مسعد أبو بدر - بعيدا عن التاريخ ، وقريبا منه.

لا يهمني من يحكم أفغانستان أو غيرها من بلاد المسلمين. وإنما المهم هو: كيف وصل هؤلاء إلى السلطة؛ لأن وسيلة الوصول هي المحدد الأول والفعال في علاقة الحاكم بالمحكوم.
في العالم الغربي تحتشد الأمة المدنية كل بضع سنوات، تنظر في برامج المتطلعين إلى الحكم، ثم تحسم قرارها بالقرطاس والقلم، لا بالسيف والرمح؛ فلا دماء ولا لاجئين ولا انتقام ولا حبوس، ولا تطبيل أيضا.
في أفغانستان، المجد للسيف ليس المجد للقلم. فإن الذي يملك قوة الموت هو الذي يحكم، ولا منّة للشعب عنده ولا فضيلة؛ فإنه إنما فرض نفسه على الرعية فرضا بسطوة السلاح؛ ولذلك يظل ولاؤه لهذا السلاح، لا لتلك الرعية.
والحقيقة أن هذا هو شأن المسلمين بعد الأربعة الراشدين. فالسيف وحده كان الفيصل بين الحسين وبني أمية. وكان السيف هو الفيصل بين ابن الزبير والأمويين، وبين هؤلاء والخوارج، وبينهم وبين بني العباس، وبين هؤلاء والمتطلعين إلى السلطة من آل البيت، ثم كان السيف حكما بين الأخوين: الأمين والمأمون، في سلسلة حكم دموية ممتدة ومتصلة.
يستطيع قارئ التاريخ أن ينظر في هذه الفقرة الأخيرة، ويستطيع أن يغرس في جسد أبرياء الأمة آلاف السيوف، ما بين كل مثالين ذكرتهما، ويستطيع أن يسأل: كم ألفا قتل الخليفة ليصبح خليفة؟ كم أفنى من الأمة التي جاء يزعم أنه يحييها؟ وهل يرضى الإسلام عن هذه السياسة؟
تأمل هذا المشهد الدموي، مشهد الدماء والأشلاء، وتخيل الأطفال الأبرياء يفتحون عيونهم على صليل السيوف، وتخيل العذارى والنسوة والشيوخ والعجائز وهو يشهدون الأسلحة تفتك بالحياة من أجل الحكم الذي جعله الإسلام (شورى)، ثم جعله المسلمون سلبا.
انظر في هذا كله، وقارنه بانتقال السلطة في بلاد الغرب الذين نصفهم بالانحلال والفساد الخلقي والعقائدي. لقد تجاوزوا هم أخطاء تاريخهم. ولا تزال أمة الإسلام تجتّر أخطاء التاريخ البشري كله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى