محمد علي الرباوي قصائد في زمن الرُّعْب

(1) الكأس
يَا أَيَّتُهَا الْكَأْسُ الْمُحْرِقَةُ الْعَطْشَى
هَا مَمْلَكَتِي أَشْرَعَتِ الْأَبْوَابْ
وَمَرَافِئُ ذَاتِي تَسْتَقْطِبُ
عُنْقُودَ الْفِرْدَوْسِ وَعُنْقُودَ الرِّيحْ
هَلَّا عُدْتِ إِلَى جَمَرَاتِي رَاضِيَةً مَرْضِيَّهْ
بَيْرُوتُ تَمُوتُ
شَوَارِعُهَا يُحْرِقُهَا جِلْدِي الْأَحْمَرْ
وَعَرَائِسُ زَمْزَمَ فَوْقَ التَّلِّ الْأَكْبَرْ
لَوَّحْنَ مِرَاراً بِـﭑلْأَيْدِي الْخَمْسْ
آهٍ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسْ
هَلْ يَقْبَلُ ذَاكَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ
هَذَا الْعاشِقَ ذَرَّهْ

(2) دعاء ذاتي
رَبِّ ٱجْعَلْ هَذا الْجَسَدَ الْمُتَوَتِّرَ فِي مَأْمَنْ
مِنْ كُلِّ رِيَاحِ الزَّمَنِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي
وَٱرْزُقْ هَذا الْقَلْبَ سِلَالاً مِنْ نُورِكْ
وَقِنِي صَمْتَ النَّهْرِ الْعَطْشَانْ
وَتِلَالَ الضَّوْءِ الْمَنْشُورِ
عَلَى حِيطَانِ شَوَارِعِ وَجْدَهْ
آمِينْ

(3) دعاء موضوعي
رَبِّ ٱجْعَلْ هَذا الْوَطَنَ الْمُتَوَهِّجَ فِي مَأْمَنْ
مِنْ كُلِّ رِيَاحِ الزَّمَنِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي
وَﭐرْزُقْ هَذا الْقَلْبَ سِلَالاً مِنْ خَيْرَاتِ
وَقِهِ ثَرْثَرَةَ الْأَمْسِ الْآسِنْ

(4) العطشان
بِي عَطَشٌ لِلسِّكِّينِ فَمَنْ يَرْشُقُ هَذَا ٱلْجَسَدَ الْمَقْتُولَ فَلَا ﭐلرِّحْلَاتُ السَّبْعُ تَحَوَّلَ جَدْوَلُهَا أَشْطَانَ دِمَاءٍ لَا الْجُبُّ ٱسْطَاعَ مُنازَلَتِي بِالْأَصْداءِ وَلَا التِّنِّينُ أَرَانِي كَأْسَ ٱلْخَوْفِ الْأَحْمَرِ حِينَ أَغَارَ عَلَى ظِلِّي ٱلْمُمْتَدِّ هُنَا مِنْ وَجْدَةَ حَتَّى بَيْرُوتْ
يَا سيَّافَ الْقَرْيَةِ هَا رَأْسِي
نَفِّذْ حُكْمَ الظَّمَإِ الْأَزْرَقْ
وَأَرِحْ ظِلِّي مِنْ جَسَدِي الْمَكْبُوتْ
أَلِفَ الْمَجْنُونُ هَجِيرَ الْبَيْنِ تَعَلَّمَ فِي ٱلْبَيْدَاءِ لُغَاتِ الْمَوْتِ وَلَكِنْ حَتَّى مَ تَظَلُّ ٱلْأَكْفَانُ هُنَا تَتَوَسَّخُ فِي هَذَا التَّابُوتْ
بِي عَطَشٌ لِلسِّكِّيِن فَمَنْ يَرْشُقُ هَذَا ٱلْجَسَدَ الْمَقْتُولَ وَمَنْ يُلْقِيهِ بِوَادِي الظُّلُمَاتِ وَيُسْكِنُهُ بَطْنَ الْحُوتْ
آهٍ مَنْ يُسْكِنُ هَذَا الْجَسَدَ الْمُتَوَرِّمَ بَطْنَ ٱلْحُوتْ

(5) تطاول
تَبَّتْ يَدَا هَذَا الزَّمَانْ
تَطَاوَلَتْ غابَتُهُ
وَنازَلَتْنِي مَوْهِناً
وَهَا أَخَافُ الْيَوْمَ أَنْ
يَجْفِلَ مِنْ نِزَالِهَا
هَذَا الْحِصَانْ

(6) الوجهان
أَلَا أَيُّهَا التَّلُّ هَا قَدْ عَلَا مِنْ بَعيدٍ غُبَارٌ كَثِيفٌ. وَأَنْتَ تَمُوتُ مِرَاراً وَخَيْلُ الْغُزَاةِ تَدُكُّ مُحَيَّاكَ فِي الْمَوْتِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ وَهَا ٱنْقَشَعَ ٱلْآنَ هَذَا الْغُبَارُ سَمِعْنَاكَ تَحْتَ الْغُبَارِ ٱلْمُلَوْلَبِ تَسْقُطُ لَكِنْ سَقَطْتَ عَلَى كَوْكَبٍ فِي أَعَالِي السَّمَاءِ الَّتِي ﭐسْتَقْبَلَتْكَ بِأَرْزٍ جَدِيدْ.
جَسَدِي يَغْلِي كَالنَّهْرِ الصَّامِتِ يَرْفُضُنِي تَلًّا سَجَدَتْ لِسَنَابِلِهِ غَابَاتُ الصَّفْصَافِ تَوَالَدُ مِنْهُ الْأَرْيَاحُ الزُّرْقُ مِرَاراً. كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْيَاحُ تُعَلِّمُنِي كَيْفَ أُبَارِزُ نَفْسِي فِي صَحْوِي أَوْ فِي مَطَرِي. كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْيَاحُ تَشُقُّ صُخُورِي تَجْرِي فَوْقِي نَهْراً. فَإِذَا حَدَّقْتُ صَبَاحاً فِي النَّهْرِ رَأَيْتُ عَلَى صَفَحَاتِ مَرَايَاهُ وَجْهَيْنِ أَقُولُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَجْهِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَجْهِي وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي فِي الْبَدْءِ أَتَيْتُ بِوَجْهٍ لَا وَجْهَيْنِ أُصَارِعُ خَوْفِي فَأَمُوتُ وَكَمْ مُتُّ مِرَارَا
****
رَصَاصُ الْبَنَادِقِ أَخْطَأَ وَجْهَكِ لَكِنَّ وَجْهِي تَعَرَّضَ لِلطَّلَقَاتِ فَمِتُّ مِرَاراً وَعِشْتُ مِرَاراً وَحِينَ سَقَطْتُ سَقَطْتُ عَلَى ﭐلْأَرْضِ فَاسْتَقْبَلَتْنِي- وَبِي ظَمَأٌ لَا يُحَدُّ لَهَا- بِرَصَاصٍ جَدِيدْ.

محمد علي الرباوي
وجدة: 3/12/1976
( الجزء الأول من رياحين الألم)


* (أول قصيدة تُنشر للشاعر بمجلة الآداب البيروتية 1977)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى