عبدالرزاق دحنون - رحم الله شيوعيَّة ماو تسي تونغ

ما أحوجنا اليوم أن نفهم أنفسنا، أن نتأمل حياتنا، وأن نعرف، عن وعي نقدي وبصيرة علمية، سبيلنا إلى النهوض وتطوير حياتنا، والارتقاء بها، والشرط الأول لهذا كلّه أن ندرك معنى المجتمع، من حيث هو بنية قائمة على التكافل والتفاعل والتضامن المشترك أو المتبادل. في هذا السياق تناقلت وسائل إعلام صينية ودولية مصطلح "الرخاء المشترك" لتحقيق توزيع عادل للثروة في المجتمع الصيني. وتحضرني هنا حادثة طريفة عندما سؤل الكاتب الإيرلندي الساخر جورج برنارد شو عن سبب خفَّة شعر رأسه وكثافة لحيته فقال: شعر رأسي يُشبه النظام الرأسمالي غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع. وقد ذُكر بأن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لمّا كانت الصين دولة فقيرة، هو من أطلق عبارة “الرخاء المشترك” لأول مرة في الخمسينات من القرن الماضي وكررها في الثمانينات دنغ شياو بينغ، الذي قام بتحديث الاقتصاد الذي دمرته الثورة الثقافية. يقول المثل: "عير واستعير يصير لك مقدار كبير" فما الذي استعارته الصين التي يحكمها الحزب الشيوعي من النظام الرأسمالي وماذا تركت؟ القمر استعار نور الشمس فصار أغنية على شفاه البشر. فهل تستطيع الصين فعل ذلك، أم أن الخلل القائم الآن بين اقتصادها الرأسمالي والتوجهات الأيديولوجية سيتعمق في المجتمع الصيني، وهل المد المرتفع يمكن أن يحمل المراكب جميعها؟

في خطابه عام 2016 استكشف الرئيس الصيني شي جين بينغ جذور الفكرة التي تزعج هذه الأيام كبار رجال الأعمال في البلاد وتؤثر على سوق الأوراق المالية، وهي فكرة قد تحفز حملة الصين على قمع أصحاب الدروس الخصوصية، وفرض غرامات لمكافحة الاحتكار على شركات الإنترنت، وتحفيز فكرة جديدة أو مبادئ توجيهية حول معاملة عمال الوظائف المؤقتة وبعض الخطوات تجاه ضريبة الأملاك، بالإضافة إلى جمع التبرعات الخيرية الكبيرة من بعض أبرز الشركات في البلاد. هل هذه هي فكرة "الرخاء المشترك"؟

أشار شي جين بينغ إلى أن "الرخاء المشترك" كان نموذجًا مثاليًا للشعب الصيني منذ العصور القديمة. اعتنقه أسلافه من زعماء الحزب الشيوعي الصيني منهم طبعاً دينغ شياو بينغ ، الذي اشتهر بالسعادة للسماح للبعض بالثراء أولاً، وأصرَّ على أنهم بعد ذلك سيساعدون الآخرين على اللحاق بالركب المتأخر. لا يظهر هنا المثل الأعلى في كارل ماركس فحسب، بل في كونفوشيوس أيضًا، كما قال السيد شي جين بينغ. واقتبس سطرًا مشهورًا من (المنتخبات) يقول شيئًا مفاده أن القائد الحكيم لا يقلق بشأن الفقر بل بشأن عدم المساواة.

اليوم في الصين في حدود "مئة مليون" يحملون بطاقة الحزب الشيوعي الصيني، وفي العاصمة بكين وحدها "مئة ملياردير" وفق قائمة مجلة "فوربس" لعام 2021 لأصحاب المليارات في العالم، فقد أضافت لعاصمة الصينية في العام 2020 في حدود 33 مليارديراً، فبلغ المجموع مئة ملياردير، وخاصة مع انتعاش البلاد بسرعة بعد جائحة كوفيد-19 التي انطلقت من مدينة ووهان. وعلى سبيل المثال تضم نيويورك 99 مليارديراً.

وأغنى عضو جديد في القائمة في بكين يبلغ من العمر 34 عاماً، وهو وانغ نينغ، الذي أدرجت شركته للألعاب "بوب مارت"، في بورصة هونغ كونغ في ديسمبر (كانون الأول) 2020. وفي هذه الأثناء، ضاعف جانغ ييمينغ، أغنى مقيم في بكين ومؤسس "تيك توك"، صافي ثروته إلى 35.6 مليار دولار.

فجوة هائلة في الثروة بين من يملك ومن لا يملك في جميع أنحاء الصين، فجوة ثراء لا يمكن ردمها بين صيني وصيني. وهل علينا ردمها؟ تسأل القيادة الشيوعية الصينية نفسها. ومن هنا يتردد في الصين مصطلح "الرخاء المشترك" ويأخذ زخماً أقوى عندما يكون على لسان الرئيس شي جين بينغ، سعيا لتضييق فجوة الثروة المتزايدة التي تهدد الصعود الاقتصادي للبلاد وشرعية حكم الحزب الشيوعي.

وعندما يقارن الصينيون الذين عاصروا الثورة الثقافية التي أدارها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في ستينات القرن الماضي، إبّان ثورة البروليتاريا للحزب الشيوعي الصيني، فإنهم يجدون من الجيل الصيني الشاب رداً معقولاً عن النجاحات الاقتصادية التي حققها الرئيس الصيني خلال ولايتين رئاسيتين. ويتحوّل انتباه الرئيس الصيني الذي سيسعى نحو حل معضلة عدم المساواة بعد الانتهاء من حملة للقضاء على الفقر المدقع، وتعهد بإحراز تقدم قوي نحو الرخاء المشترك بحلول 2035 وتحقيق الهدف بشكل أساسي بحلول سنة 2050.

ماذا يعني "الرخاء المشترك" الذي تتحدث عنه القيادة الشيوعية في الصين وكيف تعمل على تحفيزه؟ أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ أوامر باتخاذ إجراءات واسعة النطاق لضبط صناعة الترفيه في البلاد، حيث بدأت هيئة الرقابة على البث حظر نجوم السينما الذين يتبنون مواقف سياسية تقول بكين بأنها وجهات نظر "خاطئة" ووضع حد أقصى للرواتب وكبح ثقافة الإعجاب بالمشاهير. وتعهد مسؤولون من دائرة الدعاية في مقابلة مع صحيفة الشعب اليومية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، بتشديد العقوبة على المشاهير غير الأخلاقيين وتوسيع نطاق الرقابة التنظيمية المتعلقة بالشركات المرتبطة بوسائل الإعلام وعقود الدعاية والإعلان.

وتكثف الحكومة من أنشطة الرقابة على ما وصفته وسائل الإعلام الحكومية بأنه عبادة الأوثان غير اللائقة، والثروة المفرطة التي يحتفظ بها البعض والممارسات الضريبية المشكوك فيها. وكانت هيئة تنظيم الفضاء الإلكتروني الصينية طلبت من منصات التواصل الاجتماعي إزالة جميع تصنيفات المشاهير. وصدرت أوامر للممثلة شينج شوانج بدفع 299 مليون يوان في حدود 46 مليون دولار من الضرائب المتأخرة.

أصبحت الصين قوة اقتصادية كبرى في ظل سياسة هجينة "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" لكن عدم المساواة تعمّق أيضا، خاصة بين المناطق الحضرية والريفية، وهو الانقسام الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي.

وشمل الدفع من أجل الرخاء المشترك سياسات تتراوح بين الحد من التهرب الضريبي والقيود على الساعات التي يمكن لموظفي قطاع التكنولوجيا العمل فيها لحظر الدروس الخصوصية والقيود الصارمة على الوقت الذي يمكن للقُصّر أن يقضوه في ألعاب الفيديو.

وأشار الرئيس الصيني إلى التزام متزايد بتحقيق الرخاء المشترك، مؤكدا أنه ليس مجرد هدف اقتصادي بل هو جوهر المبدأ الذي يقود الحزب. ويقول المسؤولون إن الرخاء المشترك ليس المساواتية. وقال مسؤول حزبي كبير إن "الرخاء المشترك لا يعني قتل الأثرياء لمساعدة الفقراء".

وتعهد القادة الصينيون باستخدام ضرائب وغيرها من أدوات إعادة توزيع الدخل لتوسيع نسبة المواطنين ذوي الدخل المتوسط، وزيادة دخل الفقراء، و”تعديل المداخيل المفرطة بعقلانية”، وحظر المدخول غير القانوني. وشجعت بكين صراحة الشركات والأفراد ذوي الدخل المرتفع على المساهمة بشكل أكبر في المجتمع عبر ما يسمى بـ”التوزيع الثالث”، والذي يشير إلى الأعمال الخيرية والتبرعات. وأعلنت العديد من الشركات الأكبر في صناعة التكنولوجيا عن تبرعات خيرية كبيرة ودعم جهود الإغاثة في حالات الكوارث. قالت شركة الألعاب الإلكترونية العملاقة "تينسنت القابضة المحدودة" إنها ستنفق 100 مليار يوان في حدود 15.47 مليار دولار على الازدهار المشترك.

وتكتسب الإصلاحات التي نوقشت منذ فترة طويلة، مثل تطبيق ضرائب الملكية والميراث لمعالجة فجوة الثروة، زخماً جديداً، لكن المطلعين على السياسة يعتقدون أن مثل هذه التغييرات لا تزال بعيدة المنال. وقال محللون إنه من المرجح أن يسير القادة الصينيون بحذر حتى لا يعرقلوا القطاع الخاص الذي كان محركاً حيوياً للنمو والوظائف.

ماو تسي تونغ في أقل من دقيقة:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى