صلاح عيد - في رِحَابِ الهجرةْ

الليلُ يَسْدِلُ بالفَضَاءِ سِتَارَهُ
والمُشْرِكُونَ يُطَوِّقُونَ الْبَابَا
قَدْ دَبَّروا أمراً لوأدِ رِسَالةٍ
والكلُ يَقْبِضُ باليدينِ حِرَابَا
عَزَمُوا عَلَى إِطْفَاءِ نورٍ قَدْ بَدَا
واللهُ يَنْصُرُ مَنْ إليه أَنَابَا
هُمْ يَمْكُرونَ وَمَكْرُ رَبُّكَ غَالِبٌ
هُوَ ذُو الجَلال يشتتُ الأَحْزَابَ
وهو الذي سَيَزُوُدُ عَنْ مَبْعُوثِهِ
و يَرُدُ كَيّْدَ الناشدينَ خرابا
خَرجَ الرسولُ إلى الجُمُوعِ فما رَأوُا
قَدمَ البشيرُ تجَاوِزُ الأَعْتَابَا
نَثَرَ النُعَاسَ على العِيُونِ فأغْمَضَتْ
تِلْكَ العِيُونَ وقد مُلِئْنَ تُرَابَا
ومَضَىَ يَشُقُ الليْلَ يَقْصِدُ يَثْربَاً
والدَمْعُ بَيْنَ الوَجْنَتَيْنِ انْسَابَا
يَبْكِي فِرَاقَ الأرْض.. أرض جُدُودِهِ
وفِرَاقَ أوطان الجِدُودِ عَذابَا
لَكِنَّهُ أمْرٌ مِنَ اللهِ الذَيِ...
بِعَظِيِمِ عِلْمِهِ سَبَّبَ الأَسْبَابَا
يَمْشِي و صِدِّيقٌ يسيرُ جِوارهِ
فِي قَلْبِ صَحْرَاءٍ تَشِعُ صِعَابَا
وَ"سُرَاقَةَ" القَصَّاصُ يعدوُ إثْرَهُمْ
مُتَربِصَاً.. مُتَحَفَّزَا.. مُرْتَاَبَا
يَرْنُو فيُبْصِرُ صاحِبَينِ عَلَىَ المَدَىَ
فإذا دَنَا يَغْدُو الرِّكَابُ سَرَاَبَا
دَخَلَ الرَّفِيِقَانِ المَغَاَرَةِ واحْتَمَا
باللهِ ذُوُ الإحْسَانِ.. حَيْثُ أَجَابَا
بالعنكبوتِ و مخْلدٍ لحَمَائِمٍ
رَجَعَ البُغَاةُ بِمَأربٍ قدْ خَابَا
وَمَشَى الحَبِيِبُ السَمْحُ نَحْوَ مَدِيِنَةٍ
خَرَجَتْ تُهَلِّلُ.. تُعْلِنُ التَرْحَابَا
كُلٌ تَعَلَّقَ في معاقلِ نَاقَةٍ
مَأْمُورةٍ ليُشَيِّدوا المِحْرَابَا
فِي مَوْكِبٍ أشرقَ إثرهُ
فجرٌ لِتَأريِخٍ يُطِلُ مُهَابَا
ويَعِيِشُ كُلُ المُسْلِمِيِنَ أَحِبَةً
وَتَصِيِرُ يَثْرِبَ للجَمِيعِ رِحَابَا
كُلٌ تَآخَىَ... لا مَكَانَ لِجَاحِدٍ
إَلَّا المُنَافِق حَيْثُ أَخْفَى النَابَا
وَتَدُورُ دائرةً.. وَرَبُكَ وحْدَهُ
هو بالعُلا مَنْ يَكْشِفُ الكَذَّابَا
وهُوَ المُجِيِرُ لعَابِرٍ مُتَوَكِلٍ
إنْ فارقَ الخِلَّانَ و الأَحْبَابَا
وتَظَلُّ هِجْرَته الشريفة عبرةً
قبساً ينير مَدَارِجَاً و شِعَابَا
ولعلَ أرضاً ما وُلِدْتَ بِحَيِّهَا
صَارَتْ كَيَثْرِبَ مَوْطِنَاً وَ مَآبَا

******

شعر / صلاح عيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى