أحلام دردغاني - رزْمَةُ أَوراقٍ

لحَظاتٌ بارِدَةٌ ، لا شيءَ يوحي بالحياةِ سوى خيطِ نورٍ ضئيلٍ ينسَرِبُ مِنْ كُوَّةٍ شقَّتْ طريقَها بفِعلِ تَصَدُّعِ الحائِطِ آخرَ موسِمٍ لشِتاءٍ قارِسٍ.
منذُ أَن أعلنَت موتَها الزَّمنِيِّ لم تسمَحْ لصفيرِ الرِّيحِ أَنْ يصُمَّ أُذنيها ، كان همُّها أَن تكتُبَ وتُكَدِّسَ أَفكارَها في رُزمَةٍ . مُجرَّدُ أَوراقٍ تَجمَّعَتْ في أُلفَةٍ مُشَكِّلَةً حدثًا بارِزًا .
أَلبارِحَةُ تَلَقَّت اتِّصالًا شَكَّلَ مُفترَقًا في حياةٍ تصدَّعت بين جُدرانٍ التهمَهَا العَفَنُ .
حملت رودين أَوراقَها كأَنَّها تُحفَةٌ نادِرَةٌ ،هي مولودُها الأوَّلُ ، إنْ وفَّى الرَّجُلُ بوعدِهِ سيرَى كتابُها النُّورَ مطلعَ العامِ الجديدِ .
اقتربَتْ منهُ بخجَلٍ مُتمتِمَةً بصوتٍ كنايٍ حزينٍ بُحَّ ...
هل أَنتَ جادٌّ يا سَيِّدُ !
تفضَّلي بالجلوسِ ، العبارَةُ أَلقت عن كاهِلها حملَ خجلٍ كبيرٍ وهي الَّتي اعتادَتِ الموتَ في غُرفتِها القبْرِ !..
ماتَ ذووها آخرَ زلزالٍ ضرَبَ مدينتهُم ، تصدَّعَ المنزِلُ ، احتفظت بما تبقَّى من أَغراضٍ في غرفَةٍ تخلو منْ أَسبابِ الحياةِ ومضَتْ تَعُدُّ الأَيامَ وتُدَوِّنُ أَفكارَها على ورَقٍ تطايَرَ مِنْ منزِلٍ بعيدٍ ...
مَنْ تبقَّى منْ أَلناسِ في بَلدَتِها على قيدِ الحياةِ اعتبرها خارِجَ الزَّمنِ ...
فانعَكَفَتْ على التّدوينِ إلى أَنْ تكدَّستْ أَفكارُها في رُزْمَةٍ !...
أَعادَها صوتُ مُحدِّثِها إلى واقِعٍ طالما لم يَمُتَّ لها بصِلَةٍ .
نعم يا سيِّدُ ها هي أَوراقِي ، هل أَنتَ جادٌّ ؟
طبعًا وإِلّا لما أَشرتُ إِليكِ بالمجيءِ .
أَتعلمينَ يا ابنتِي أَنتِ تستَحِقِّين النَّجاحَ الَّذي ينتَظِرُكِ .
وقَعَتِ الأَوراقُ منْ يَدِها وتبعثَرت على مكتبِهِ ...
قالَ لها : يا ابنَتِي !
منذُ أَعوامٍ لم يُكَلِّمها أَحَدٌ ، وفجأَةً : يا ابنَتِي !..
ماذا فعَلَت لتَستَحِقَّ كلَّ هذا الثَّناءِ ؟
تأَمَّلَتْهُ مَلِيًّا ...
نعم هو يُشبِهُها أَو بالأَحرى هي تُشبِهُهُ ، هل هو ؟؟؟
قد يكونُ أَحدَ أَنسبائِها !
لكنْ لن تتوَهَّمَ ، وماذا سيُفيدُها ذلِكَ وقدْ ذاقَتِ الموتَ أَلفَ مرَّةٍ ...
أَينَ كانَ هذا النَّسيبُ ؟ ولمَ عليها أَن تنتَمِيَ إِليهِ اليومَ ؟
حملَتْ أَوراقَها عازِمَةً على العودَةِ منْ حيثُ أَتْت ، حاول إِيقافَها فوقَعتْ قِلادَتُها أَرضًا ، وفجأَةً لمحَتْ صورَتَهُ بجانِبِ صورَةِ أُمِّها ، غامَ الوُجودُ ولم تَعُدْ ترى سوى حجارَةٍ تتساقَطُ منْ رُكن منزِلٍ قديمٍ والأَرضُ تَميدُ مُزَلزِلَةً أَركانَ وجودٍ هَرِمٍ ، مُبعثِرَةً أَوراقَ قِصَّةٍ تتكرَّرُ كُلَّ زَمنٍ .
Ahlam
Ahlam Dardaghani
صباح الخير والأمل
من مجموعتي القصصية
Ahlam
Ahlam Dardaghani
اصْطخابُ البحرِ

يتكسّرُ الموجُ مطأطِئًا ،
أَلوانُهُ اختلفَت
توقَّفَ قَلبُهُ وهَوَتِ الحياةُ .
اللُّجَبُ تستصرِخُ هاماتِ جبالٍ
كَسيرَةَ الطَّرفِ ،
الجثَثُ تطفو على صفحةِ العُبابِ
والشّمسُ تتوارى خلفَ أسمالِ الزَّبدِ .
هو الصَّقيعُ الأزرَقُ يُدَثِّرُ المساءَ بالشُّحوبِ .
سأَكتُمُ الصَّرخاتِ المُدَوِّيَةَ
في أَعماقِ روحي :
السَّلامُ في قيلولَةٍ أَبدِيَّةٍ
والحريَّةُ تقطُرُ دمًا دافِئًا ،
كأَنَّها الطَّريدَةُ الرَّخصَةُ
في سُهوبِ البربريَّةِ القديمةِ
تتربَّصُ بالأملِ بحماسَةِ ذئبٍ رديْءٍ .
الغروبُ ثقيلٌ موحِشٌ
أَيُّ الأَلوانِ تصطَرِعُ في اندفاعاتِهِ ،
وهوَ العازِمُ أَلّا يَترُكَ فكرةً جميلَةً للصَّباحِ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى