خالد محمد مندور - رأسمالية الدولة ولون القط.. جدل التاريخ

هل يهم لون القط ما دام قادرا على الإمساك بالفئران؟ هكذا صرح دينج هسياو بنج عندما نوقش في السياسة الاقتصادية الصينية في ثمانينات القرن الماضي، ويبدو الامر مثيرا للجدل، برغم نجاح القط في الإمساك بالفئران الصينية، نجاحا فاق كل التوقعات.
وبرغم تعدد ألوان القطط في التجربة الصينية فان خبرة الخروج من التخلف في الصين تحتاج الى دراستها، ليس فقط دراسة التطورات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، بل أيضا في علاقتها بالأوضاع الدولية، الامر نفسه الذي ينطبق على التجارب السنغافورية، والماليزية، والفيتنامية، والبرازيلية.
واعتقد ان هناك مزيدا من التطورات الكبيرة في هذه البلدان، بالذات في البلدان التي تقودها أحزابا اشتراكية، عندما يتزايد التناقض بين شكل الحكم وبين التطورات الاجتماعية ، اذا تزايد !.
ولأيمكن التنبؤ بهذه التطورات ومداها وكيفية حدوثها، فشكل الحكم في هذه البلدان هو شكل انتقالي من الزاوية التاريخية.
واللافت للنظر في معظم ان لم يكن كل هذه البلدان، الدور القائد للدولة ليس فقط على صعيد قيادة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بل أيضا بإسهامها المباشر في الاستثمار بحيث أصبحت أحد اهم الرأسماليين أن لم يكن اهمهم على الاطلاق.
ولابد من التفرقة بين استثمارات الدولة، التي لا يخلو منها اى اقتصاد متقدم، وبين ما اصطلح على تسميته برأسمالية الدولة.
فرأسمالية الدولة في البلدان الأقل تطورا لا تعنى مجرد قيام الدولة بالاستثمار المباشر مثل ما يحدث في البلدان المتقدمة، بل يترتب عليها تغييرات اجتماعية وطبقية تتجاوز بكثير ما يحدث في البلدان المتطورة، كنتيجة منطقية لضعف التبلور الطبقي والتأثيرات الكبيرة للعلاقة مع السوق العالمية.
ولا يجب تعميم تجربة رأسمالية الدولة في زمن ما او بلد ما واعتباره النموذج السائد، فكل بلد له تجربته وظروفه الخاصة.
فرأسمالية الدولة لا تكتسب طابعها من ملكية الدولة للاستثمارات، ولكن من الطابع الاجتماعي لتوزيع الفائض الاقتصادي ومن شكل الحكم.
ولذلك يبدو الامر مثيرا للجدل حين تحاول روسيا السوفيتية، في السنوات الأولى للحكم السوفيتي، تبنى سياسات اقتصادية أطلق عليها السياسات الاقتصادية الجديدة "النب" بتشجيع النمو الرأسمالي ودعوة الاستثمارات الأجنبية للقدوم للبلاد في محاولة للخروج من الدمار الشامل للحرب العالمية الأولى وما اعقبها من حرب أهلية.
واعتقد انه لا يوجد سبيلا امام بلادنا للتقدم الا برأسمالية الدولة، الامر الذي لا يعنى بالضرورة العودة لنموذج سابق سواء بنتائجه الطبقية والسياسية، فالأمر رهن بمسار الصراع الطبقي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى