جوهر فتّاحي - المسألة الزّنبوريّة

المسألة الزّنبوريّة هيّ مناظرة غير طريفة ولا ظريفة وقعت في بلاط هارون الرّشيد بين عالم النّحو ذائع الصّيت سيبويه -وهو بالمناسبة تلميذ الخليل إبن أحمد الفراهيدي- وبين رجل الدّين وإمام القراءات أبي الحسن بن فيروز الكسائي.
المسألة تتلخّص في سؤال طرحه الكسائي على سيبويه، وهو التّالي:
كنتُ أظن أنّ العقربَ أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هوّ هي، أم فإذا هوّ إيّاها؟
والزّنبور حشرة ذات شوكة وسمّ، تشبه النّحلة.
فقال سيبويه: فإذا هو هي.
فقال الكسائي: أخطأت، بل فإذا هو إيّاها.
ونشب خلاف كبير بينهما، وارتفع الصّوت، واحتدم السّجال، واستدلّ الكسائي من القراءات ومن أقوال الفقهاء ورواة الحديث. واستدلّ سيبويه من علم النّحو وقواعده ومن الأدب والشعر. وثبت كلّ واحد منهما على رأيه.
وانتهى الأمر إلى دعوة مجموعة من الأعراب الذين يتكلّمون العربيّة السّليمة بالسّليقة ليحسموا الموضوع. وكانوا ككلّ زمان ومكان يخشون سطوة علماء الدّين ولا يخالفون للأئمّة رأيا خصوصا إذا كان الإمام مقرّبا من الأمير، فانتصروا للكسائي.
وخرج سيبويه من المناظرة مخذولا، يجرّ أذيال الخيبة.
أصيب سيبويه إثر هذه المناظرة بقهر الرّجال فترك العراق ورحل إلى بلاد فارس، وما لبث أن مات فيها كمدا.
المهم، بعد وفاة سيبويه أجمع النّحاة وعلماء اللّغة على صواب رأي سيبويه وخطإ الكسائي، ومنهم أبو عمرو عثمان الجاحظ.
المسألة الزّنبوريّة خلّدتها قصيدة مؤثّرة لعالم لغوي يدعى القرطاجنّي، وهو المولود بإلأندلس والمدفون بتونس، سرد فيها وقائع المناظرة ورثى فيها سيبويه وتألّم لموته قهرا رغم أنّه كان على صواب. وختم قصيدته ب:

والغبن في العلم أشجى محنة علمت *** وأبرحُ الناس شجوا عالم هُضما

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى