عبدالله عبدالإله باسلامه - فن التجويع..

كان في العصور الغابرة يستخدم كسلاح وحشي بهدف الاخضاع والسيطرة، لكنه اليوم رغم قسوته ووحشيته تحول إلى علم، وفن كبير استطاعت أمريكا، ومجموعة السبع، وماسوني كارتيلات عالم المال ترويض شعوب العالم بواسطته، تماما كما تروض حيوانات السيرك .

إنه فن وسلاح (التجويع) الذي أتخذ اليوم أشكالا، واسماء، وأقنعة كثيرة ومتنوعة استطاعت تحقيق وتجسيد حلم المواطن الأمريكي - وحتى الأوروبي بشكل عام - طوال العقود الماضية والمسمى( بالحلم الأمريكي) .

ويتمثل هذا الحلم الوطني، والشعبي في تمليك كل مواطن أمريكي منزلا ثمنه بضع مئات الآلاف من الدولارات، وسيارة حديثة، وسياج أبيض يحيط بحديقة واسعة، ومتوسط دخل مابين ٦٠ إلى ٩٠ ألف دولار سنويا ،وتأمين صحي، وتعليم مجاني وضمان تقاعد مجزي، مع العيش في بيئة آمنة، ومستقرة تحت ظل دولة قوية، ومسيطرة استطاعت إيجاد مصادر دخل ثابتة، وتدفق ثروات طائلة طوال العقود الماضية عبر ممارستها فن التجويع على دول العالم الثالث وعلى رأسها الدول العربية والإفريقية تجويع اقتصادي، وتجويع أمني وعسكري،وتجويع علمي، ومعرفي، وتقني ،وتكنولوجي....الخ

بل أن أمريكا بلغت في هذا الفن حدا جعلها تعتقد بأنها وصلت إلى مرتبة الألوهية، ترزق من تشاء، وتقدر الرزق على من تشاء، الأدهى من ذلك أن الشعوب المجوعة والمحرومة آمنت وسلمت بأن جوعها، وعريها، وتخلفها قضاء وقدر ، وسنة من السنن الإلهية، وظاهرة طبيعية، وعند أحسن الظانين ابتلاء إلهي يجب الصبر عليه !.

مقابل أن يحظى المواطن الأمريكي بمنزل جميل يجب أن يكون خمسين مواطنا في الجانب الآخر من العالم بلا مأوى، وكي يحظى العامل الأمريكي براتب جيد يجب أن يكون مئات العمال في دول العالم الثالث عاطلين عن العمل، ولكي يتراوح دخل المواطن الأمريكي مابين ٦٠الى ٩٠ ألف دولار سنويا يجب أن يبقى دخل الفرد في دول العالم الثالث مابين ألفين إلى ثمانية آلف دولار، ولا يتعدى عشرة آلاف دولار فقط سنويا .

ومن أجل أن يعيش المواطن الأمريكي، والأوروبي في بيئة آمنة ومستقرة، وخلق تجانس في مجتمعاته المتنافرة المختلفة ، يجب خلق بيئة متوترة غير مستقرة في دول العالم الثالث، وزرع بذور صراع مذهبي،وسياسي ، وعرقي، وطائفي، ذو طابع حربي ودموي،وبيئي دائم متجدد، وبفضله تشتغل وتزدهر مصانع الأسلحة، والأدوية .

ومن أجل سيادة الدولار يجب تحطيم إقتصاد كل الدول التي تحاول استبداله بعملة أخرى، والعمل على نهب نفائس الكنوز من الذهب،والمعادن، والثروات ،وأن لا تتوانى عن تدمير اي دولة ولو كانت بحجم الصين - مثلا - ومحاصرة شعبها البالغ مليار ونصف من أجل الهيمنة على تكنولوجيا الاتصالات، والمعلومات، وتبقى الصين جائعة تقنيا وحضاريا .

حتى الاستجابة الطبيعية للدفاع عن النفس، أو المطالبة بحق شرعي في الحياة الكريمة تقف القيم الأمريكية لها بالمرصاد بإسم الدفاع الطبيعي ضد ما يهدد المصالح، أو الوجود والطغيان الأمريكي ، وليست السيطرة المالية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والمعلوماتية، والعسكرية الفاحشة، وليست الحرب الباردة مع الروس، والصين، وحصار إيران، وكوريا،ودول جنوب أمريكا،وتلك الحروب التي تشنها، والثورات التي تدعمها.... إلخ
ليست نتائج سيئة لسياسات تلك الدول العدائية تجاه أمريكا، كما تحاول القيم الأمريكية البائسة تصويره للعالم بل هو ما تعتقده أمريكا وتؤمن بأنه حق لها، وأنها تستخدم الإجراءات السليمة - بالنسبة لها - بغض النظر عن ظلمها، وقسوتها،وبشاعتها، ودمويتها مادام أنها تكفل استدامة الحلم الأمريكي في الأرض كحق شرعي، وليس مجرد طموح .

ولأن من البديهي أن يثور العالم، وتسخط الشعوب على هذا الظلم فقد تم إنشاء ودعم سلسلة من المنظمات العالمية على رأسها (هيئة الأمم المتحدة) لتمتص غضب الدول، وصراخها، وجوعها ،ووجعها، وشحنات قهر وتمرد شعوبها، ثم تعكسها بشكل قرارات ليتم تفريغها عبر التصويت الأممي ، فيتم سلب إرادة اي شعب، وتفريق دمه، والتفريط في حقه، وسحقه ،ومحو تاريخه، وحاضره، ورهن مستقبله بيد ما يربو على مائة وثلاثة وتسعين دولة، وبهذه الديمقراطية الوقحة تنجو أمريكا والدول العظمى من تحمل الوزر لوحدها، أو توجيه العداء نحوها، وبتعدد الغرماء يضيع الحق فلا تملك الشعوب إلا أن تعض على لسانها، وتلطم خدها، وتعود لتلعن وتأكل بعضها البعض .

لعل أعظم وأطول خدعة نعيشها منذ أكثر من قرن هي التسليم بأن الغرب تطور وتفوق وتقدم لأنه تعلم أما نحن فلم نتعلم ،ولا نريد أن نتعلم .

والحقيقية أن تعليمنا سيء، وصناعتنا رديئة، وصحتنا متدهورة، وبيئتنا قذرة، واسلحتنا ركيكة، ونحن فقراء ،ومهزومون... ليس لأننا أغبياء، أو متخلفون، أو كسالى، أو جبناء... بإرادتنا بل لأنه يراد بنا ذلك، وثمة من يعمل ليل نهار كي نبقى كذلك.

تتصحر أراضينا، وتتعفن قوانا، وتكسد طموحاتنا وشبابنا ليس لأننا لا نملك القوة والقدرة على العمل،والبناء ، والزراعة، أو أن أرضنا بور ، وسمائنا وعملتنا... بل هو العكس تماما فأرضنا أكثر خصوبة، وأوفر مياه، واغزر إنتاجا، وافضل وأكثر محصولا وأقل تكلفة، وأرضنا تنضح بالثروات والخيرات، وشبابنا ممتلئين قوة وعضلات، ومجتمعاتنا حبالى بالمعجزات، ولا حدود لقدراتنا، وطموحاتنا ، ونستطيع حرث البحار، وحلب الصخور ،وزراعة القمح في جيوب السحاب، وخرق المستحيلات، لكن تحقيق ذلك مرهون بأمر واحد وهو (( الحرية)) .
عبدالله
عبدالله عبدالاله
نحتاج أن نكون ((أحرارا أولا)) أحرار في أرضنا،وتجارتنا وزراعتنا،وفي استخراج واستثمار ثرواتنا، أحرار في أموالنا وعملتنا، أحرار حتى في حروبنا، وفي إختيار أعدائنا، أو أصدقائنا.

أن نتمرد على من يمارس فن الترويض بتجويعنا، على من يهيمن على اقتصادنا فيجبرنا على الاستيراد منه، ويمنعنا من التصدير إليه ،نتمرد على من يمنعنا من الزراعة ،ويحول بيننا وبين حصولنا علىالاكتفاء الذاتي، ويمنعنا من التصنيع، ومن التسلح، ويقف حجر عثرة أمام تقدمنا وتعلمنا،يرفض تركنا لحالنا بقدر ما يرفض مشاركتنا المعلومة، ويحتكر لنفسه كل أنظمة التقدم العلمية، والتكنولوجية، والعسكرية، والطبية ولا يبالي بجوعنا ، ومخاوفنا، وأمراضا.

لدرجة أن الغرب فضل اليوم إبادة شعوب العالم الثالث كله على أن يشارك حكومات الدول المنكوبة (بجائحة كورونا) سر تصنيع اللقاح ، من أجل أن يبدا تلقيح (مواطنيه أولا)، ثم يبيعه لاحقا !! أما الشعوب المنهوبة، المنكوبة، المجوعة،المروضة فيتم إرسال ما نسبته حقنة تطعيم واحدة لكل عشرة ألف مصاب، ولا يدل هذا على مستوى نجاح الغرب في ترويض شعوب العالم الثالث فقط، بل يدل على مستوى إنحدار حكومات وشعوب تلك الدول، وبلوغها مستويات من الاستلاب، والخضوع، والاستعباد تفوق حيوانات السيرك .

عبدالله عبدالإله باسلامه.
اليمن / ذمار/ يونيو /2021 م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى