أليسار عمران - ما بين طفلِ الماضي وطفل العصر...

لقد تأسّست طفولتنا رغم بساطتها وقلّة الهدايا بشكلٍ غنيٍّ وجميلٍ رغم قساوةِ الحياةِ،
كنّا نلامسُ وجهَ الخريفِ حين تفتحُ المدارسُ أبوابها لأنَّ نزهتنا الوحيدة كانت للمدرسة وحسب،ننتظرُ بشغفٍ أن يطرقَ باب غرفة الصفّ مدرّسٌ لطيفٌ معنىً بأبوّةِ تلاميذهِ،يثير جوّ المنافسةِ والشّغفِ،ونستمتعُ بأخبارَ تفوقنا في كل منزلٍ في القريةِ،لم يكن هناك منبّهاتٌ تدفعنا للاستيقاظِ باكراً، كانت خيوط الشّمس تغطّ على أجفاننا ،تتسلّلُ من بين أغصانِ شجرِ اللوزِ تقبّلُ الخدّ اليانع وتعلنُ حضور الصّباح،فيتدفقُ النّشاطُ في عروقنا،لم نقم يوماً بإيقاظِ أهلنا لإ عداد وجبة الفطور البسيط(خبز وشاي)الأكلة المفضّلة التي لا تحتاجُ كثيراً من الوقتِ،كنّا نتأثّرُ بهواياتِ أهلنا،ونحاول تقليدهم بكلّ شيء،لدرجة أنّني تعلّمت حياكة الصّوف بعمر الخمسِ سنوات،وبعمر العاشرة تعلّمتُ طهي الطّعام اللذيذ لأنافس أمّي،قلّدتُ المدرّسَ بمهنة التدريس ونجحتُ في مهنتي،ولستُ الوحيدة بملكة التقليدِ وتحمّل المسؤولية،بل كلّ أبناءِ جيلي،
كانت رفاهيّتنا تكمن في حفظ الأغاني،وغناءها،وساعات الضّجر نربطُ مناديلاً على خصرنا ونرقصُ إلى حدّ الثّمالةِ،تعلّمتُ العزف على آلة العود كأبي بصدفةِ تقليدٍ وحسبٍ،لقد كنّا نمتنّ للأشياءِ،للطقوسِ،للتعاملِ اللطيفِ الذي صنع هويّتنا بكلّ حضارةٍ وأناقةٍ،كرة القدم كانت عبارة عن كومة أكياس ورق ملفوفةٌ بورقِ النّايلون،
كنّا نداريها رغم بساطتها،ونحافظ عليها،اما اللعبة كانت عبارة عن خشبةٍ نحاول نحتها بعنايةٍ وإلباسها كيساً احمراً جميلاً مفصّلا بموضةِ خيالنا،كانت أصايع خيالنا تلامسُ الأرض بفصولها وتكتسب شخصية التمرّد والتّحدي والمقاومةِ ،جيلٌ تكلّل بالرّضى رغم بساطةِ حاضرهِ
****
اليوم يفقدُ الطّفل آذان أهله(الاصغاء) التي انسجمت مع وسائل التواصل الاجتماعي،يغرق في عالم الخيال،وحرمانه العاطفيّ يجعله يطلبُ بشراهةٍ كلّ شيءٍ ليردم فجوة الاهتمام والعاطفةِ،
حاضرٌ يضجُّ بالغربةِ رغمِ قرب المسافاتِ،
ماذا لواستيقظ العالم يوماً دون شبكات تواصلٍ!؟
عنّا نحن جيلُ الحقيقةِ..سنعود لعهدنا القديم الذي أسّسَ حضورنا بشكلٍ لطيفٍ،وربّما سيبدأ الجيل الجديد بتقليدنا بالجدّ والعملِ وخلق الجمال والنّجاحِ في كلّ يومٍ جديدٍ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى