بروفيسور لطفي منصور - كِتابُ "الْمُطْرِبْ مِنْ أشْعارِ أَهْلِ الْمَغْرِبْ"

أَلَّفَهُ أبو الْخَطّابِ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ المَعْروفُ بِابْنِ دَِحْيَةَ الْكَلْبِي الْمُلَقَّبُ بِذي النَّسَبَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ (ت٦٣٣هج).
هو الْجيلُ الثّامنُ لِجَدِّهِ الصَّحابي دَِحْيَةَ الْكَلْبي رَسولِ رَسولِ اللَّهِ إلَى مُلوكِ الْغَساسِنَةِ في الشّامِ يَدْعوهم إلَى الإسْلامِ، وماتَ في الشَّامِ، وَيُعْتَقَدُ أنَّ ضَريحَهُ في قريَةٍ فِلِسْطينيَّةٍ تُسَمّى الدَّحِي في شَرْقِيِّ الجليل.
كانَ ابْنْ دِحْيَةَ الأَنْدَلُسِيُّ شاعِرًا مَرْموقًا، مُعْتَزًّا بِنَفْسِهِ وَبِنَسَبِهِ، مُنْشَغِلًا في كَشْفِ عُيوبِ الأَئِمَّةِ والأُدَباءِ والشُّعَراءِ، فَلَمْ يُحِبَّهُ الآخَرونَ وَتَعَرَّضَ لِهِجائِهِمْ الْمُقْذِعِ وَغَمْزِ نَسَبِهِ، واتِّصالِهِ بالصَّحابِيِّ دَِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ.
كانَ شاعِرُنا مِنْ كِبارِ الْمُؤلِّفينَ الْكِبارِ، فَهوَ أوَّلُ مَنْ وَضَعَ كِتابًا في الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ وهو "التَّنْوير في مَولدِ السِّراجِ المُنير" ألَّفَهُ لِصاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَأعطاهِ ألْفَ دِينارٍ ذَهَبًا، ولَهُ كَثيرٌ مِنَ الْكُتُبِ التي وَصَلَتْنا تجدونَ ذِكْرَها في (صفحة ٨١) من مقَدِّمَةِ كتابِهِ "تنبيهُ البَصائرِ في أسماءِ أُمِّ الْكَبائِرِ" وَهُو بتحقيقي ودِراستي، صَدَرَ في طبعتيْنِ الأولى في مركزِ دراساتِ الأَدَبِ العربي في كليَّة بيت بيرل، (سنةَ ٢٠٠٥م) ، والثّانيَّة في دار الفِكْرِ في عَمّان الأردُنِّ (سنةَ ٢٠٠٧م). تجدونَ في هذا الْكتابِ كُلَّ ما تُريدونَ من أَخبارِ ابنِ دَِحْيَةَ الْكَلبِيِّ، جَمَعُتُها وَنَسَّقْتُها في مُقَدِّمَةِ الْكِتاب.
وَمِنْ كُتُبِهِ الْمُهِمَّةِ الَّتي أَحْبَبْتُ أنْ تَطَّلِعُوا عليها كتابُهُ "الْمُطْرِبْ مِنْ أَشْعارِ أَهْلِ الْمَغْرِبْ". هو شِعْرٌ انتَخَبَهُ ابْنُ دَِحْيَةَ مِنْ شِعْرِ شُعَراءِ شَمالِ أفْريقِيَّةَ والأنْدَلُسِ الذينَ عاصَرَهُم وَمَنْ عاشَ قَبْلَهم مِنَ القُرونِ.
حَظِيَ الكتابُ الضَّخْمُ بتحقيقِ خَمْسَةٍ مِنْ كبارِ المحقِّقينَ المصْريِّينَ، تَحْتَ إشْرافِ عَميدِ الأَدَبِ الْعَرَبِيِّ الدّكتور طهَ حُسين، وصَدَرَتِ الطَّبْعَةُ الأولَى (سنةَ ١٩٥)، وأُعِيدَ طَبْعُ الكتابِ لِأَهَمِّيَّتِهِ سنةَ (١٩٩).
أرَدْتُ مِنْ هذا الطَّرْحِ أنْ أُطْلِعَكُم عَلَى نَماذِجَ مِنْ أشْعارِ أهْلِ الْمَغْرِبِ اختارَها لَنا الشّاعِرُ ابنُ دَِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ:
١- مِنْ شِعْرِ ابنِ قاضي مِيلَةَ، وَهِيَ قريَةٌ قُرْبَ بَجّايَة الجزائِرِيَّة: مِنَ الرَّمَل في الغَزَلِ، وكانَ يُقَلِّدُ عُمَرَ بْنَ أبي رَبيعَةَ.
قُلْتُ لِلْجَسْناءِ لَمّا أَبْصَرَتْ
دَمْعَ عَيْنِي قَدْ جَرَى فيما جَرَى
لا تَظُنِّي الدَّمْعَ فِيما عايَنْتِهِ
أَنا مَنْ يُهْدِي إلَيْكِ الْخَبَرَا
جالَ في خَدَّيْكِ مِنْ ماءِ الصِّبَى
رَوْنَقٌ يَسْبي سَناهُ الْبَشَرا
تَأْخْذُ الأجْفانُ مِنْهُ رِيَّهَا
فَإذا جازَ التَّناهي قَطَرا
٢- وَلَهُ أيْضًا: مِنَ الْخَفيف
رَحَلَ الرَّكْبُ والْمَشُوقِ مُقِيمُ
كَيْفَ يَسْرِي مَعَ الصِّحاحِ السَّقِيمُ
(المَشوقُ: الْمُشْتاقُ، يَسْرِي: يسيرُ لَيْلًا. الصِّحاحُ: الأَبْرِياءُ، والرّْبُ لا يَكونُ إلّا لِلْجِمالِ)
وَبِتِلْكَ الْقِبابِ رِيمٌ تَوَلَّى
وَضُلوعي كَهْفٌ لَهُ وَرَقِيمُ
(الرّقيمُ: الكهْفُ المرقومُ بِالْحِجارَةِ)
٣- وَلِيَعْمُرَ بنِ مَيْمونٍ الْخَوْلاني
( الخَوْلاني منسوبْ إلَى خَوْلانَ في اليَمَنِ، ومنهم أبو مُسْلِمٍ الخَوْلانِيُّ مِنْ كِبارِ التّابِعينَ وَمِنْ رُواةِ الْحَدِيثِ) قِطْعَةٌ مِنَ الْبَسِيط يُخاطِبُ بِها صَديقًا حَميمًا لَهُ .
نُبِّئْتُ أنَّكَ مُولٍ لا تُكَلِّمُنِي
فَبِتُّ خائِفَ هَجْرٍ مِنْكَ قَدْ حَدَثَا
(مولٍ : حالِفٌ أَوْ مُقْسِمٌ، مِنْ آلَى الرَّجُلُ أَلِيَّةً أيْ حَلَفَ قَسَمًا، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أيْ أَقْسَمْتُ. خائِفَ خَبَرُ بِتُّ من باتَ، والتّاءُ اسْمُها، الهَجْرُ: المُقاطَعَةُ)
وَما يَفِي النَّذْرَ مَنْ آلَى بِمَعْصِيَةٍ
هَذي مَقالَةُ مَنْ بِالْحَقِّ قَدْ بُعِثا
(آلَى بِمَعْصِيَةٍ: أَقْسَمَ عَلَى حَرامٍ. وفي الشَّطْرِ الثََاني يعني الرَّسولَ عليهِ السَّلام)
فَاحْنِثْ فَحِنْثُكَ وَصْلِي وَهْوَ مُعْتِقِي
وَالْعِتْقُ غايَةُ تَكْفيرٍ لِمَنْ حَنَثا
(الْحَنَثُ في اليَمينِ: الْخُلْفُ فِيه. يقولُ: الْحِنْثُ مِنْكَ يُحَرِّرُني مِنَ الْهَجْرِ، لِأَنَّكَ سَتَرْتَكِبُ في الْحِنْثِ مَعْصِيَةً، وعندَئِذٍ تحتاجُ إلَى كَفّارَةٍ، وخَيْرُ كَفّارَةِ يَمِينِكَ عِتْقِي)
فَإنْ تَحَرَّجْتَ مِنْ إثْمٍ وَخِفْتَ لَهُ
فَأَعْظَمُ الْإثْمِ قَتْلَي في الْهَوَى عَبَثا


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى