د. محمد عبدالله القواسمة - طاغور وفلسطين

من المعروف أن رابندرانات طاغور(1861ــــ1941) شاعر ومسرحي وروائي وموسيقار ورسام بنغالي. نال جائزة نوبل في الآداب عن آخر دواوينه الشعرية "جيتا نجالي" الذي ترجمه بنفسه من اللغة البنغالية إلى اللغة الإنجليزية، وقدمه الشاعر الإنجليزي ييتس. وهو الأديب الآسيوي الأول الذي نال هذه الجائزة عام 1913م. وظهرت ترجمة عربية لهذا الكتاب بعنوان" قرابين الغناء" لظبية خميس عن المركز القومي للترجمة عام 2008م.

لقد زار طاغور القدس عام 1924، وكان له موقف خاص من القضية الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي حين كانت الحركة الصهيونية تعد العدة للانقضاض على فلسطين، وإنشاء وطن قومي لليهود على الأرض العربية. وتجلى هذا الموقف في مقابلة بينه وبين صحفي يهودي التقاه في مدينة نيويورك عام 1930، وقد نشرتْ المقابلة جريدة فلسطين التي أصدرها عيسى داوود العيسى عام 1911بمدينة يافا في عددها 230-1610.

في هذه المقابلة يبين طاغور احترامه للمثل الأعلى الصهيوني، ويعجب بزعماء الحركة الصهيونية الذين يضحون في سبيل تحقيق هذا المثل، ولكنه ينتقد سياستهم الشرقية، لأنها تقودهم في طريق لا نهاية لها. ويرى أن الاتفاق بين العرب واليهود في فلسطين يجب أن يكون بين الطرفين وحدهما دون تدخل بريطانيا التي كانت منتدبة على فلسطين؛ فالاتحاد بينهما ممكن في المسائل السياسية والاقتصادية وخاصة وأنهما من عائلة واحدة. فكما استطاع اليهود التكيف في أمريكا؛ فلماذا لا يكيفون أنفسهم في فلسطين؛ وهو يفهم الصهيونية كما يفهمها صديقة اينشتين الذي صرح عام 1946م أن " الدولة اليهودية ليست قريبة إلى قلبي. لا أستطيع أن أفهم لماذا يُعَد إنشاؤها أمرًا ضروريًّا... إنها ترتبط بالتفكير القومي الضيق وبالعقبات الاقتصادية. وأنا على يقين بأن هذا أمر سيئ. لقد كنت ضد قيامها على الدوام." ففي الإمكان وجود حكومة فلسطينية يتحد فيها الشعبان: العربي واليهودي سياسيًا واقتصاديًا، ولا بد من إزالة خوف العرب من قيام الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، ويرى بأن الصهيونية تبدو له في بعض الأحيان غير مفهومة حتى للعقول الذكية الأوروبية وأن عليها أن تكون واضحة ويُستطاع فهمها.

يلاحظ أنّ طاغور غير جازم في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية إنّه يقدّم النصائح للحركة الصهيونية ولا يدين أفعالها بقوة ووضوح، ويدعو إلى أن يتفهم الطرفان العربي واليهودي بعضهما بعضًا، ويخشى على اليهود من انتفاضة العرب عليهم.

هذا الموقف من الحركة الصهيونية غير جذري، وهو يختلف عن موقف معاصره غاندي مع أنه لم يقف إلى جانب سياسة اللاعنف التي تبناها غاندي. لقد كان رمزًا للفردية ونخبويًا أما غاندي فقد كان سياسيًا شعبويًا أمميًا؛ لهذا رأيناه يعبر بوضوح عن رفضه لوجود اليهود في فلسطين، وقد كتب في صحيفة الغارديان البريطانية عام 1938 بأن فلسطين تنتمي للعرب كما تنتمي إنجلترا للإنجليز وفرنسا للفرنسيين، وأن من الخطأ فرض اليهود على العرب.

في النهاية نخلص إلى القول إن موقف طاغور غير الحاسم من الحركة الصهيونية وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين الذي لا يتماشى مع فكره في رفض الظلم والدعوة إلى الحب والعدالة، ربما يعود لحصوله على جائزة نوبل وبخاصة أنّ بريطانيا دولة الانتداب على فلسطين قامت بدور مهم في نيله الجائزة على مجموعة الشعرية "قرابين الغناء" التي ترجمت إلى الإنجليزية في عام 1912 وبعد عام من ذلك نال عليها الجائزة.

مع كل هذا، فإنّ طاغور قد تنبأ، في خضم هجوم الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، بما ستؤول إليه الأحوال بعد قيام دولة الاحتلال من رفض العرب والفلسطينيين لهذا الكيان المحتل والغاصب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى