محمد الرياني - مَزَاد

قالت عنه وقد تكرَّر رَسمُها له: إنَّه يُشكِّلُ لها إلهامًا وتخيُّلًا في رَسمِ لوحاتِها ، عندما خرجَ سِرُّها من خَلفِ اللوحاتِ التي رسمتْها تعمَّدَ حضورَ معارضِها حتى تلك البعيدة عنه ، أسرَّت لصديقاتِها إنَّ ملامحَه السَّمراءَ تجعلُها تختارُ الألوانَ الداكنةَ التي تفضلها والتي لاقت إعجابًا مُنقطعَ النظير لدى عشَّاق فنِّها ؛ بل إنَّها أصبحت تبيعُ مُعظمَ لوحاتِها بسبب الوجوهِ التي ترسمُها له بعدَّةِ تعابير ، الذين يشترون اللوحاتِ تعجبُهم أسنانهُ البرَّاقة التي ترتسمُ على اللوحاتِ بشكلٍ مرتبٍ وأنيقٍ وكأنها ابتسامةُ أحدِ مشاهير الإعلان ، أنانيتُها المفرطةُ لم تكلِّفها كي تهبه جُزءًا تستقطعُه من الأموالِ التي تَجنيها جَرَّاء رسمِها له ، وقفتْ ذاتَ يومٍ وهي تشرحُ للمشاهيرِ ممن يقتنون لوحاتها لتبيعَ منهم وقد بدا ملثمًا كي لا يفتضحَ أمرُها ويتركونَ لوحاتِها على طاولاتِ العرض ، باعت واحدةً تلوَ الأخرى ، الرسمةُ الأولى التي باعتْها كانت لِوَجهِه في سنِّ العاشرة ، كان وجهُه جميلًا بالفعل وأسنانُه براقةً وشعرُه مجعدًا وطويلًا تناغمَ مع لونه القرنفلي ، بعد أن باعت لوحةً ثانية له اعتمرَ فيها ملابسَ شعبيةً حمراءَ وبيضاءَ وعلى رأسِه روائحُ عطريةٌ من البراري ، فيما يبدو من المساومةِ أنَّ هذه أغلى لوحةٍ باعتْها ، شاهدَها وهي تقبضُ ثمنَها الذي يكفيها زمنًا للصرفِ على بذَخها ، إحدى صديقاتها قالت له على لسانها : إنها لم تره منذُ زمنٍ ولم تعرف بعدُ ما إذا كان العمرُ قد غيَّر ملامحَه أم لا ، المهمُ أنه اقتربَ منها ولثامه على وجهِه يريدُ أن يشتريَ صورةً له جوارَ شَجرةٍ عتيقةٍ في بيتهم ، رفعتِ السعرَ بشكلٍ مبالغٍ فيه ، نزَعَ اللثامَ ليريَها أسنانَه التي تاجرت بها ، ابتسمَ في وجهها ليخيفها بفمٍ بلا أسنان ، طلبَ منها مساعدةً لتغطية بعضِ فمه ، لم تدعه يستمر في الحديثِ وقد رأت وَجهًا مشوَّهًا، نادت على أحدِ العمالِ كي يُخرجَ آخرَ لوحةٍ لم تبعْها ، اكتشفَ أنها رسمتْه خلسةً عند دخوله لتبيعَ صورةً لعجوزٍ في المزاد ، قالت له : هذه هديتي لك.

محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى