كريم عبد السلام* - فى المخبأ.. شعر

حذار من العابرين آخر الليل
أولئك الذين يحملون العصىّ والمطارق
يدقون بها على الأبواب
ومن صوتك يزنون قوتك
ما إذا كانوا سيهدمون البيت على رأسك
أم يبتعدون وهم يلقون تهديداتهم
الأفضل أن تقتنى كلبا شرسا
لينبح بقوة
عندما يمر العابرون آخر الليل
فيعرفون أن الوحوش استولت على البيت.

*

إياكَ أن تنخدع
البحر يسير فى الشارع
الحدائق تناديك
والجنيّات تعزف الموسيقىمن أجلك

إياكَ أن تنخدع
ربحتَ الجائزة الكبرى،
حفلة لتكريمك فى العمل،
وشارعٌ يحمل اسمك

إياكَ أن تنخدع
التماسيح تفخر بصداقتك
وموبى ديك يعلن اعتزاله المحيط
واللصوص يتجهون لمساعدة الفقراء

إياكَ أن تنخدع

*

فى الخارج
معارك طاحنة
خصوصا فى الليل
تعرف ذلك من الأصوات المتداخلة
صرخةٌ
آهةٌ طويلة
بكاءٌ
عواءٌ
نداءٌ
استغاثةٌ
سبابٌ متتابع
وفى الصباح يمكنك تقدير سخونة المعركة
من عدد الجثث المتجولة فى الشوارع

*

من يملك قدرا أكبر من المؤن
تزداد فرصته فى النجاة
بيتكَ هو سفينة نوح
عدا أنكَ غير مضطر للاحتفاظ بزوجين من الكائنات
احتفظ فقط بالحمام وأغصان الزيتون
إلى جانب الدقيق والزيت والملح
ربما يحالفكَ الحظ و تشهدَ لحظة النجاة
والرسوّ على أرض جديدة

*

الضباع تسيطر على سيارات الأجرة
لو اضطُررتَ للخروج
عليكَ أن تحمل كشافاً قوياً
وأن تُشهره فى عين الضبع
فور أن تنظر إليكَ
على سبيل الاختبار،

كإجراء احترازى ،
أشهرْ سلاحكَ ، واسحب الزناد
واستعدْ لإطلاق النار فى أية لحظة
السباق الآن بين ضغطة إصبعك على الزناد
وقفزة الوحش باتجاهك

*

إياكَ أن تلقى تحية الصباح على أحد
أو أن تبتسم له
سيعتبرها سخريةً من ملابسه
أو قد يظن أنكَ تعرف سر عائلته
وكيف تم القبض على أبيه متلبساً بالسرقة
وسيأتى إليك شاهراً مطواته
والغضب يعمى عينيه

إياك أن تلقى تحية الصباح على أحد
أو أن تبتسم له

*

الوحوش تتنكر فى هيئات لا تخطر على بالك
عجوز ترجوكَ أن تعبر بها الشارع
وفور أن تستند إلى ذراعك
لا تعود ذراعكَ ملتصقة بكتفك
ورائحةُ دمكَ الفوار
تجذب أسماك القرش الهائمة

الأطفال أصحاب الوجوه الملائكية
هل يمكن أن تشك لحظة فى براءتهم؟
جرّبْ وابتسم لأحدهم
وسيتحرك فى اتجاهك كأنه يريد أن يصافحك
ثم يطعنك وهو يبتسم ابتسامته البريئة
أو يقفز مثل الخفاش
لينهش وجهك

*
احتفظْ بمسافة أمتار إذا اضطُررتَ للكلام مع أحد
لا تعرف متى
لا تعرف كيف
يخلع قناعه ويظهر الوحش بداخله
احتفظْ بمسافة آمنة
حتى يمكنكَ الهرب

*

انتبه،
وحوش عديدة استطاعت التكيف مع الحياة العصرية
تجلس فى مكاتبها المكيفة بالشركات
تقود حركة البورصة
وتحقق الأرباح فى البنوك
وتهدم الأحياء القديمة على رءوس قاطنيها
لكنها فى لحظة
تلتفت إلى أقرب الفرائس منها وتغرز أنيابها
ثم تعود إلى مكاتبها
تلعق بقايا الدماء على أشداقها
وترفع صوت الموسيقى

*
لا تخرج من بيتك إلا لتجلب الخبز
وعليك أن تختار وقت الخروج بعناية
فى منتصف الظهيرة
حيث يشتد القيظ
وتضطر الوحوش إلى الهجوع فى ظلال الأشجار
بعد وجباتها الصباحية
يمكنك عندئذ أن تعبر فى أمان،
أن تكون فريسة مهملة

*
لا تغمض عينيك أبداً
ولا تُدرْ رأسكَ الناحية الأخرى،
عليكَ أن ترى المشهد بتفاصيله
كيف تتحطم عظامُ الفرائس
كيف يتمزق الغافلون
كيف تختالُ الوحوش
وكيف تنهار أمام وحوشٍ أكثر شراسة

*

هل أنت حزين والدموع تملأ عينيك؟
هل تغمركَ السعادة وتريد أن تقفز فى الهواء ضاحكا من قلبكَ؟
جميلٌ أن تعبر عن مشاعرك الإنسانية
لكنكَ لن تكون منتبها ساعتها،
للضبع التى تندفع باتجاهك، وتغرس أنيابها فى عنقك

عليكَ أن تحتفظ بالفرح والحزن
هناك، فى أقصى القلب
وأن تظهر لامبالاتك
عندما ترى الوحش يمزّق الطفلة
إياك أن تنسى
أو ترتعد من الهول

*
الخطر ليس قاصراً على الوحوش الكبيرة
تلك التى تسير بخيلاء ثم تندفع لتسقط ضحاياها
لا،
القوارض تخرج فى مجموعات كبيرة
وتهاجم فى ضراوة
ومهما قتلتَ منها
ستحيط بك فى النهاية
وتلتهمك فىقضمات صغيرة مؤلمة

تذكرْ أيضا
أن النمل يستطيع هدم البيت على رأسك

*

لا تراهنْ على النيازك والشهب التى تهبط من السماء
لتبيد الوحوش وتطهر الأرض
لن تعيش لترى هذه اللحظة،
رهانُكَ أن تبقى بعيداً،
غيرَ مرئى
تُطلُّ من زاوية النافذة
على استعراضات الخراتيت والخنازير البرية
وعلى عصابات الضباع تطارد الموظفات العائدات من العمل
كيف تختطف الجوارحُ الأطفال وتطير بهم إلى أوكارها فىالأعالى
دون أن تلحظكَ
العينُ الثاقبةُ للقناص الذى يمسح الأفق بمنظاره
..........
رهانُكَ أن تبقى بعيدا

*

استمتعْ بلحظة الدخول إلى البيت
وإغلاقِ الأبواب بالأقفال والسلاسل
وتفقّدِ الغرفَ والزوايا بالكشافات والأسلحة
ثم،
إجلسْ على الأريكة فى الصالة
تلك المسنودة إلى الحائط ، بعيداً عن النافذة
الأريكة التى يغمرها الظلام وتكشف البيت كله
وتتيح لك الإنصات للأصوات بالخارج

عندما تنتزعَ النجاة كل يوم
يكون للحظات المتتابعة طعمُ الحلوى
وتصبح للدقائق أسماؤها

*

لا تجرّبْ حيل الضعفاء
بعض الفرائس ترتدى جلود الوحوش
قردٌ فى إهاب أسد
كلبٌ يرتدى جلد نمر
وقطٌ فى هيئة فيل آسيوى
يحيون باحثين عن أصوات الجلود التى يرتدونها

وبينما يتعثرون فى هيئاتهم
يعرفون كم أنهم ضعفاء
وأنهم فرائس على لائحة الالتهام
لكنهم يعتقدون أنهم يؤدون ما عليهم تجاه أنفسهم
حتى إنهم يتغافلون عن الكواسر التى تتلمظ وتلعق أشداقها
عند عبورهم

*
وقد نجوتَ اليوم
لا يعنى أن لديك رصيدا من النجاة
كلُّ ظهور وسط الناس
سباحةٌ فىمياة مليئة بأسماك القرش
وعليكَ أن تحمل القفص الزجاجى الذى تحتمى داخله ،
على ظهرك
وفى اللحظة المناسبة،
تدخله وتشاهد
كيف تضرب تلك الكائنات أخطامها
بالجدران الشفافة التى تحميك،
إلى أن تيأس وتبتعد
وساعتها تخرج وتواصل الهرب.


----------------------------
*شاعر مصري – والقصيدة من مخطوط ديوان " محاولة لإنقاذ جيفارا"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى