حميد العنبر الخويلدي - مقدمة بنكهة مكاشفاتية اعتبارية..

لو اردنا ان نعيّن جنس هذي المخطوطات التي ابدعها الاستاذ جنان السعدي ، ونقول على اي الهيكليات والسياقات الفنية نحيلها، حتى نأخذ بيد المتلقي وهو المبدع المستدام ما طال الزمن ، ووِجد الكتاب على الرفوف وبالخزانات ، وهنا بلاغة وافية عن قيمة التلقي بالفنون والاداب ،،ومدى حركية الفكر وديمومته،
مبدعنا لم ينتج شعرا ولارسماً ولا نحتاً ، انما نخصص ونقول ، انه انتج بنيةً فكريةً من مزاج مرحلته وحداثاتها نعم انه النثر الذي عمل به ولكن ايُّ نثر هذا ،،،،؟ انه نثر السرديات البليغ ومااكثر السرد المعاصر يومياً ، على مستوى الخطاب
والصحافة والتعليم والرواية وحتى الشعر ، وحتى هناك بُنَىً ماديةٌ طغى عليها اسم ومصطلح السرد كحقول القمح والغابات ومناجم الحصى والفوسفات والكبريت والنفط ، هذي سرديات الطبيعة وكل كثير بعدده وعميق بمعناه يسمى سرد ، ولاتنس التاريخ وآثاره وحوادثه وارساليات معانيه ، والزمن بروحه سرد مستدام ،
ولكن هنا عند المؤلف تختلف تمام الاختلاف ، عن المعتاد والسائد ، المعتاد له مستوىً ، وسرديات السعدي مستوى اخر ، اسميناها /السرديات البليغة / او الفيروزية عشقاً منا لها وتعاطفاً نرى ان تميّزا حاصلاً يكمن في بطاناتها،، فلِمَ البليغة،،،؟ ومن اي جهةجاءت بلاغتها ،،،؟
نعم وحصرا ، اي ابداع يتنزّل على الواقع بالمفهوم الفني اللميع هو من عقل مبدعه اصلاً، هذا الدارج ،
ولكن نبحث عن الكيفية التي حثّت بدفع هذا البليغ قبل ان يصيّره العقل ،،بالتاكيد الفنون موجودة قبل العقل في المُسْتتر العدمي ريثما تُسْتجلَبْ ضرورةً حسب تسلسل الغاية ، وهذا بحد ذاته مفصل هام تدخل به فلسفات تفسّره، لامجال لذكرها هنا ،
ولكن ، هناك ناموس كوني اوّلي يطلق عليه اصحابنا /بمنطق الضرورة الوجودية المُلِحّة/ او الحلولية والتي تُبْنى على شرط الحاجة في المكان او النقص الحاصل والعَوَز ، هذا مايدفع انسان المرحلة المبدع لان يفزُّ به لمحٌ من الغيبي القدري ، فلعل نتاجنا هنا مرصود بالخلود الايجابي ، اذ هناك بالمقابل خلود سلبي كذلك للرديء والرث،
ومَنْ هذا الذي يمنع كاتب غير خبير من ان يكتب اوهامه،،،،؟ ومااكثر ذلك في الساحة من دثار ورثاثات ،
فذكرُنا لناموس الحاجة وجوب تفسيره هنا ، لنربط سبب تاليف السيد جنان لسردياته الفيروزية الان،، نقول انّ
السّيّاب بدر العظيم انتج نظرية الشعر الحر والشعر الحديث ورفاقه الرّوّاد رحمهم الله ، نعم من باب انّ حاجةً تمخّض عنها الزمن المعاصر ، لنقص وعوز حاصلين في الحياة عندنا وباقرار من القدري كاشارات تنزل على صدور المبدعين ، باعتبارهم اقرب لله من العامّة، فكان قد انتجوا العوض مثلما نشير ،
ونؤشّر من انّ وراء مشروع بدر في الشعر الحر هناك مشروعاً حضارياً تدفع به الضرورات الكونية والحضارية ، وهذا ما جاهرت علية قرائح العلماء والنقاد والمجايلين للفكر ،ولازال مشروع العرب منطلق وفي حالة نضال
ومجاهدة الى اليوم يشقُّ طريقه واساليبه الجدلية الواعية ، يتوالى ويتوالد ديناميكياً وبحرية محسوبة
وفي المكان ايّما مكان ، هناك عوز ونقص قد يحصل ، اذاً لابد من عَوَض ابداعي يتنزّل، هذا ياتي عن نضجِ ذاتٍ اعتباريةٍ متعالية ، عبقريةِ اللمح ،نعم انها ذات الرّوّاد وكل المبدعين العرب المعاصرين الذين اضفوا على المرحلة ببالغ المعطيات والتشوّفات وثبت ماثبت من الوثايق الى الان ولازال التوالد والتضايف الفكري يوماً بيوم يُتَتَابع كحوافل السحب ،
فقانون مانصبو اليه تثبيتاً وكشفاً هو ،،، اولاً (الزحزحة الاستشعارية ) في المكان وبها ينفتح حيّزا وجوديا على قدر الوافد ،او مانسميه (بالعوض ) او ارهاص النص ،ولو وردة في بطن امها الشجيرة او جرادة او قدح في مصنع وحتى سكة قطار في فعل او كتاب ، ثانياً قراءةُ. انّ هناك (نقصاً او عوزاً اعتبارياً ) مما نسميه (بالحاجة )،
وبعدها اتمام مبدأ الصورة المقرورة او الصورة المتصيّرة ،وفق معادل الصيغ المتقدمة من المراد ،
هذي عوامل الضرورة في الحاجة الدافعة ، والتي يتوحّد بها المبدع والوجود ،،
مبدعنا السعدي ، استشعر حسّاً وادراكاً وصورةً في اللحظة المنفعلة حاجة المكان ونقصه وعوزه ،
فعندها رصد طبيعة العوض وطريقة توليده وتصيّره ، فاستمكن استشعاراً ، آخذاً يفسّره ،ويترصّد كيفياته الفنية ومن ترصّداته الموضوعية باعتباره المفكر والذي يرى بعين العارف ،خرج بنتيجة انّ عراقاً وطناً جريحاً مسلوباً منهوباً ،وبتعمد وغيلة وبكراهة حقد اُحتِلَّ،، فقد عمّه الخراب الفضيع ولازال يفكك ويهبط شعاعه ، وصيته بين الامم ،،
فمَنْ يُثار اولاً ياتُرى ،،،،؟ طبعاً المبدع والشريف والوطني ، وماقصّروا ابدا ولكنَّ سونامي عالية وشرسة، ولازال الموج طاغياً، وتاثيرها يغلق الابواب والمداخل ، ويعطل التطور والتنامي ، وبقوة السلاح عنوةً ضدّنا ، وانّا لله ، نرى ونقاوم وكمثل هذي النتاجات نتاجات مجنّدة والمجند مقاوم حتما ً، واحياناً نسكت وهو استبصار محارب
خوفاً على المصير والذات ، نعم وسّعنا المقابر فقط عشرة اضعاف حجمها نعم اشهد انّ هذا منجز جدير بالذكر للمرحلة ولخراب الاجنبي ومن ايّده ،،
ولكن هنا تمت استدراكات فنان حصيف مثل السعدي جنان ، وهو المتبصّر ، اذ اطلعنا على مدارج حياته الفنية وكامل اعتباراتها التنويرية في الكشف الشعري والصحفي الاعلامي والقصصي وعدة مؤلفات تبين انه ذو موهبة حاذقة ، ودليلنا هذي السرديات البليغة ، والتي تحرّى بها كل اشكال العنت والفساد واللوثة ومكر الغريب المحتل ، وكل من سوّلت له غاياته الدنيئة وحقده في ان ينال من عراق الحضارة وينال من تاريخنا ومدنيتنا ، بحثَ وخاضَ في كل الزوايا حتى الخفي منها ، فعين المبدع رصْادة ونافذة حتى في المستحيلات.
فالنقص والعوز اللذان هما محور البحث ومرتكزه، هنا لابد من عوض يدلي به المبدع ولو باضعف الايمان ،، المبدعون هم ألْسنة الحق الناطقة ، هم الكاشفون عن العلل والاسباب والعثرات ، هم القادة الحقيقيون ، لولا انّ نظم المرحلة تدهورت وغلب عليها السياسي الفاسد والفاشل والمتعنت ، والا بالنظم الحقيقية المبدع تجده اول من يُسْتشار ، فلعله المتصل بذات الله وباعتبارات الوجود ، ياتي الخبر القدري ، اول من يستلمه المبدع ، قبل كل الخلق ، وهذا سياق فهم معروف،، باكورته عند الانبياء وكما شهد التاريخ كيف كان الخلفاء والسلاطين اصحابَ المشاريع والحاكميات التي تركت اثرا ، اذ يقرّبون لهم المبدعين حتماً، يستنصحونهم بامر الدولة والعلم والمعرفة وبامور القيادة والتربية والسياقات ، والاجتهاد بالخطط ، كونهم يفقهون واعني الخلفاء بقيمة المبدع وقدره الرفيع.
ونعود على ذي بدء ،،ان السعدي ماكان فكّر وبحدود عقله في راسه ابدا ،ولا على ساحل دجلة اختلى ليبتكر لنا مخطوطاته هذي من نفسه الخاصة ، انما كان قد شاف ورأى فاستشعر حقيقة امر هام ، اذ كاشفتْه الحُجُبُ اعني روحَه الواهبة ، الفنانُ اي فنان كبير ُ روحٍ، وابداعه يراه قبل ان يتنزّل على الصفحة ، بايام او قد تكون مدةً تطول لتمسكها قرائحه ، الجواهري والبردوني والفيتوري وامل دنقل وغيرهم من مبدعي الامة ، كل منهم رحمهم الله له شهادة باطنية على كل ابداعاته قبل ان تنزل عليه وهذا مؤكد في السُّنـن والطرائق ، وبقوتها يعمل ، بعضها القريب للوجود ، او منه القريب لروح الشاعر ،وكان تحوّل الى طاقة تدفع وترفع باجسادهم تملاها جمالا ، واعني المبدعَ الخالد مثلاً ،
الزمن يتحرك من خلالهم تتفاعل الظواهر والجدل من خلالهم ، وكلٌّ على شاكلة اعتباره ، القاص ،السياسي المناضل ، والسياسي الثوري وما اقلّهم اليوم ، والشاعر الخلّاق ، والاعلامي. والفلاح والراعي وكل تنويع للموهبة بالفن في الحياة ،، فهم نوافذ تطل منها الحرية والفكر المُحْدث ،
فضلاً من انّ وازعاً نفسياً نبثّه على هيئة سؤال ، كيف استطاع السيد المؤلف ان يختار هذا النمط ،،،؟وهل طرحه عليه احد،،،،،،؟ ليصرّف به رؤاه ، ولم يتناول غيره من اسلوبيات واجتهاد في الفكرة الصياغة ، وأحدد معماريات الشكل والمحتوى ، وطريقة التناول ذات الرقاع المربعة والمستطيلة، القصيرة والطويلة ، وذات المقاصير ، ولو اصغى قد تكون اللافتة والملصق والتظاهرة وشريط لفديو والكاسيت ، تدخل بعمله ،،
السعدي تلبّستْه حمّى الكشف ، بارادة واختيار وحب ،وهذي عوامل المآل النوعي في منهجنا لو عمل بها الفنان وبدافع مااشرنا اعلاه من خصائص الضرورة ،
حيث تلقّى شفراتٍ غامضةً من مستتر العدم ، استهوتْه ضمن المرام المراد ،فدخل موقفه التصيّري اتحد مع الوجود عبر الاعتبار الكلي ، شهد على كل الحقائق ، هنا تحوّل طبعاً وباتَ طيفياً اثيرياً لايُرى وليس له وزن ،ولا نسبيةحركية، المبدع في موقف الخلق الفني يختلف عن كيانه المادي في الكتلة والجسدية. وهو على هذا الحال وفي مرتكزات التأليف الإجمالي لموضوعاته البليغة ، اخذه هوى ابن خلدون رحمه الله ، ومالت به الحال والمآل نحو علم الاجتماع ، طوّحتْه الرؤى ومخاريق المتميّز المعرفي ، وبما انه الحداثوي المنسوب والمنتمي لعصرنة نافرة جدلية ، بَعْدَها تجري بمشوارها الغض ، نعم نؤكد اننا على هدي طريقة صحيحة واعدة من مشروعنا الذَّكَر رغم كل الهيص والبيص من حولنا ومن هذا العجيج في اوطاننا رغماً عن النُّظُم ،
لكننا نرى الشعاع فلعله في قبس يتقد بصدور المؤمنين المبدعين ،
نعم هي لنا وليس لغيرنا ، وما جنان السعدي الا واحد من حشد مبدع ورهط مجيد ،
حال السعدي في حيّز الصيرورة ، كان مذهولاً وماعنده منجاة الان الوصول لمرامه بالحلول مع الاعتبار الكلي حين يبقر جلدة الوجود ويدخل الى حيث سلال المعرفة والجمال هناك ، وقوّةُ حسبه التي يستجلب مراماته فيها هي روح التبصّر والفكرة الروحيّتيْن ، وعلى طرق الاشراق والايحاء ، حيث ينسج القطعَ والسندَ اللفظي معرفياً ويزيّنه ترصيعاً وتضميناً بلُمَعٍ من الموروث الحي كنضيج الحديث الشريف والذي يتوائم مع اطروحته ،ومع المناسب من دواوين الشعر العربي ، كشواهد باهرة تعطي السرديةَ حياةً مضافةً نشطةً ، ومن مقالات الفلاسفة والحكماء ،شذرات تحيي الخاطر عند المتلقي وتعطي دفقا ابداعياً للمضمون حيث تضمينات الواعية وتطريزاته يلوّن هذي بتلك ويصنع حبكةً وجلالةً للنتاج، ومن عرافات الزهاد والمتصوفة ومن كلام الائمة وكثيرا ما استشهد باقوال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ، واقوال الخلفاء الراشدين والصالحين (رض)
هذا لؤلؤ منثور اعطى السرديات، من عميق الفكرة والتبصرة والكشف ، مايجعلها تفيض بالمعنى الجمالي ، مضافاً لها خصوصية مبدع متميز
نقول انّ هذا الكتاب له قيمة على كافة الاصعدة ، في السياسة والعلم والتربية والدين والايمان والمجتمع والحاكميات القانونية والقبلية ، وأعطى رأيا بالطائفيات المقيتة وبالفساد الشمولي الذي عبّر عنه وقال انه ممنهج ومنظّم وساقته جهات غاية بالعنت والتهور ، وعن طريق ناس من العراقيين ، عملوا ماعملوا ، وسيذكر التاريخ ذلك ومنه عن طريق سرديات جنان السعدي

الاستاذ
حميد العنبر الخويلدي
العراق /صيف ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى