محمد شعير - القطار..

«والله ما حيمشى فى ميعاده»؛ هتفتُ صائحًا بها وسط رفقائى فى محطة القطار، على غرار صيحة «وجدتُها» النيوتنية الشهيرة، لكن دونما ظفرٍ وسعادة، بل بتوترٍ وخيبة.
قبل أن أقولها، كانتْ عينى - كعادتها المزعجة لى- قد أنهتْ قراءةً فاحصةً لكل التفاصيل المحيطة بالقطار داخل المحطة؛ الاستعداداتِ الأخيرة المُفترضة قبل الانطلاق، البواباتِ الحديدية المواربة دون مفتشين يقفون عندها لمراجعة التذاكر، الشاشةِ الإلكترونية الضخمة ذات الخانة المُعطلة الوحيدة أمام رقم قطارنا، وكل هذه الجدية التى تكسو ملامحَ وجه سائق القطار وهو منهمكٌ فى إنجاز أعمالٍ، بدت مهمةً وعاجلة، لكنها جميعا داخل المحطة. فمتى سوف ينطلق القطار إذن؟!.
أطلقتُ صيحتى تلك، ولم أنظر فى أعين رفقائى لاستطلاع آرائهم فى ما قلت، أسندتُ ظهرى إلى عامودٍ ضخمٍ برز قليلا عن جدار المحطة، رفعتُ يدى اليمنى لتمسكَ رأسى، فتعثرتْ فى توترها حتى كادتْ تُصفِّى عينى.
اقتربَ أحدُ رفقائى، رَبَتَ على كتفى، وبابتسامةٍ هادئةٍ وصوتٍ خافتٍ قال مُسدِّدًا نظره إلى عينى: «كانت واضحة من أول دخولنا المحطة.. قلت لك». اخترتُ من المشاعر المتداخلة التى حملتْها كلماتُه لى شعورَ التعزية لا التشفي، وتفاعلتُ معه، رددتُ زافرًا حممَ أنفاسى المتلاحقة: «لكن احنا كدة حنتأخر.. حنتأخر.. حنتأخر»!.
خُيِّلَ لى مع تصاعد درجةِ وحدَّةِ صوتى، عند تكرار الكلمة، أنها انطلقتْ فى دوائر من الموجات الصوتية، ظلت تعلو وتتسع، لتتلاشى بالتدريج فى الفراغ أعلى المحطة شاهقةِ البنيان.
شعرتُ بصداعٍ مفاجئ فى رأسى، رفعتُ إليها يدي من جديد، ظللتُ أتَلَفَّتُ وسط الضجيج. لمحتُ على بعدٍ إلى اليسار بابَ المحطة، وكانت قد تسلِّلتْ منه بقايا أشعةِ شمسٍ، بدتْ ساطعةً فى الخارج.

محمد شعير




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى