مصطفى نصر - العلاقة بين العشق والفن

لقد أجريت دراسات على الحب، فاتضح أن هناك ميلا عاما من الرجال إلى المرأة الجميلة الجذابة، وميلا عاما من النساء للرجل القوي ذو المركز والمال، ففي التراث الشعي إذا اختلفت امرأة مع أخرى، تقول لها مهددة: " سأقول للي قانيكي ". تقصد ستشكوها لزوجها، بمعني أن الزوج يربي زوجته في بيته مثلما يربي الدواجن أو الحيوانات الأليفة.
وهذا الضعف الذي تبديه المرأة للرجل مرتبط أصلا بأنوثتها، فكثير من النساء تزهو فخرا بمدى تحكم الرجل فيها، وقد شاهدت هذا مرات عديدة، فأرملة جميلة ما أن مات زوجها حتى عاشت قصص حب متعاقبة، وكانت تتصرف كأنها فتاة في فترة مراهقتها، فقد أحبت صاحب محل في المنشية وعدها بالزواج، فتتصل به كل مساء، وتحدثه في بيت ابنتها المتزوجة في صوت خافت وحالم، وعندما تذهب لمكان ما، تتصل به وتستأذنه، وتقول لابنتها: " لا، لازم أقوله، بعدين يعرف ويزعل مني" وشاهدت وأنا صغير، امرأة متصابية مات زوجها المسن، كانت في زيارة مريض قريبها في المستشفى فتعتذر لأهله لأضطرارها للعودة للبيت مبكرة، ألا فلاني الفلاني ( اسم ابن زوجها ) يبهدلها. تقول هذا دون أن يسألها أحد عن سبب ذهابها المبكر، وإنما هي تسعد بإظهار ضعفها أمام ابن زوجها الذي يشاع بأنها على علاقة به، بل شاهدت هذا في بيت ملاصق لقهوة في منطقة اللبان ( مكان بقايا الكومبكير – أماكن الدعارة المرخصة ) كل سكان البيت من الرجال الشواذ، فقد كان لهم مكان في الكومبكير قبل إلغاءه. كل منهم يعيش مع رجل يتعامل معه على أنه زوجه وسيده، فسمعت أحدهم يقول للآخر في صوت يحاول أن يجعله نسائيا: " حاستنا إللي قانيكي واشتكيله "
00
وهناك علاقة غريبة بين العشق والفن، فقد يساهم العشق في تطور الفن، أو يكون العشق سببا في قتله.
فصبري النجريدي - طبيب الأسنان – ابن طنطا – أول من لحن لأم كلثوم بعد خروجها من دائرة الإنشاد الديني، ثم ارتباطها بأستاذها الأول – بعد والدها– الشيخ أبو العلا محمد الذي سجلت له اغنيتين هما أراك عصي الدمع وأكذب نفسي وهما من تلحين عبده الحامولي، وغنت له أغاني سبق أن غناها غيرها مثل صالح عبد الحي وفتحية أحمد. فكان أحمد صبري النجريدي أول من لحن لأم كلثوم أغاني خاصة بها وفي إطار عصري، ويقول سليم سحاب في مقالة له بمجلة وجهات نظر عن ذلك:
- أن أم كلثوم قد تعاملت معه في النصف الثاني من العشرينات وهي الطور الأول للإحتراف، فلم يستطع لعب دور الأستاذ في حياتها لسببين مرجحين:
الأول فني متعلق بتواضع حجمه الفني كملحن هاو.
والثاني شخصي متعلق – على ما يبدو – بتسرعه في الخلط بين العلاقة الفنية والعلاقة الشخصية، الأمر الذي قصر عمر العلاقة الفنية بينهما حتى وضع حدا لها في وقت مبكر.
فقد غضب أحمد صبري النجريدي من أم كلثوم عندما لحن لها محمد القصبجي، فهي بإحساسها الفني العالي، أحست بحاجتها لملحن مجدد وقدير مثل محمد القصبجي.
مأساة النجريدي التي أضاعت بمستقبله التلحيني، هو عشقه لام كلثوم. فبدلا من أن يكون هذا الحب دافعا لظهور ألحان جديدة ومتطورة، كان سببا في نهاية العلاقة بينهما وابتعاد طبيب الأسنان عن التلحين نهائيا، فعاد لمدينته طنطا ولم نعد نسمع شيئا عنه.
وأم كلثوم رغم موهبتها النادرة في الغناء هي أيضا أنثى، تحس بالرجل وقلبها ينبض إذا أعجبت به، فلم تتحرك أنوثتها أمام عشق محمد القصبجي لها، ولم يرتجف قلبها لكلمات أحمد رامي الرقيقة والضعيفة أمام جمالها وأنوثتها، لكنها كأي امرأة عادية، أعجبت بالشاب السكندري الوسيم محمود الشريف، فقد كان يمارس رياضة المصارعة وحمل الأثقال، ويحكي مطرب سكندري مشهور كان قريبا لمحمود الشريف، بأنه زاره في شقته وقت زواجه من أم كلثوم، ورآها تغسل قدميه أمام ضيوفه.
ويقول محمود الشريف لسليم سحاب في لقاء ببيت صلاح جاهين بأن موضوع زواجه من أم كلثوم كان مقرونا بمشروع فني بينها وبينه، لاحياء زخم المسرح الغنائي غير أن المشروعين - الزواج والمسرح الغنائي - انتهيا إلى فشل.
فقد اعطت أم كلثوم لزوجها محمود الشريف كلمات أغنية شمس الأصيل، ولحنها بالفعل، لكن لحنه لم يعجبها، فتذكرت أغنيتها " وقفت أودع حبيبي " لفريد غصن، التي لم تحقق نجاحا، مما دفعها إلى التوقف عن غنائها ثانية، بل تم إعدام التسجيل الوحيد الذي سجلته لها. لذا رفضت لحن زوجها رغم عشقها له، فقد كان صوتها وفنها أعلى حتى من عشقها، وسلمت كلمات الأغنية لرياض السنباطي، فلحنها وأعجبها تلحينه فغنتها.
وقد بدأت علاقة المطربة فايزة بشاب سكندري وسيم - مثل محمود الشريف - هو محمد سلطان، عندما وجد ورقة مكرمشة ملقاة بسلة المهملات بمعهد الموسيقى، مكتوب فيها أغنية " رشوا الورد على الصفين" تحية لاستقبال الجيش المصري العائد من اليمن، فلحنها وعرضها عليها وغنتها، ثم تزوجها. فبدأت بينهما علاقة عجيبة، صوت نادر الوجود، وملحن قدراته أقل من مكانة وجوهر صوتها، لكن كل هذا تلاشى أمام شبابه ووسامته، فاحتكر صوتها طوال فترة زواجهما، فقد سمعت محمد الموجي يقول في التليفزيون عنها:
- قالت لي إنه بيزعل لما اشتغل مع ملحن غيره.
ولقد ظلمتنا فايزة أحمد عندما امتنعت عن التعامل مع الملحنين الآخرين طوال فترة زواجها من محمد سلطان، فعلى رأي محمد عبد الوهاب: عايز تسمع فايزة أحمد، ما تسمعهاش مع مع محمد سلطان.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى