القدس العربي - عادل الأسطة: معظم مؤلفات النقد العربي مجرد استنساخات

يحتل عادل الأسطة مكانة بارزة في المشهد الثقافي العربي كأحد النقاد المعنيين بقضايا الرواية والشعر والنقد الأدبي المعاصر، وهو إلى جانــب اهتمامه بالنقد الأدبي، كاتب صحافي ومحرر أدبي وقاص، صدرت مجموعته القصصية الأولى عام 1979 بعنوان «فصول في توقيع الاتفاقية»، وصدر له العـــديد من الأعمال الإبداعية والنقدية. يعمل أستاذاً جامعياً للأدب العربي الحديث والنقد الأدبي في قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية. وفي حواره مع «القدس العربي» يلقي عادل الأسطة الضوء على تجربته النقدية ..

■ ما هي أبرز المحطات في تجربتك مع عالم النقد الأدبي؟
□ يولد المرء على دفعات، ولا أظنني ولدت مكتملاً. يمكنني القول إن المحطة الأولى امتدت من 1976 حتى 1987. بدأت أكتب النقد الصحافي وعملت محرراً ثقافياً، ولم أكتب في هذه الفترة أدباً يُشار إليه أو يعتد به. كتبت قصصاً قصيرة، وأصدرت مجموعتي الأولى «فصول في توقيع الاتفاقية» في 1979. قصص متواضعة جداً اتكأت فيها على التاريخ للتعبير عن الواقع. كان ذلك نوعاً من التحايل على الرقيب العسكري، ثم ملت إلى القصص الواقعية، وأصدرت مجموعة ثانية، بالاشتراك، عبرت فيها عن معاناتنا تحت الاحتلال، ولم تلفت هذه القصص أنظار النقاد، ربما لطبيعتها، وربما لعدم وجود حركة نقدية، وأفضل ما أنجزته في تلك الفترة هو رسالة الماجستير عن القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي 1993، بعد عودتي من ألمانيا، أنجزت نصين قصصين طويلين «ليل الضفة الطويل» و«تداعيات ضمير المخاطب». الأول نص واقعي سياسي بالدرجة الأولى، والثاني رؤية عن تجربتي المرة والقاسية في ألمانيا. لفت النص الأول الأنظار، على الرغم من أنه لم يُنشر، وسبب لي مشاكل عديدة، وما زال. وأما النص الثاني، فعلى الرغم من أسلوبه وبنائه الفني المحكم، إلا أنه ظل يُستقبل استقبالاً عادياً. وفي 1996 كتبت الجزء الثاني من «تداعيات ضمير المُخاطب» وكان بعنوان «الوطن عندما يخون»، وظلت الأعمال كلها تُقرأ إلكترونياً، لا ورقياً، وتُدرج على أنها أدب سياسي، ودهشت مرة إذ رأيت نص «ليل الضفة الطويل» مُدرجاً على موقع روسي، باعتباره من الآداب العالمية. منذ 1996 وبداية 1997، حيث كتبت نصاً تتداخل فيه الأجناس الأدبية «خربشات ضمير المــخاطب» لم أكتــــب ســـوى قصص قصيرة، منها مجموعة عن حصار 2002 واجتياح المدن «فســحة لدعابة ما»، وفي صيف 2016 كتبت ما يشبه السيرة الحزيرانية.
صورت تجربتي ما بين حزيرانين، يونيو/حزيران 1967 ويونيو 1982. وربما يذكر هذا النص برواية إميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» (1974). إنه نص يميل إلى السخرية، ولا أدري كيف سينظر إليه.

■ على ذكر إميل حبيبي، الذي أوصى بأن يُدفن في حيفا ويُكتب على شاهدة قبره (باقٍ في حيفا)، كيف تنظر إلى تجربته الروائية، بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على غيابه؟
□ آميل حبيبي قدّم عملاً روائياً متميزاً هو «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل». صحيح أنه غلب على لغته اللغة التراثية، إلا أنه عبّر عن تجربة مر بها هو وشعبه، وهي تجربة مرة وقاسية. أفاد حبيبي من التراث العالمي والعربي، وهو يكتب نصّه، ولجأ إلى السخرية، وهذه سمة مميزة ونادرة في الرواية الفلسطينية. وأرى أنه ترك أثراً كبيراً في الروايتين، العربية والفلسطينية. أثر في غائب طعمة فرمان وفي رجاء صانع وفي جيل من الروائيين الفلسطينيين، منهم إبراهيم نصر الله في «حارس المدينة الضائعة»، وأنا تأثرت به كثيراً أيضاً، ولا تخلو روايات اللبناني إلياس خوري من تأثر واضح، صريح ومباشر، بروايات آميل، خاصة «المتشائل». هناك جدل واسع حول الرجل، ما زال قائماً إلى يومنا هذا، وقد قيل فيه الكثير. لصالحه ولغير صالحه. إنه ظاهرة.

■ ما هو دافعك لكتابة النقد، فرض للذات، أم الهروب من قيود الإبداع؟
□ أنا ناقد بالدرجة الأولى. كتبت القصة القصيرة كاقتراح نقدي للتحايل على الرقيب الذي دفع بكُتّابها إلى التوقف عن الكتابة، حيث كان يشطب القصص الواقعية، فاقترحت كتابة بديلة: الكتابة من خلال استحضار الماضي.

■ هل نظريات النقد التي بين أيدينا الآن صالحة لكل زمن؟
□ وأنا أحاضر في المذاهب الأدبية: الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والواقعية الاشتراكية ألاحظ أن كل مذهب منها ازدهر فترة ثم خبا. في كل قرن كان يظهر مذهب، ثم يصل إلى نهاياته، ليحل محله مذهب آخر. لكن المذهب الأسبق لا يموت وإن خفت بريقه. من يتحدث الآن عن الواقعية الاشتراكية وأدب الواقعية الاشتراكية، من يمارس النقد الاجتماعي الماركسي/الأيديولوجي، كان ذلك ممكناً حتى انهيار الاتحاد السوفييتي وتلاشي الحكم الشيوعي. أما الآن هناك من يتحدث عن موت البنيوية أيضاً، بل إن أبرز البنيويين، مثل جاك دريدا، تحول إلى التفكيكية وما عاد ناقداً بنيوياً.

■ وهل ألقت الاتجاهات النقدية الحديثة ضوءاً جديداً على النص؟
□ بالتأكيد ألقت أضواء جديدة، لا ضوءاً واحداً فقط. إن ما قاله هانز روبرت ياوس، من أن الانعطافات التاريخية الكبرى تؤثر على قراءة النصوص القديمة هو كلام صحيح مئة في المئة، وإن مقولات نظرية التلقي من أن قراءة نص واحد، من القارئ نفسه، تؤدي إلى قراءتين مختلفتين، هي مقولات صحيحة. عد إلى نص قرأته في شبابك واقرأه الآن، وانظر الفرق. أنا فعلت هذا وأنا أقرأ مظفر النواب. عدت إلى قصائد كتبت عنها في شبابي، وقرأتها بعد عشرين عاماً من القراءة الأولى، وكان الفارق مذهلاً. ثم خذ مقولة التفكيكيين: كل قراءة هي إساءة قراءة. نقرأ أحياناً النص ونظن أن قراءتنا صحيحة، ثم نكتشف خللاً فيها. مرة قرأت مقطعاً من جدارية محمود درويش، ثم عدت إلى المقطع نفسه لأقرأه من جديد، فوجدت أن قراءتي الأولى كانت خاطئة. أحياناً يُصاب المرء بالعمى، وحين يقرأ النص من جديد يرتد إليه بصره. ومن هنا راق لي عنوان كتاب بول دي مان: «العمى والبصيرة».

■ كيف تقيّم النقد الأدبي الفلسطيني المعاصر، وهل استطاع توطيد العلاقة بين المبدع والجمهور؟
□ هناك نقاد كانت لهم إسهاماتهم الكبيرة في التعريف بالنصوص الأدبية الفلسطينية. فيصل دراج وعبد الرحمن ياغي وغيرهما. قدّم هؤلاء خدمة كبيرة لخدمة الأدب الفلسطيني، وما زال بعضهم يقدم. والطلاب الذين أعلمهم في الجامعة تعرفوا على أبرز أدبائنا، من خلال المحاضرات، ومن خلال النقد في الصحيفة. لقد تابعت ما يكتبه النقاد، وكان لكتابتهم دور مهم في التعرف على نصوص الأدباء، من خلال الأخوين ياغي، هاشم وعبد الرحمن، توطدت علاقتي بشعر المفارقة، ومن خلال كتب فيصل دراج تفتح ذهني إلى قضايا نقدية مهمة.

■ ما هي نظرتك إلى وضعية النقد الأدبي اليوم في العالم العربي؟
□ هناك مجهودات كبيرة واضحة، وقد أخذ النقاد يدرسون النصوص الإبداعية اتكاء على نظريات جديدة ومناهج حديثة، وهذا أثرى لا شك تلك النصوص، وأضاءها، بما لم يكن يخطر على بال مؤلفيها. لا ألتفت كثيراً إلى آراء الكتاب الذين يهاجمون النقد والنقاد كثيراً، لأن كل واحد من الكتاب يريد من النقاد كلهم أن يلتفتوا إلى نصوصه، حتى لو لم يكن قدم نصوصاً مميزة، أو حتى لو كرر نفسه في كتاباته، هناك نوع من الأنا المتضخمة لدى بعض المبدعين. ولكن ما أراه في الكتب النقدية الأدبية العربية المعاصرة أن أكثرها يكرر بعضه. أنظر مثلاً إلى ما يكتب عن التناص، أو العتبات في النص، أو إلى كتب نقد الرواية، وستجد أن كثيراً منها لم يأت بجديد، وأستطيع أن أذكر أسماء في هذا. ويفترض أن يسائل الناقد نفسه قبل أن يقدم على تأليف كتاب نقدي نظري: ماذا سأضيف إلى ما نشر من قبل؟ للأسف لا أحد يفعل هذا، ولذلك تجد عشرين أو ثلاثين كتاباً نظرياً في نقد الرواية لا تختلف عن بعضها. ربما لهذا لم أكتب أي كتاب نظري في النقد.

■ كيف ترى واقع الرواية الفلسطينية ومستقبلها؟
□ هناك غزارة في الإنتاج الروائي، لكن من سيشكل علامة مميزة؟ هذا هو السؤال. فيصل دراج قال: هناك روايات فلسطينية وليس هناك روائيون. ربما أصاب القول. إن إصدار حكم عن واقع الرواية الفلسطينية أمر صعب جداً. هذا يتطلب قراءة الروايات كلها، داخل فلسطين وخارجها. هناك نصوص روائية جديدة تثير أسئلة وتقارب الواقع: رام الله الشقراء، كافر سبت، حليب التين، خلسة في كوبنهاغن، حياة معلقة.

■ وما الذي قدّمته فلسطين في رأيك لحركة الشعر الحديث؟
□ محمود درويش. إنه ظاهرة مميزة. وهذا يكفي.


القدس العربي
21 - فبراير - 2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى