منذ هجر فراشي إلى غرفة أخرى بعد أن ضاق السرير على ثلاثتنا.
وهناك في تلك الغرفة أخذت تتبعثر عشرات السجائر وفناجين القهوة، والتي استبدلاها فيما بعد بنبيذ الشهوة،هي أمراه تضمه وتغدق في عطائها حتى يتقزم حبي له.
هل أواجهه؟ هل أخبره أن حِسي الأنثوي الذي لا يخطئ قد استشعر بقرنيه ذلك الخطر؟!قليل من الصبر..الصبر الذي انفجر ككرةٍ ناريةٍ حرقت جسدي حين أخبرني بسفره إلى دمشق،بكت أنوثتي المضطهدة آنذاك.
أياماً أخرى معها ألا يكفيها أن سلبتني إياه؟! فما غدا حبيبي ولا زوجي بل ضيفي الغامض،سيعود بعد ثلاثة أيام,هكذا إذا ؟
يوماً ما راهنت على وفائه لي ،وها أنا أخسر الرهان ،يقبلني قبلة سريعة، فأتلمس شفاها على لمى شفتيه ،سيكونان معاً، في "البولمان" ترمي بثقل رأسها على كتفه، ويحيط جسدها بيديه، يهمس لها بكلماته الشعرية المفعمة بالحب فيطير بها لتحط على غيمة تخترق عباب الفرح،سيصنع لها قالباً من فرح، قهوة من سعادة ،طعاماً من لهفة.
ستصاب بالتخمة التي أصابتني ذات لحظة ،حين كان يلقمني الطعام من شفتيه كفراخ العصافير ،تراه سيحملها كما حملني ذات يوم طفلةً بين ذراعيه ويصعد بها على أدراج قاسيون فيورق وجهها خجلا أمام أعين الناس المفتوحة وتدفن وجهها في رقبته السمراء العارية؟ سيتحرر كعادته من قيوده بحضرة الحب
ينام جوالي عن سماع صوته،أمسك السماعة كي أطمئن عليه وحين أراه يلف جسدها كما لو كان جسدي،أرمي السماعة من يدي،في المساء يقطع جوالي صمته الجنائزي برسالة منه، أرمق الجوال بمرارة
ماذا يريد؟سيقول أنه بخير.
يبعث برسالة كي لا أتهجي الحروف المختبئة في حديثه المبطن.
حبيبتي لقد وصلت أنا بخير.
أتراه هو من كتب لي هذه الكلمات الجافة؟! أتراها يده التي أغرقتني برسائلها الملتهبة تضن عليّ بكلمة تدثرني أنا وصغيري في بعدي عنه؟.
معه حق ففي حضرة الأنوثة لا وقت لي..
ثلاثة أيام تتحول كل ثانية من ثوانيها لسنين، ترمي الدقائق ثقلها فوق روحي،تضيق عليَ الساعات بطرقاتها.
أبحث عن إلهام صديقتي كي أبثَّ لها حزني ،فتصمت للحظة وتقول لي: أنا في دمشق .
دمشق ؟!وماذا تفعلين هناك ؟لم تخبريني بأنك ستسافرين؟
- نعم ..إنه عمل مهم ،نتحدث لاحقا.
تغلق السماعة ،يالي من غبية ،لو أني أخبرتها أنَ هشاماً في دمشق ؟كنتُ قطعتُ الشك باليقين .
في الواحدة ليلاً يدور المفتاح في قفل الباب وتدور المرارة في روحي،يُفتح الباب و يُفتح معه باب القهر، موسيقى خطواته الليلية تتحول لضربات ثقيلة في أذني،يدخل غرفتي فأنزلق تحت اللحاف وأخفي قلبي عنه، يضع حقيبته على الأرض فتضغط على أنفاسي،يسحب الدرج ليخرج ثيابه الداخلية، فيسحب درج دموعي وتنفجر معها ألف غصة،يدخل الحمام، وعندما أسمع صوت شلال الماء ينهمر ليغسل ما تبقى من رائحتها ،تنهمر شلالات من حمم بركانية لتذيب ماتبقى من حطام جسدي.
أتسلل من الفراش وأخطو ببطء على رؤوس أصابعي ،أبحث عن جواله علني أمسكه متلبساً بالخيانة فلا أجده.
منذ متى يدخل الجوال إلى الحمام؟
أفتح حقيبة سفره فأصطدم بيدها وهي تعد له الحقيبة،أبحث بين ثيابه عن رصاصة تَدخل قلبي ،عن مدية تخترق صدري.
في الجيوب الجانبية،في سحاب مخفي تصطدم عيني بظرف ما ..تتجمد يدي،أقف للحظة ونظري متسمر بتلك الأوراق ،يا له من سافل..إنها تحاليل.. يحضر تحاليل الزواج معه ؟
أسحب الأوراق من الظرف ، من هي؟ لا أعلم لماذا خطر ببالي إلهام،أتراها إلهام حقا؟كيف لم يخطر ببالي ؟كيف لم التفت لأحاديثهما الجانبية ؟
إلهام ..سأصرخ بملء حقدي ووجعي أنكِ أقذر فتاة عرفتها،دخلت معي المنزل يوم زفافي، كنتِ أما لي قبل أن تكوني صديقة.
إلهام أكاد لا أصدق؟من أجلك فقط سأمزق قاموس الصداقة من حياتي .
ترتجف الورقة في يدي أتراها حقا تحاليل زواجكما المبارك! أفتح الورقة التي خُطّت بأرقام حمراء.
صوت زوجي يوقظني من صدمتي، أستدير بوجهي الباكي لأنظر في وجهه فأرى لوناً من مرضٍ في وجهه وبسمةً من يأسٍ في شفاهه الباهتة.
تتثبت عيناي بتلك الكدمات الزرقاء فوق أوردته النابضة وتتشبث روحي بسفينة رحيله عن دنيا لوعتي به ..
أركض إليه فتخونني قدمي وأسقط مغمياً عليّ لحظة احتضان ذراعيه لي


وسام محمد دبليز



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى