مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - أصحاب الملامح الباهتة

حكاية كتاب


كنت أثق تمام الثقة، أن هذا العمل مدهش....
شيء عجيب أن تؤمن بعمل لك وتقتنع به كل هذا الاقتناع!
مع كل جملة من جمله كنت أشعر وكأن روح خفية هي التي تكتب وتصوغ وترسم الأحداث، وكأنني مجرد أداة لطرح أفكارها ..
حتى طريقة بناء العمل، والمناخ الذي تدور فيه الأحداث، وعلاقات الشخصيات المركبة ببعضها البعض، وتطورها ونموها الدرامي.
أنا لم أكن افعل أي شيء كان القلم يتحرك وحده بدون إرادة مني ليصنع هذا العالم العجيب في داخل إطار فني لرواية استهلكت عدة سنوات لإتمامها.

عندما قرأها الراحل الكاتب المسرحي العربي الكبير أنور جعفر، اتصل بي تليفونيا وطلب مقابلتي في بيته في ميامي ...ومن يومها توثقت عرى الصداقة بيننا.
و كنت قد أعطيته مخطوطا لها في أحد المرات التي قابلته فيها في النادي النوبي مع صديقي الكاتب الراحل عبدالفتاح مرسي.
وعندما ذهبت إليه في مكتبه الخاص رحب بي كثيرا، وطلب مني سرعة نشر وطباعة هذا العمل الذي هو في رأيه مذهل...
قلت له في ضيق ؛
أنت تعلم جيدا أن موضوع النشر هذا صعب للغاية خاصة في تلك الأيام.
قال في كبرياء : يمكنني أن أساعدك في هذا الأمر.
شكرته وطلبت منه معرفه اسم الجهة، أو الهيئة التي ستقوم بنشر هذا العمل، فذكر لي عدة جهات مرموقة، إلا أنه فاجأني في اليوم التالي بدفع مخطوطة الكتاب للمطبعة.
قلت له: أنا لا أفهم شيئا!!
قال لي :
كل الجهات الثقافية الحكومية، ستأخذ فترة طويلة حتى تقوم بطباعة هذا العمل، ربما بضعة شهور أو حتى سنوات كما تعلم فإن الدولاب الثقافي مكدس بالعديد من الأعمال التي تنتظر دورها في الطباعة، لذلك قررت طباعة هذا العمل من خلال جماعة أصيل الأدبية بصفتي رئيسا لها.
ثم أردف في جدية ؛
هذا عمل سيشكل نقلة كبيرة لك في الوسط الثقافي، وسيضعك في مصاف كتاب الرواية العربية المرموقين.
وبعد أيام قلائل كانت الرواية بطباعة فاخرة، و غلاف مبهر بين أيدي جمهور القراء،
و عندما سألني أنور جعفر: كيف كتبت هذا العمل؟!
نظرت إليه في دهشة، ثم قلت له بعد برهة تفكير عميق :
لقد كتب هو نفسه بنفسه.... أتدري أنني أصبت بحالة من حالات الحساسية الشديدة في جلدي كله بعد كتابة آخر كلمة فيه؟!
(ولازلت حتى اليوم اتعذب بهذه الحساسية التي تجتحاني في حالات الغضب أو الحزن أو الإرهاق الشديد، وقد فشلت كل وسائل العلاج الطبية معها)
تطلع أنور جعفر إلى في دهشة، ثم ربت على ظهري بحنو أبوي بالغ ثم همس :
لابد أن تكتب أيضا للمسرح، فأنت تمتلك موهبة عظيمة في كتابة الحوار،وتحريك الشخصيات ودفعهم للنمو الدرامي المحكم بحبكة شيقة ومثيرة من خلال أفكار جديدة ومبتكرة، تحمل دهشة وطازجة مذهلة، وتلك موهبة نادرة.
طأطأت رأسي ونظرت إلى عصاه الأبنوسية قليلا ثم قبلت رأسه وضحكت...
سألني : لماذا تضحك؟!
قلت له؛ أتعرف أنك بملامحك النوبية الجميلة تشبه الرئيس الراحل أنور السادات كثيرا.؟!
ابتسم أنور جعفر، ثم ضربني على ظهري برفق، غير أنني أردفت:
حتى روحك يا أستاذ أنور فيها كثير من طيبة وكبرياء الرئيس السادات.

آثارت الرواية الكثير من الكتاب، والنقاد، فكتب عنها:
د محمد زكريا عناني
ومحمد الفخرانى
وعبد النبي كراوية
وعبد الفتاح مرسي
وكمال عمارة
وجميل متى
ومحمد خيري حلمي
وكثير ممن لا أتذكرهم.
ونشر عنها في عدة دوريات عربية مرموقة.
كما عقدت لها العديد من الندوات،
وناقشها؛
عبدالله هاشم
و د سعيد الورقي
و د محمد أبو الشوارب
و محمد الفخرانى
و جابر بسيوني
وصرح الكثير من النقاد، أنها تمثل تطورا، ومرحلة كبرى في كتاباتي... وتؤكد على امتلاكي لأدوات وطرق الكتابة عبر مدارسها المختلفة
أعلن الناقد كمال عمارة: أنها واحدة من عيون الأدب في الثغر.
وطلب مني عبدالفتاح مرسي أن اهبط قليلا لمستوى القارئ، إلا أنه في غيابي صرح لمن حوله، أنها كانت تمثل بالنسبة له مفاجأة غير متوقعة بمستواها العالي وأطر كتابتها المتنوعة والصادمة، كما قال؛ أنه لم يكن يدري أن صديقه الذي هو أنا يمتلك كل هذه الموهبة.
لما سأله عبدالله هاشم ؛ لماذا لم تقل هذا الكلام في حضور شريف.؟!
أجاب في جدية : لابد أن أشعره دائما بعدم الكمال حتى يسعى دوما لإنتاج الأفضل والأحسن، التلميذ إذا قال له المدرس لقد وصلت إلى القمة سيتوقف عن الاستذكار، لذلك يجب على دائما أن أثير حفيظته.
و أعلن الفخرانى أنه غير متفق معه فيما يقول وغادره غاضبا،وبعد عدة أسابيع أخبرني محمد الفخرانى أن الرواية تم ترشيحها لجائزة كبرى ووصلت حتى التصفيات النهائية، إلا أنهم في النهاية فضلوا منح الجائزة لأحد كتاب القاهرة الكبار ، كنوع من الترضية والمساعدة المادية له.

رحم الله صديقي الكاتب الكبير؛ أنور جعفر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى