كنانة حاتم عيسى - قراءة سيميائية في نص "خط أحمر" للأستاذ علي الخرشة

الدراسة
كم يبدو هذا النص التهكمي الساخر السوداوي،في ظاهره واصفًا لحالة فقدان الوعي والذاكرة الآنية و اللامصداقية، لكنه في باطنه العميق يظهر حالة اللانتماء والعبث و الحياد السلبي والتمرد الغوغائي على المجتمع برمته، بدءً من النسيج الديني المتناقض إلى المنظور الشخصي للفرد ضمن انتمائه الجمعي (الفرد في القطيع) ، والتعامل مع (التابوهات-الخطوط الحمراء ) بطريقة فكاهية سطحية تصور معاناة الإنسان العربي اللامنتمي، في واقع فوضوي يفتقد لحس المنطق و الإدراك، ينسلخ عن الوعي الذاتي، ويندمج في لاوعي العامة،بشكل رمزي فكاهي اراده الكاتب أن يكون مقلقًا و جدليًا ومثيرًا للصدمة(لأن العقارب كافرة و من طبعها الغدر) ،فالمتلقي يحاول فهم السارد المرتبك الذي يخاطبه بشكل مباشر(كمنظومة للسلطة) ،بطريقة تفكيره الغريبة، وتركيزه على مايبدو كأنه قشور واهية، لكنها في الحقيقة رؤى كاشفة لعمق وعي السارد الفلسفي واختلال توازنه المجتمعي وكما ورد في النص :
انت تعرف ذلك.. صحيح...لماذا لا يبدو عليك أنك تعرف؟
السارد هنا لا يعامل نفسه كفرد مستقل بل كفرد رافض لانتمائه المفروض عليه، أليس العباقرة والخارجون عن السائد هم من يحكّمون عقولهم بشكل منفتح فيحاكمون بطريقة رافضة.؟ ألا نحكم بحالة من اللاوعي الراداري الذي يلخص سلوكنا كبشر في حالات الكوارث والفقد والخيبات والقمع الظلم وسياسة القسر والإكراه؟ لم يكون المختلفون عنا بطرق تفكيرهم منبوذون، حتى لو استطاعوا رؤية ما لانراه ونفقهه؟. وكما ورد في النص
اراك غاضبا مني.. لا تفضب يا سيدي
وماذا سيفعل طبيب أسنان مثقف متدين في الظاهر، يلاحق حشرة غريبة على رجل أصلع لا يعرفه في صلاة الجمعة، ألا يجدر به الاستغراق بصلاته والإصغاء إلى خطبة الإمام بدل التفكير في السنغال و
وزوجات المتنبي والخط الأحمر والحشرة السامة ؟، ألا يجدر به أن يبادر لإنقاذ ذلك الرجل وإسعافه بدل البحث عن حذائه الخاطئ واللحاق به في سيارة الإسعاف؟ هل اللامنتمي مسيطر على حاضره أم انه منجرف فيه؟ و هارب منه بالانشغال بأفكار عبثية لا جذور لها؟ أم أنه في وهم الحياد المطلق (حين لا تقوم بشيء على الإطلاق فقد قمت بكل شيء) عندما لا تقوم بشيء فأنت المواطن المثالي المنتمي لعالم الثوابت والحقائق
كما ورد في النص :
لماذا يا سيدي لا تصدق اني ساعدته وقدمت له اكثر ما ينبغي لي أن اقدمه.
لم اتدخل.. ولم أبدي وجهة نظري
انتظمت رموز الكاتب السوداوية بشكل متماه مع السرد
وبشكل تهكمي ارتكز على قوامة الهزل والمبالغة الدراميةو المغالاة بعبثية الحبكة الثانوية والتصوير النفسي الدقيق لعدم التوجه و الالتصاق بمفاهيم الانسحاب والتراجع و الإنكفاء على الذات أمام سلطة القانون والمجتمع والدين. في سبيل سلام نفسي عابر وتوازن مؤقت
الحشرة السوداء: الوعي الجمعي المغيب الذي يصادر حرية الفرد الفكرية وانتمائه العقائدي والسياسي.
الخط الأحمر : هو رمز التابوهات المعلنة، كما ورد في النص:
لأن اللون الأحمر هو اشارة لخطورة الكائن الذي يحمله
الحذاء : هو الحراك الشعبي القاصر عن التغيير والعاجز برؤيته و وسطحيته عن تصحيح أي مسار حقيقي. والأحذية في المتن درجات ومقامات. ،فحذاء (السلطة الدينية) أكثر أهمية من حذاء المواطن(المؤمن) المنتمي
وكما ورد في النص
. سيدي.. انت تقدم المعروف للآخرين وهم يشتموك....
ثم يا سيدي ما أدراني أن الحذاء لم يكن حذاؤه. وما ادراني أنه حذاء امام الجامع
نص كتب للقارئ الجديد، العليم والمدرك و المحيط،و الحيادي الذي يفرز الحياد لسلب وإيجاب، وويصنف الكوميديا السوداء الساخرة في أطياف المجتمع ببراعة، حيث لغة الخطاب السردي مباشرة سلسلة فيها تكرار استفهامي في موقف واحد وهذا التراكم الكمي من الأسباب(الأسئلة المتواشجة) يعطي مدلولات واضحة للخوف وعدم الطمأنينة والقلق الدائم ،
لتخلق استهلالًا واضح المعالم لبيئة المكان الرمزي كفضاءً فكاهي بحبكة مشوقة أراد أن يوصل رسالة نشاز ورفض وفي نهاية المتن يتكرر سلوك السارد العبثي ، فالفرد مشروع إنساني متطور يطور العالم من حوله كما يطور نفسه، حسب الإنسانوية الحديثة
هو حاله خاصة من الحرية والقصدية، وهل ضرورية التعددية الشخصية والثقافية تقبل تجاوز الخاص للعام والفرد كجزء من المجتمع ، والمعرفة الشمولية للحقائق والثوابت ؟ هل يمكن لحرية الفكر والسلوك أن تجمع الشخصي والجمعي في بوتقة سلوك واحد وموروث واحد؟ حتى ولو كان الزمكان حالة من هستيريا جماعية
في جامع مكتظ خانق وفوضوي؟
نص له مذاق مسرح العبث، واللامعقول،طرح الكوميديا المظلمة و مفهوم اللاتوصيل، حين يغدو السارد منتظرًا لغودو آخر ليعطيه حذاءه ، أو قابعًا في غرفة لهارولد بنتر لامنتميا إلا لحياده مدارياً انسلاخة العقلي والنفسي عن مجتمعه. عاجزًا عن إظهار الحقيقة في قلب الوهم،عاجزًا عن كسب ثقة القراء جميعهم على اختلافهم.
نص مذهل، لعله عانى من بعض الأخطاء النحوية والإملائية(غياب الهمزات) لكنه، رؤية أصيلة مبتكرة تستحق الإضاءة والكشف.


كنانة حاتم عيسى



********************************


النص

خط أحمر

يبدو أنك لا تصدقني. هل تتخيل أنني لم أساعده. كيف تعتقد ذلك قل لي بالله عليك؟
لقد حدثت القصة في صلاة الجمعة.
كنت أجلس في الصف الثاني . وهو كان يجلس في الصف الأول. أنا لا أحب الصفوف الأولى. أكره أن ينظر إلى خطيب الجامع بتلك الطريقة كما تفعل انت ذلك الآن. ماذا كنت اقول.. اه تذكرت.
لقد كنت في الصف الثاني أحاول أن أصغي بانتباه لخطيب الجمعة. لا أعرف لماذا في كل مرة أحاول ان استمع وأركز أجدني قد تشتت ذهني وخطر على بالي قصص ليس لها اي ترابط مع بعضها.
قل لي بالله عليك.. ما الذي يجعلني افكر بلون اللافتات التحذرية في السنغال.وما علاقة ذلك بعدد النساء اللاتي تزوجهن المتنبي.
قلت لك انني حاولت أن لا يشتت انتباهي أي شيء.
لكنه كان يجلس امامي.أصلع الرأس قد حلق جانبي شعره بالموس. يرتدي تشيرتا أصفر. كان يصغي هو الآخر للخطيب.
لكنه لم ينتبه إلى تلك الحشرة التي اتخذت من ظهره حائطا للتسلق.
أنا بالعادة لا أهتم بالحشرات لكن تلك الحشرة تستدعي الأنتباه. لقد كانت غريبة الشكل. لها ذلك الخط الأحمر على ظهرها. وصدقني لولا ذلك الخط الأحمر لما كنت انتبهت وذعرت.
لأن اللون الأحمر هو اشارة لخطورة الكائن الذي يحمله.
ماذا فعلت؟ لم افعل شيئا. هب لو أنك كنت مكاني ماذا كنت ستفعل؟ . هل تبطل صلاتك من أجل حشرة. قد لا تكون سامة بالأصل قد تكون من فصيلة الحشرات الحمراء غير السامة..
ثم أن الحشرة لا بد أن تمل وتترك ظهر الرجل وتغادر. لماذا افسد خطبة الجمعة بقلق ليس له داعي.
لكن تلك الحشرة لم تغادر بل توجهت إلي ياقة تشيرت الرجل.
كان لا بد لي ان أحذره.ماذا لو ذعر الرجل. واراد ان يلتقطها فاخطأها حتما ستقرصه.
لذلك لم أحذر الرجل الأصلع. فكرت كما تفكر أنت.. بأن اتربص للحشرة وانقض عليها فأسحقها بضربة واحدة. لكن ماذا لو اذيت الرجل؟
وهب أن الرجل الاصلع كان عصبيا كيف ستشرح له انك لم تكن تقصد ضربه. وأنك كنت تريد قتل حشرة يمكن ان تكون سامة.
ماذا فعلت؟ قررت أن أراقب من بعيد.
لكني انشغلت عن المراقبة ورحت استمع للخطيب.
ثم ان الخطيب قال لنا قوموا الى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.. هنا تذكرت الرجل والحشرة... ورأيت الرجل الاصلع يقوم.. وتلك الحشرة ما زالت تلتصق به.
الآن حين يتحرك الرجل ستسقط الحشرة من تلقاء نفسها.. أو ربما رآه رجل اخر واستطاع تنبيهه بطريقة مثالية.
صلينا خلف الامام ركعتين.. انت تعرف ان صلاة الجمعة ركعتين وليس أربع. انت تعرف ذلك.. صحيح...لماذا لا يبدو عليك أنك تعرف؟
ماذا كنت اقول... عندما سلم الأمام عن اليمين والشمال. سلمنا نحن ايضا عن اليمين والشمال.
لكن ما كان غير عادي.. أنني رايت مجموعة من الرجال يتحلقون حول رجل ممدد في المسجد.
تكثر الذبحات الصدرية في المساجد خاصة في فصل الصيف... لكن الرجل الممدد كان أصلعا ويرتدي تشيرتا اصفر...ولا يبدو عليه أنه ممن يصابون بالذبحات الصدرية في فصل الصيف.
اقتربت مثلهم لألقي نظرة.. فسمعت احدهم يقول أن الرجل قد قرصه عقرب. لأن العقارب كافرة و من طبعها الغدر .
لم اتدخل.. ولم أبدي وجهة نظري.
لكنهم كانوا يصرخون..
🙁
هل من طبيب هنا؟)
وكنت اصرخ معهم باحثا عن طبيب... ماذا ؟اراك تفتح عينيك دهشة؟.. انا مجرد طبيب أسنان . ثم ماذا سافعل له.. ما بك يا سيدي ؟ الرجل قرصته حشرة في رقبته.. فماذا تريد مني أن افعل هل افحص أسنانه.
طبعا حضرت تلك الدورة للإسعافات الأولية لكني تغيبت عن حصة واحدة فرفض المدير منحي شهادة.. ماذا لو لم أحضر حصة الانعاش القلبي الرئوي.. هل هذا يمنح المدير حق حرماني شهادة الاسعاف الأولي.
وعلى ذكر الاسعاف كان الجميع يصرخ أن على احدهم ان يتصل بالاسعاف. انا اعرف رقم الاسعاف فهو سهل لا يتجاوز الثلاث خانات لكني اخشى اذا ما سألني المسعف عن عنوان المسجد الذي أصلي فيه.... هناك مشكلةعند الناس لا يفهمون طريقتي في وصف الاتجاهات.
حضرت سيارة الاسعاف في وقت قياسي لم يتجاوز الثلاث ساعات..
وخرج الجميع من المسجد يشيعون الرجل الأصلع الى سيارة الاسعاف.. ولم اكن معهم.. من المعروف ان التجمع حول المصاب يسبب اختناقه.. هو بحاحة لاستنشاق هواء نقيا..
كنت اقف عند خزانة الاحذية ففطنت الى أمر لم يفطن له أحد من الذين اسعفوا الرجل الاصلع.
انطلقت وراء سيارة الإسعاف ناديت عليهم ثم حين لم يتوقفوا ركلت عجل السيارة بقدمي فتوقف السائق وفتح النافذة يصرخ بوجهي يسالني ما الذي يدفعني لايقافهم.. ناولت المسعف.الحذاء الذي كنت احمله تحت ابطي. وقلت له:-( أن هذا هو حذاء الرجل الاصلع. قد نسيه المسعفون حين اسعفوه.)
التقط المسعف حذاء الرجل الاصلع وشتمني.. تخيل يا سيدي.. انت تقدم المعروف للآخرين وهم يشتموك....
ثم يا سيدي ما أدراني أن الحذاء لم يكن حذاؤه. وما ادراني أنه حذاء امام الجامع.
لماذا يا سيدي لا تصدق اني ساعدته وقدمت له اكثر ما ينبغي لي أن اقدمه.
اراك غاضبا مني.. لا تفضب يا سيدي.
فهذه قصتي رويتها لك كما طلبت مني بالضبط.
اراك تضرب مكتبك بقبضتيك. وتطلب مني الانصراف.
قبل أن انصرف.. هل سمحت لي بحذائك. لماذا؟ هناك حشرة تتسلق قميصك رايتها منذ ان جلست احادثك.. اظنها سامة.. لأنها تحمل على ظهرها خطا أحمر.

علي محمد الخرشه
الأردن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى